الدعارة في مصر من التقنين إلى التحريم.. مفكرون وأحزاب طالبوا باستمرارها
مر البغاء الرسمي في مصر بمنعطفات عديدة تباينت باختلاف موقف السلطات الحاكمة من هذا الأمر، فسمحت بوجوده حيناً، وقيدته بلوائح حيناً آخر، ونظمت ممارسته بقوانين إلى أن جُرّم كلياً.
في هذا التقرير من «شبابيك» ستتعرف على تاريخ البغاء في مصر من التقنين إلى التجريم.
البغاء المنظم
ورغم صدور لوائح تنظم البغاء في مصر في نهاية القرن التاسع عشر، إلا أن عام 1905 يمثل البداية الحقيقية للبغاء المنظم في مصر. ويقول الدكتور عبد الوهاب بكر في كتابه «مجتمع القاهرة السري (1901- 1951)» إنه في نهايات ذلك العام صدرت لائحة بيوت العاهرات التي نظمت نشاط المشتغلين بالدعارة في البلاد في 28 مادة.
أهمها ما نصت عليه المادة الأولى من اعتبار «كل محل تجتمع فيه امرأتان أو أكثر من المتعاطيات عادة فعل الفحشاء ولو كانت كل منهن ساكنة في حجرة منفردة منه أو كان اجتماعهن فيه وقتياً» بيتاً للعاهرات تنطبق عليه مواد اللائحة.
واشترطت المادة الثانية من اللائحة على طالب الترخيص بأن يقدم قبل فتح البيت قائمة بأسماء العاهرات والخدم وكافة الأشخاص المقيمين بالبيت أو الذين يؤدون خدمة فيه، وحددت اللائحة سن الثامنة عشر للعمل في بيوت العاهرات.
وأصدرت السلطات تذكرة معينة (رخصة) يجب أن تحوزها «كل مومسة تكون موجودة في بيت للعاهرات.. تُعطى لها من البوليس وعليها صورتها، وهذه التذكرة يجب تجديدها سنوياً».
وقررت المادة (15) إخضاع «كل مومسة تكون في بيت العاهرات» للكشف الطبي عليها «مرة في كل أسبوع بمعرفة الطبيب المنوط بمكتب الكشف». وبالنسبة لمدينة القاهرة كانت مستشفى الأمراض التناسلية بالحوض المرصود في حي السيدة زينب هي المكتب المخصص للكشف على المومسات كل أسبوع.
جدل فكري وسياسي
ظلت لائحة بيوت العاهرات هي المعمول بها فيما يتعلق بهذه الحرفة حتى عام 1949 عندما تم إلغاء البغاء المنظم، على أنه ينبغي الإشارة إلى أن حرفة البغاء وما يتصل بها من حرف قد تعرضت لبعض المتاعب التي لم تصل إلى حد الحظر. فقد اعتبر القانون رقم 24 لسنة 1923 والخاص بالمتشردين والأشخاص المشتبه فيهم «قوادو النساء العموميات» من المتشردين، وفقاً لنص المادة الأولى.
وكخطوة نحو إلغاء البغاء المنظم أصدرت الحكومة في عام 1939 أمراً إدارياً بإيقاف صرف تراخيص جديدة لبيوت البغاء، وذلك على خلفية حملة ضارية، قادها الشيخ محمود إبراهيم أبو العيون، وذلك من خلال سلسلة من المقالات في الصحف.
وزارة الداخلية تؤيد الدعارة
فمع انعقاد البرلمان عام 1924 أرسل «أبو العيون» طلباً يقترح فيه العمل على إلغاء البغاء رسمياً في مصر، ولاقت الحملة تجاوبا فى المحافظات، وكان مجلس محلي بنها أول من قرر إلغائه، لكن الداخلية رفضت، وتلاها بعد ذلك محافظات أخرى.
تسبب ما طالب به «أبو العيون» في اندلاع معركة بينه وبين بعض الأحزاب ورموز السياسة والفكر، وخاصة حزب الأحرار الدستوريين، وجريدة «السياسة» برئاسة الدكتور محمد حسين هيكل، حيث شنت هجوماً ضارياً على «أبو العيون» وصل إلى حد وصف محرر الجريدة له بـ«الشيخ الباغي البذيء، الأحمق»، و«الشيخ الدجال».
كما قال فكرى أباظة الكاتب الصحفي والنائب البرلماني وقتها: «إلغاء البغاء جريمة» غير أن الدكتور إبراهيم الدسوقي أباظة قال: «من العار أن يبقى البغاء رسميا في مصر»، وكانت حجة الرافضين أن إلغاءه سيعنى انتشاره سرياً، وبالتالي سيصعب الرقابة عليه.
تبع ذلك صدور الأمر العسكري رقم 384 لسنة 1943، بإعطاء الحق للمديرين والمحافظين في إغلاق بيوت العاهرات في البلاد في عواصم المديريات والمحافظات بما فيها القاهرة التي ظلت مسرحاً لممارسة الدعارة المنظمة. وفي النهاية صدر الأمر العسكري رقم 76 لسنة 1949 بإغلاق بيوت العاهرات في جميع أنحاء البلاد.