حين يتنمر الأهل على أطفالهم.. انتبه قد تؤذي ابنك دون أن تدري
بشعرها الأشعث تقف أمام المرآة تحاول التحسين من وضعه، لكن محاولاتها تفشل ونتتهي بالبكاء. رنا طفلة في السابعة من عمرها يؤرقها شعرها الجاف ذو الطبيعة الغجرية «المنكوشة».
لا تزال تستمع الطفلة لكلمات تضايقها من والدتها وجدتها لأبيها باعتراضهما على طبيعة شعرها.
«يا بنات أنا بنتي شعرها وحش وكل يوم الصبح بتفضل تعيط وأنا بسرحه وأوقات مترضاش تروح المدرسة.. جربت البروتين وبرده منفعش عايزة طريقة أقدر أحسن منه».. كتبت والدة رنا على موقع فيس بوك، لتتلقى حلولا طبيعية وكيميائية.
توصل بحث لجمعية الأطفال البريطانية في عدة بلدان، إلى أن قرابة 22 % من الفتيات في سن 14 عاما عرضن أنفسهن للإيذاء، بسبب تعرضهن للتنمر وفقًا لتقرير نشره موقع bbc.
قد يساهم الأهل -دون قصد- في الأذى النفسي لأطفالهم ممن يعانون من عيوب في البشرة والجسم. وتعتبر والدة رنا واحدة من هؤلاء. تتعامل مع أزمة ابنتها بأسلوب خاطئ تفهمه الصغيرة على أنه انتقاد وتقليل منها. الأمر الذي يمتد تأثيره إلى فقدان الثقة في النفس ويجعل الطفل عرضة للانتقاد من أصدقاء المجتمع والمدرسة.
دبدوبة التخينة
تحكي فاطمة عن تلك الأغنية التي كانت ترددها لها أمها دائمًا وهي طفلة في السنوات الأولى من عمرها، «مش عارفة ليه كانت ديمًا تغنيلي دبدوبة التخينة.. في الأول كنت برقص عليها وبعدين بدأت أضايق لما أختى قالتي واحنا بنتخانق دبدوبة التخينة»، ذكريات عمرها أكثر من خمسة عشر عامًا لازلت تعاني من آثارها حتى الآن.
دائمًا كانت تنهرها والدتها أمام الجميع بسبب بدانتها، وتطلبها الكف عن الطعام، وأحيانًا يصل بها الأمر بمنعها عن الأكل تقول «كنت بستني لما تنام وأكل.. مش عارفة ده من الجوع ولا بس مجرد عند»، في المدرسة استسلمت لسخرية زملائها منها وأحيانًا كان البعض يتجنب اللعب معها بسبب وزنها الزائد الذي يعيقها عن الجري ويؤدي لخسارة فريقها.
لم يكن لفاطمة الكثير من الصداقات، فالوحدة كانت تلازمها في الطفولة وحتى في المراهقة، تتجنب المناسبات الاجتماعية منعًا للمقارنات ولجملة والدتها الشهيرة «مفيش فستان هيدخل فيكي».
وصل وزن فاطمة إلى 90 كيلو جرام وهي في الثانوية العامة وبالرغم من ملامحها الجميلة إلا أنها كانت تشعر بالنقص عن باقي زميلاتها: «فاكرة أول مرة حد عاكسني.. مكنتش مبسوطة من المعاكسة بس كنت محتاجة أسمع ولو أي كلمة حلوة تديني ثقة في نفسي».
كانت تسمع باستمرار وهي في المرحلة الثانوية، جملة: «محدش هيبصلك ولا هيتقدملك طول ما انتي دبدوبة كدة»، أكثر من مرة تحاول والدتها إقناعها بالذهاب للدكتور لعمل حمية غذائية ولكنها كانت ترفض.
صاحبة العشرين عاما كانت تحب الطعام وترى فيه متعتها الوحيدة، لذلك فالحديث عن نظام يحرمها منه يجعلها تشعر بالتوتر والغضب من نفسها وممن حولها.
