مقاهي القاهرة في عيون رحّالة العصر العثماني.. حين سخر المصريون من أهل باريس

مقاهي القاهرة في عيون رحّالة العصر العثماني.. حين سخر المصريون من أهل باريس

لمقاهي القاهرة طعم خاص لم يتكون بين يوم وليلة، وإنما عبر تاريخ طويل امتد لعقود عديدة، كتبت خلاله أحداثا هامة في حياة المصريين وصُبغت بطبائعهم. وفي العصر العثماني لفتت المقاهي انتباه الرحالة والمؤرخين فكتبوا عنها ودونوا ملاحظاتهم بشأنها.

تجارة البن

والملاحظ أن تزايد ارتياد المصريين للمقاهي في العصر العثماني تزامن مع النمو الذي كان قد بدأ يطرأ على تجارة البن في القاهرة خلال النصف الأول من القرن السابع عشر، بل وأصبح النشاط التجاري الرئيس لمصر لاسيما أنها مثلّت في القرن الثامن عشر ثُلث التجارة الدولية للبلاد.

كانت القهوة تُقدم لللمصريين في فناجين صغيرة الحجم محمولة على صواني نحاسية. وهذه الفناجين مصنوعة إما من البورسلين وتُحضر من ألمانيا، أو من الخزف. ولا يستخدم القاهريون السكر في احتساء القهوة، حتى أنهم كانوا يسخرون من الفرنسيين لوضعهم السكر في القهوة.

وكان يتولى هذه التجارة بين عامي 1112 و1750 حوالي 500 تاجر كانوا يستوردون من اليمن حوالي 100 ألف قنطار من البن، كان يُصدر منها إلى أوروبا ما بين 15 و20 ألف قنطار، و50 ألفاً إلى سائر أقاليم الدولة العثمانية. ومن بين كبار تجار القاهرة الذين قاموا بدور مهم في تجارة البن عائلة «الشرايبي».

وكان لدخول البن إلى أقاليم الدولة العثمانية المختلفة دور في تغيير نمط الاستهلاك في المجتمعات العثمانية، حتى غزا هذا المشروب الجديد المسمى بـ«القهوة» كافة أقسام الدولة، وانتشر بين أوساط اجتماعية جديدة كانت بمنأى عنه.

وهكذا عرفت القاهرة منذ القرن السابع عشر «القهوخانات» التي كان يتردد عليها الناس «ليشربوا ماءً مغلياً أسود اللون» على حد تعبير الرحالين هنري كاستيلا، ويوهان فيلد اللذان زارا القاهرة في العقد الأول للقرن السابع عشر، الأمر الذي يدل على عدم معرفتهما بهذا المشروب الجديد.

تنامت المقاهي العامة في مدينة القاهرة ابتداءً من أواسط القرن الثامن عشر، حتى أن آدم فرانسوا جومار أحد علماء الحملة الفرنسية يذكر أن بالقاهرة في زمن الحملة كان بها ما بين 1400 و1500 مقهى.

القاهرة وباريس.. قهوة سادة

ويذكر «جوزيف جاسبار كونت دو شابرول» أحد علماء الحملة الفرنسية أنه لا علاقة لهذه المقاهي بالمقاهي الموجودة في هذا الوقت في فرنسا، إلا من حيث استهلاك البن الذي يُعد ويُحتسى بطريقة مختلفة، فلا يوجد في مقاهي القاهرة أثاث على الإطلاق أو مرايا وديكورات داخلية وخارجية فيما عدا دِكك خشبية تشكل نوعاً من المقاعد على دائرة جدران المقهى مفروشة بالحُصر المصنوعة من سعف النخل أو بُسط خشنة (أكلمة) في المقاهي الأكثر فخامة، إضافة إلى منصة لإعداد القهوة من الخشب بالغة البساطة.

ويصف «جاسبار» هيئة مرتادي هذه المقاهي بأنهم يضطجعون على الحُصر التي تغطي هذه الدكك، وتقدم لهم القهوة في فناجين صغيرة الحجم محمولة على صواني نحاسية. وهذه الفناجين مصنوعة إما من البورسلين وتُحضر من ألمانيا، أو من الخزف. ولا يستخدم القاهريون السكر في احتساء القهوة، حتى أنهم كانوا يسخرون من الفرنسيين لوضعهم السكر في القهوة.

ويوجد بكل مقهى عدد من الأراجيل (مفردها أرجيلة)، مبسمها من العظم تُعد للزبائن المدخنين للتبغ أو القنب. ولاحظ «جاسبار» أن المعتادين على التدخين كانوا نادراً ما يتحركون بدون أرجيلاتهم.

إشراف إداري

وكانت مقاهي القاهرة تخضع لإشراف رئيس يأخذ حق التزاماتها من السلطة وكان عادة «أغا الإنكشارية»، يدفع له كل مقهى رسماً في أول السنة الهجرية يبلغ ما بين 10 – 40 مديني (عملة في العصر العثماني) كانت تُعفى منه المقاهي الصغيرة.

ويتردد على هذه المقاهي ما بين 200 إلى 250 فرداً في اليوم يتناول كل منهم من فنجانين إلى ثلاثة فناجين من القهوة مقابل 1.5 بارة (عملة في العصر العثماني) للفنجان الواحد.

ولاحظ «جاسبار» أن كثيراً من المقاهي تبيع الأفيون لمرتاديها، وهو مخدر يصفه «جاسبار» بأنه يتخذه العوامُ وسيلة للانتشاء، ويعتاد عليه ثُلثا عدد الحرفيين.

أنواع التسلية

ويوجد في كل مقهى عدد من الرواة والمنشدين يروون بصحبة آلة الربابة الحكايات والسير الشعبية، وأحياناً ما يؤّجر صاحب المقهى هؤلاء المنشدين، ولكن في الأغلب كانوا يحصلون على ما يجود عليهم به رواد المقهى عن طيب خاطر.

أما التسلية الشائعة في هذه المقاهي فكانت لعبة الشطرنج، وهي لعبة فارسية قديمة عُرفت في العالم الإسلامي منذ العصر العباسي، إضافة إلى مشاهدة خيال الظل الذي يُعرض على الأخص في المقاهي التي يرتادها الأتراك، ولاحظ «جومار» أن الموضوعات المطروحة من خلال خيال الظل سطحية وتافهة وأغلبها مثير وفاحش، ورغم ذلك يُسمح للأطفال الصغار بدخول المقاهي بحرية أثناء العرض.

المصدر

  • كتاب «القاهرة.خططها وتطورها العمراني». الدكتور أيمن فؤاد سيد.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية