الخديوي توفيق كان ماسونياً وأدخل الإنجليز مصر وتآمر على أبيه
يأتي الموت أحياناً ليكشف عن قيمة المتوفي بين ذويه ومعارفه، فيذكرون محاسنه التي سيفتقدونها فيما بعد، لكن وفاة الخديوي توفيق لم تكن كذلك، فلم يحزن عليه أحد حتى أبيه.
توفيق ماسونيا
أصيب الخديوي توفيق بنزلة برد استمرت ثمانية أيام، واشتدت وطأة الحمى عليه يوم 6 يناير، وعانى فيها الأرق وضيق التنفس، وأصيب باحتباس في البول لمدة يومين أدى إلى وفاته بالتسمم في 7 يناير 1892، بعد فترة حكم استمرت 13 عاماً.
حدثت الوفاة في حلوان حيث يقيم، ويقول أحمد شفيق باشا رئيس الديوان للخديوي عباس حلمي الثاني في الجزء الأول من مذكراته «مذكراتي في نصف قرن» الصادر عن هيئة قصور الثقافة: «وصل النعش محطة قطار باب اللوق إلى سراي عابدين، وتقرر أن تكون الجنازة بالملابس الرسمية، وضم موكب جنازته النظار، وممثلي الدول، والعلماء، والأمراء، والرؤساء الروحانيين، وكثيراً من وفود الأقاليم والجموع الكثيرة من الشعب، وجماعة الماسونيين لأن المتوفي كان ماسونياً».
وفيما يتحدث «شفيق» عن أن موت «توفيق» البالغ من العمر 40 عاماً أدى إلى «الحزن العميق بين الطبقات»، و«لبست البلاد كلها ثوب الحداد وحزن الشعب كله على أمير كان يحبه»، ويتحدث عنه بوصفه حاكماً وطنياً عادلاً، يصفه أحمد عرابي بـ«الخائن».
تآمر على أبيه
يقول محمد عودة في كتابه «ليبراليون وشموليون وقصة الديمقراطية والحزبية في مصر» الصادر عن دار الهلال: «لم يبال أحد بنهاية حكمه ولم يذرف أحد من أسرته أو من شعبه دمعة حزن عليه».
ويضيف «عودة» أن والده «إسماعيل» الذي كان يعيش في اسطنبول بتركيا بعد عزله تلقى خبر وفاة نجله ببرود وصمت، فهو الذي قال عنه: «أمير يحمل نفسية العبد ويفتقر إلى العقل والقلب والشجاعة، وكان يتآمر مع القناصل ضدي، رغم أنني امتهنت نفسي وركعت تحت أقدام السلطان العثماني وملأت جيوبه بالذهب لكي أغير قانون الوراثة حتى يصبح خديوي من بعدي».
محدود المواهب
وينقل «عودة» في كتابه آراء ذكرتها الصحف البريطانية في «توفيق»، ومنها صحيفة «فارايتي» التي قالت: «كان كائناً أليفاً لطيفاً محدود المواهب دائم الشك في كل شيء وكل أحد، ويفتقد الثقة في نفسه، وكل ما كان يعرفه ويقتنع به عن يقين أنه لا بقاء له على العرش الذي يجلس عليه إلا في حماية بريطانيا».
وكتبت صحيفة «مانشستر جارديان»: « يكفي أن يطوف الزائر بمصر أسبوعاً واحداً متجولاً في أرجائها، لكي يدرك أن أبغض شخصية إلى الأهالي وأحقرها هو الخديوي، وهناك إجماع على ذلك من كل الفئات والطبقات، وأقرب شخصية إليه هي مشعوذة يبدأ يومه بالاستماع إلى تنبؤاتها، وذلك قبل أن يتلقى تقارير الجواسيس الذين يستقبلهم كل صباح، وليس للخديوي من يعتمد عليه في مصر سوى بريطانيا».
دمية بريطانيا في مصر
وقالت صحيفة «كرونيكل»: «لم يكن أكثر من دمية طيعة في يد بريطانيا، استمر بوسيلة وحيدة فقط هي قدرته الخارقة على الدس والتآمر».
وكتب المستر بيمان من كبار موظفي الوكالة البريطانية في مصر قائلاً في رثائه: «لا يكره المصريون أحداً ويمقتون ويحقدون عليه مثل توفيق، بل إنهم أكثر كراهية له من كراهيتهم لنا، لأنه هو الذي جاء بالاحتلال وخان شعبه وبلاده».
كان الخديو توفيق هو الابن الأكبر لـ«إسماعيل» وأمه الجارية لوالده «نور هانم شفق»، ولم يعترف بها زوجة شرعية إلا قرب الاحتفال بافتتاح قناة السويس، فبسطت سلطتها على القصر بالتآمر، وهي التي أوحت لابنها بأن يمنع كل إخوته غير الأشقاء حسين، وحسن، وإبراهيم من العودة إلى مصر.