استشاروا المنجمين في الأسماء واحتفلوا بأول حلاقة شعر.. هكذا ربى المصريون أبنائهم في زمن الباشا
اختلفت طريقة تربية المصريين لأطفالهم بتعاقب العصور، ورغم أن بعض الأساليب كانت سائدة في القرن الـ19 إلا أنها ما زالت قائمة حتى الآن، وبعضها زال بنهاية تلك الفترة الزمنية. «شبابيك» يستعرض كيف تعامل المصريون مع أبنائهم في عهد محمد علي من خلال كتاب «عادات المصريين المحدثين وتقاليدهم. 1833 – 1835» للرحالة الإنجليزي إدوارد وليم لاين.
استشارة المنجمين
أولى الواجبات الملقاة على عاتق الأهل عند ولادة طفلهم، هي إسماع أذنه اليمنى بـ«الآذان»، وهذه مهمة الرجل، وقد يعمد بعض الأشخاص إلى ذكر «الإقامة» في أذنه اليسرى. وهدف هذه الأعمال حماية الطفل من تأثير الجن. ويعرف المصريون عادة أخرى في السياق نفسه تكمن في ترديد جملة «باسم الرسول وابن عمه علي».
وعرف المصريون عادة استشارة المنجمين مسبقاً في تسمية الطفل والاحتكام إلى خيارهم، لكن هذه العادة زالت ولم يكن يلتزم بها إلا قليل. وفي الغالب يختار الأب اسم طفله بنفسه فلا يركن في خياره إلى أحد، وأما الأم فتختار اسم ابنتها عادة.
وغالباً ما كان يُسمى الأبناء تيمناً بأحد أسماء الرسول (محمد، أحمد، مصطفى)، أو نسبة إلى أحد أفراد البيت (علي، حسن، حسين)، أو صحابته (عمر، عثمان، علي)، أو إقتداءً بأسماء بعض الأنبياء قديماً (إبراهيم، إسحاق، يعقوب، موسى، داوود، سليمان)، أو يعطون ابنهم اسماً يدل على طاعة الله (عبدالله، عبدالرحمن، عبدالقادر).
وتُسمى الفتيات إقتداءً بأسماء أمهات المؤمنين زوجات الرسول أو أهل بيته (خديجة، عائشة، فاطمة، زينب)، أو يتميزن باسم يدل على أنهن مباركات محبوبات غاليات (محبوبة، غالية، نفيسة)، أو يستقين أسماءهن من أسماء الزهور أو غيرها من الأشياء المحببة.
أول حلاقة
ولما يبلغ الولد السنتين أو الثلاث سنوات من عمره أو قبل هذا السن أحياناً، يُحلق شعر رأسه، فلا تُترك منه سوى خصلة صغيرة أعلى رأسه، وأخرى تتدلى فوق جبهته.
ويعمد معظم الفلاحين بمناسبة حلقهم شعر طفل من أطفالهم أول مرة إلى ذبح معزاة عند قبر أحد أوليائهم في قريتهم أو أي مكان قريب منها، وإقامة وليمة يدعون إليها بعض أصدقائهم، وتنتشر هذه العادة خاصة في صعيد مصر وبين القبائل التي توطدت قبل هذه الفترة في ضفاف النيل. وقد عرف أسلاف هذه القبائل في شبه الجزيرة العربية هذه العادة، فكانوا يتصدقون على المساكين بإعطائهم وزن الشعر المحلوق فضة أو ذهباً.
احتفالات الختان
وعند بلوغه الخامسة أو السادسة من عمره يُختن الصبي وأحياناً بعد ذلك. ويعمد الوالدان – إن سمحت أحوالهما المادية – قبل ختانه بطقوس معينة. يقومان بعرض ابنهما وتجواله في شوارع متعددة واقعة في جوار مسكنهما.
ويتزعم الصبي ومرافقوه هذا الحفل، فيرتدي الصبي عادة عمامة من الكشمير الأحمر، ولكنه في حالات أخرى يكون مرتدياً لملابس البنات، ويضع الحلي النسائية لجلب العين إلى منظر لباسه، فيحولها بذلك عن شخصه خشية الحسد، وتكون ثيابه أجمل من أن توصف، إذ تتم استعارتها من إحدى السيدات وتكون فضفاضة من غير مقاس الصبي.
وكذلك يُستأجر حصان يُغطى سرجه بغطاء مزركش لنقل الطفل، ويُجعل في يده اليمنى منديل مطوي يخفي بعضاً من قسمات محياه فيحميه بذلك من العين الشريرة. ويمشي أمامه خادم الحلاق منفّذ عملية الختان واثنان أو ثلاثة من "المزيكاتيين" (الموسيقيين) الذين يعتمدون في موسيقاهم على المزمار والطبلة.
ويأتي خادم الحلاق في المقام الأول في عملية الختان هذه، فيضع على رأسه «الجمل» وهو عبارة عن صندوق خشبي اسطواني الشكل تقريباً ذات أقدام أربع صغيرة، وتُغطى واجهة الصندوق بمرايا نحاسية بينما يتخفى ظهره وراء ستارة.
ويحمل خادم الحلاق الصندوق، ويتبع الخادم فريق "المزيكاتيين" يليهم الصبي وسائس حصانه، وتمشي الوافدات من قريباته ولفيف الأصحاب وراءه.. ويحصل أن يتم عرض صبيين في وقت واحد وقد يحملهما الحصان نفسه أحياناً.
القراءة والكتابة
لا يولي الآباء تعليم أولادهم وتثقيفهم عناية كبرى، فيكتفون بتلقينهم بعض المبادئ الدينية ويعهدون بهم – إن كان بمقدورهم – إلى أحد المدرسين، ويتعلم الولد في مرحلة مبكرة شهادة أن «لا إله إلا الله محمد رسول الله»، ويتعلم معظم أولاد الطبقتين المتوسطة والغنية وبعض أبناء الطبقة الدنيا على يد معلمهم قراءة القرآن وتلاوة بعض سوره أو كلها عن ظهر قلب، يليه علم الحساب في مرحلة لاحقة.
ولم تكن البنات يقبلن على تعلم القراءة والكتابة، أما اللواتي ينتمين إلى الطبقة الغنية فيتعلمن فقط تأدية صلواتهن، ويوكل البعض أمر هذه المهمة إلى «شيخة» تدأب على زيارة الحريم (مكان مخصص للسيدات في بيوت الأغنياء) يومياً فتعلم بنات وجاريات صاحب المنزل تلاوة بعض سور القرآن والقراءة والكتابة.
في المقابل انتشرت في مصر المدارس التي تعلم الفتيات أشغال الإبرة والتطريز، وقد تزور المعلّمة منازل الأغنياء فتعلم بناتهن هذه الأشغال.