في السنة الثانية بكلية الصيدلة، أصبحت أكثر نضجًا لمشاعرها، ولتقبلها لذاتها كما هي ولكنها لم تغفر لوالدتها كم الأذى النفسي التي تسببت فيه بدعوى الخوف على مصلحتها، لازلت فاطمة وحيدة ولا زلت تكره أغنية «دبدوبة التخينة».
للمراهقات.. نصائح هتحميكي من «التنمر الإلكتروني»
«بيعايروني وقالولي يا سمر اللون يا لالي»
«يا عبْد» كان النداء المفضل لزملاء أحمد لأنه صاحب بشرة سمراء، في إشارة للتحقير منه. وبسبب بشرته الداكنة مارسوا عليه أشكال البلطجة وهو لا يقوى على الدفاع عن نفسه.
كان يترجى والديه، الذهاب معه إلى المدرسة في صبيحة اليوم التالي لتوقيع العقوبة على هؤلاء الذين يتعدون عليه بشكل يومي بالإهانة اللفظية وأحيانا بالضرب. دون جدوى.
«أبويا كان بيقولي بيضربوك يا عبيط اتعلم تدافع عن نفسك أحسن بدل ما تيجي تعيطلي»، أصبح الأمر يتكرر بإستمرار حتى كره أحمد الذهاب إلى المدرسة، وفي الصباح يتحجج لوالدته بأمر مختلف، نفذت الحيل ولم تعد أمة تتقبلها خاصة بعدما رسب في مادة اللغة الإنجليزية في الصف الثالث الإبتدائي «وأكلت علقة موت».
استمر التنمر على أحمد حتى المرحلة الإعدادية، ولكنه لم يعد يتقبل الإهانة أكثر من ذلك فبدأ في صنع المكائد لزملائه، كأن يضع أحد أغراضه في شنطة أحدهم ويشتكي بأنه سرقها.
ذات مرة سرق من محفظة والده 200 جنيهًا وأعطاها لأحد الصبية المعروف عنه البلطجة في المدرسة الثانوية التي تقع في نفس مربع مدرسته بعين شمس، وطلب منه أن يقتص ممن يضايقونه ضربَا، اكتشف والده الأمر وعاقبه، أحمد سمع والده يقول لوالدته: «ابنك مش نافع وأحسنله يقعد من المدرسة».
عقدة أوديب.. حين يغير الطفل على أمه من أبيه
كم تمني أحمد أن ينفذ والده تهديده ويستريح من هؤلاء الذين لا يتقبلونه بسبب بشرته السمراء وأنفه الفطساء. طفولة بائسة عاشها دون أن يشعر به أحد، قادته لمراهقة منحرفة بعض الشيء.
تخرج أحمد من كلية التجارة بجامعة عين شمس، وعمل تحت وساطة عمه الأكبر في أحد البنوك الشهيرة، ولازال يشعر بالتنميط والحرج من حديث الآخرين عن ملامحه. تقول له والدته دائما: «نشوفلك واحدة بيضة علشان نحسن السلالة».
وفقًا لموقع stop bulling فإن 90% من حالات التنمر سببها الأهل، إما بإهانة أطفالهم بشكل مباشر أو بعدم الدفاع عنهم حين يتعرضون للمضايقات والبلطجة من زملائهم.
وتقول طبيبة نفسية، في تقرير نشره الموقع: يختلف موقف الأطفال الذين يدعمهم الأهل عند تعرضهم للتنمر، عن الأطفال الذين يلاقون سلبية من قبل الأهل، فالشعور بالأمان والتقبل ينبع في الأساس من الأسرة.
توضح الأخصائية النفسية مروة الشريف، أن الصورة الذاتية للطفل تتشكل خلال السبع سنوات الأولى من عمره، والأهل هم المرجع الأول الذين يساعد الطفل على معرفة نفسه وتقبل ذاته، ويحدد ولي الأمر طريقه اختيارات الشخص في الحياة فيما بعد وتعاملاته مع أقرانه.
