إنتاج الأوبرا في مصر.. مجهود فردي وسخرية فنية ووصول متأخر
كتبت- شيماء عبد الوهاب:
عرفت مصر الأوبرا في عصر الخديوي إسماعيل الذي كان مهتما بالفنون، حين قرر إنشاء دار للأوبرا احتفالا بافتتاح قناة السويس، واختيرت قصة من التراث المصري القديم لمسرحية شعرية تقدم في الافتتاح وهي أوبرا «عايدة» الشهيرة التي كتبها جيالا، ولحنها الموسيقار الإيطالي فيردي. لكن الظروف حالت دون تقديمها وتم تقديم عرض «ريجولتيو»، وعرضت «عايدة» في ديسمبر 1871.
ولأن فن الأوبرا بعيد عن تذوق المصريين، بالرغم من أن التاريخ المصري القديم مليء بالنماذج الموسيقية المصاحبة بالأداء الدرامي، إلا أن الاجتهادات المصرية لإنتاج أوبرا خاصة بمصر، في محاولة للابتعاد عن نشأتها الإيطالية، كانت فردية وشخصية وبدون أي تعاون أو تطوير لمجهودات الآخرين.
في هذا التقرير من «شبابيك» نتذكر معكم المحاولات المصرية لإنتاج أوبرا بكلمات وألحان قاهرية خالصة.
سيد درويش يبدأ
بدأ الأمر باجتهادات الفنان سيد درويش، والذي قدم الأوبرا على هيئة أوبريتات غنائية، مثل «العشرة الطيبة» الذي كتبه محمود تيمور، ونظم أغانيه بديع خيري، ولحنه درويش نفسه. ورغم أن الأوبريت مأخوذ عن المسرحية الفرنسية الهزلية «ذو اللحية الزرقاء»، إلا أنه كان مصريا خالصا، واعتمدت فكرته الأساسية على تمجيد الفلاح المصري.
بعد ذلك أنتجت أغاني تحتوى على أجزاء أوبرالية، وكان أشهر ما قدم بهذا الشكل: «يا طيور» للمطربة الراحلة أسمهان عام 1940، وتأثر فيها الملحن محمد القصبجي بـ«فالس» غنائي من تأليف الموسيقار النمساوي الأصل، يوهان شتراوس، لكنها لم تكن نسخة عنه.
كوكب الشرق وأوبرا عايدة
جاءت بعدها كوكب الشرق أم كلثوم، وقدمت «أوبرا عايدة» باللغة العربية، وكان ذلك أول محاولة لتعريب الأوبرا، حيث قدمتها في فيلم «عايدة» عام 1942، مع النجم إبراهيم حمودة.
كتب نص «أوبرا عايدة» الشاعر أحمد رامي، ولحن الفصل الأول «القصبجي»، والثاني رياض السنباطي، وتوزيع إبراهيم حجاج، وقيادة الأوركسترا من نصيب عزيز صدقي، لكن هذه المحاولة لاقت انتقادات شديدة بسبب طول الأوبرا، كما اعتقد الكثيرون أن أم كلثوم حاولت بها منافسة «أسمهان».
الموسيقار حسن رشيد
وفي عام 1947، قدم الموسيقار حسن رشيد أول مؤلفة أوبرالية مصرية خالصة بعنوان «مصرع أنطونيو»، والتي استوحاها من «مصرع كليوباترا» لأمير الشعراء أحمد شوقي، إلا أن هذه الأوبرا لم يتم تقديمها على المسرح، فكان من الصعب جمع عدد كاف من المغنيين المصريين المحترفين لأداء الأدوار، وفقًا لـ«هايج أفاكيان» في دراسته «أوبرا حسن البصري أول عرض لأوبرا مصرية عام 1956».
أول عرض مصري
فيما كان أول عرض لأوبرا مصرية عام 1956، والتي جاءت بعنوان «حسن البصرى»، للرائد كامل الرمالي، الذي اقتبسها من «ألف ليلة وليلة»، وأخرجها حمدي غيث، حيث لعب الأدوار الرئيسية فيها يوسف عزت، ونهاد توفيق.
وجاء الشاعر عبد الرحمن الخميسي، ليقدم تعريبًا لأوبرا «الأرملة الطروب»، حيث نشره فى مجلة «المجلة» 15 أكتوبر 1961، ليطلب منه وزير الثقافة آنذاك ثروت عكاشة تقديمه كأوبريت للأوبرا وتعريب أغانيها ليصبح الأوبريت الأول من نوعه ناطقا باللغة العربية، حتى الأغانى حملت بصمة «الخميسي»، وتم تقديمه على المسرح من قبل رتيبة الحفني، وكنعان وصفي، وحسين رياض، ونوال أبو الفتوح، وزيزي مصطفى.
وفى عام 1970، وضع عزيز الشوان الموسيقى لثالث أوبرا مصرية والتي أطلق عليها «أنس الوجود»، وقد كتب النص الشعري لها الشاعر سلامة العباسي، مستوحيا شخصياتها وأحداثها من قصص «ألف ليلة وليلة» خلال الفترة من نهاية العصر القبطي والفترة الأولى للفتح العربي لمصر كي يعرض فيها لمحات من الحياة المصرية في هذه الفترة.
عُرضت أوبرا «أنس الوجود» في يوليو 1994 على مسرح أوبرا القاهرة للمرة الأولى ولكن كان على هيئة «كونسير موسيقي» بقيادة المايسترو يوسف السيسي، فيما تم تقديمه كعرض مسرحي متكامل في عام 1996، بقيادة نفس المايسترو، لتكون أول محاولة لتقديم أوبرا عربية كاملة، بداية من الألحان والنص وانتهاء بكافة عناصر العرض الأوبرالي.
واستمرت المحاولات المصرية وجاء المؤلف شريف محيي الدين ليقدم «أوبرا حجرة» بعنوان «ثلاث أوبرات فى ساعة» لتصبح أول أوبرا مصرية تقدم كاملة بالإخراج المسرحى في 1994، كما قدم سيد عوض أوبرا «مصرع كليوباترا» بالمسرح الكبير على هيئة كونسير.
وفي الألفينات، قدمت فرقة أوركسترا أوبرا القاهرة، أوبرا «زواج فيجارو» التي ألفها موتسارت عام 1786، باللغة العربية، كما قدمت «الناي السحري» و«دون جيوفاني»، والذي قام بترجمته وتحويله للعربية الموسيقار علي صادق.
وقدم المؤلف المصري، في عام 2009، المسرحية الموسيقية «براكسا» لتوفيق الحكيم، وأخرجها نادر صلاح الدين.
وظهرت فرقة «أوبرا عربي» للفنان محمد مصطفى، والتي قدمت عددا من المسرحيات الغنائية معتمدين على اللهجة العامية المصرية بأداء وألحان وقصة مصرية، حيث تهدف الى توصيل فن الأوبرا للمصريين حتى يتذوقوه بشكل معاصر.
الأوبرا معربة في الدراما والأفلام
قدم الفنان فؤاد المهندس، مشهدًا كوميديًا في فيلم «أخطر رجل في العالم»، خلال هروبه من أفراد المافيا، فدخل إلى أحد المسارح الذي تعرض عليها «أوبرا كارمن»، وخلالها اقتحم «المهندس» المسرح وقام بغناء كلمات مصرية بأداء أوبرالي ساخر.
فيما قدم الفنان محمد صبحي عام 1999 مسرحية «كارمن» المأخوذة عن «أوبرا كارمن» لجورج بيزيه، وأضافها داخل قصة أخرى ليناقش مفاهيم إنسانية كثيرة، من ضمنها الحرية المطلقة، والديكتاتورية، وربطها بالواقع السياسي الذي يعيشه العالم اليوم. الأشعار والأغاني كتبها محمد بغدادي، والموسيقى والألحان عمر خيرت.