الأهل هم المرآة التي يرى الطفل فيها نفسه فلا يعرف أنه وسيم أو شعره جميل إلا حين يقولون له ذلك ويحدث العكس إذا وصموه بأحد الصفات أو العيوب، الأمر الذي يعزز الثقة في النفس أو يقضي عليها، ويمتد أثره لوقت طويل. تقول الأخصائية النفسية.
بينلوبي.. حكاية بنت بمناخير خنزير
penehope فيلم خيالي إنتاج أمريكي بريطاني، يحكي عن عائلة ويليام التي تقع تحت لعنة إحدى الساحرات الحاقدات، وتتمثل اللعنة في أن أول مولودة أنثى من نسل العائلة ستحظى بأنف تشبه أنف الخنزير، ولن تفك اللعنة إلا عندما تدخل الفتاة في علاقة حب تكلل بالزواج.
تناست العائلة تلك اللعنة بمرور السنوات، عندما حالفهم القدر بإنجاب الذكور فقط، ولكن بعد وقت طويل ولدت الطفلة بينلوبي بأنف تشبه الخنزير بعد أن تحققت اللعنة، تدور أحداث الفيلم حول عدم تقبل الفتاة والأهل لتلك الوصمة مختبأة بقطعة قماش تخفي أنفها.
يمكنكم مشاهدة الفيلم فهو يتعرض لإشكالية التنمر على الأطفال.
فرحانة .. تعلم الأطفال الدفاع عن النفس
«فرحانة.. وسر جمالها» قصة أطفال للكاتبة رانيا حسين، تعلم الصغار كيفية الدفاع عن النفس عندما يتعرضون للسخرية من جسدهم.
تحكي القصة عن زميل جديد يأتي إلى المدرسة يسخر من فرحانة، وينبهر الجميع به، كيف نجحت فرحانة في أن تتغلب على هذه الأزمة؟.
عندما حاول وصم فرحانه بشكل أنفها وشعرها، لم تعريه اهتمام ولم تلقي بالًا لتلك التعليقات الي تهز ثقتها بنفسها، فعندما وجد أنه لم يستطع النيل منها وإيذائها تركها وشرع يبحث عن شخص آخر يمارس عليه تلك السخرية.
كيف ندعم أبنائنا عند تعرضهم للتنمر؟
تنصح الأخصائية النفسية مروة الشريف، الأهل بمساندة أطفالهم الذين يتعرضون للتنمر بالطرق التالية:
- أن يعرف الطفل أن والديه على قدر من التفهم بتلك المشاعر السيئة التي يشعرها، وأنه من حقه الغضب وعدم تقبل الكلمات المسيئة.
- دعم ثقة الطفل في نفسة وهيئته وزرع تقبله لشكله عن طريق الكلمات الإيجابية المباشرة
- التأكيد دائما على أهميته ومكانته لديهم وصورته في أعينهم.
- تجسيد مواقف تنمر أصدقائه التي يتعرض لها في «اسكتش» يعالج فيه الأمر ويأخذ موقف تجاههم بشكل فوري.
- التأكيد على فكرة أن البشر مختلفين في الشكل والخصال، وأن لكل شخص رأي وليست من شأن أحد الحكم على غيره.
- رفض التعليقات التي تضايقه وعدم السماح لغيره بالتعليق على شكله وهيئته، وأخذ موقف إيجابي وحاسم بدلًا من السلبية والانسحاب.
كما أن الحوار البناء ودعم ثقة الطفل في نفسه ومساعدته في تكوين صورة إيجابية على نفسه هو دور الأبوين اللذان يشكلان ملامح الشخصية منذ الطفولة والتي ترسم مستقبل هؤلاء الأشخاص وتؤثر عليهم حتى بعد الزواج وتجربة الإنجاب.
لأن البعض وفق مروة الشريف، يكرر المأساة مرة أخرى مع أطفاله دون وعي بالرغم من معاناته هو الآخر حين كان صغيرا.