حياة الأسرى في زمن المماليك.. نشروا الدعارة وعصروا الخمور واستغلهم السلاطين
كثرت أعداد الأسرى الأجانب في الدولة المملوكية نتيجة للحروب التي خاضتها ضد أعدائها في الخارج مثل المغول، والأرمن، والفرنجة، وقد تم التعامل مع هؤلاء الأسرى وفقا لقواعد معينة اختلفت من سلطان لآخر. الدكتورة سماح السلاوي روت الكثير عن ذلك في كتابها «الجاليات الأجنبية في مصر في العصر المملوكي».
دعارة وشذوذ
عاش الأسرى الذين ظلوا في الأسر والاعتقال في عدد من السجون والمعتقلات حياة مختلفة عن حياة المجتمع المصري آنذاك، وكان من بين تلك السجون ما يعرف بـ«خزانة البنود» التي بناها الخليفة الفاطمي الظافر لتخزين أنواع البنود والرايات والأسلحة ثم احترقت، ثم أصبحت سكنا للأمراء وكبار رجال الدولة، وظلت هكذا حتى عصر الناصر محمد بن قلاوون إذ استخدمها سكنا للأسرى الأرمن والفرنج، ثم اقتصرت على الأرمن فقط.
عاش الأسرى في هذا السجن وتوالدوا وعصروا الخمور وباعوها وتمتعوا بحياتهم ومارسوا شرب الخمر وتربية الخنازير وبيع لحومها، وممارسة الدعارة، والشذوذ الجنسي.
ولكن هذا الوضع لم يستمر. وعندما علم الأمير حاج آل ملك الجوكندار بما يفعله الأسرى من شرب الخمور والفساد الأخلاقي وأن مماليكه يشربون الخمر ويتسامرون معهم ضاق بهم ذرعاً، وطلب من «الناصر» هدم السجن ولكنه رفض ذلك.
ثم تحقق له ذلك في عهد الصالح إسماعيل بن الناصر محمد حينما تولى منصب السلطنة، فاشترط عند توليه هدم خزانة البنود التي أصبحت سكناً للأسرى الأرمن فوافق على ذلك، وأراق ما بها من خمور، ونودي في شوارع القاهرة بشراء أراضيها وبني فيها الدور والطواحين، وأمر بالأسرى فأنزلوا بالقرب من المشهد النفيس (مسجد السيدة نفيسة) وأنزل من كان معهم أيضاً بالقلعة وسكنوا معهم، وقد فرح الناس كثيراً لهدم هذه البقعة التي كانت مرتعاً للفاسدين.
بناء وتشييد
وبجانب السجون التي نزل بها الأسرى، أقام الناصر محمد بن قلاوون أحواش للصيد بالقلعة وجعل فيها خدماً من الأسرى، ولم يقتصر الأمر على ذلك بل أقام هذه الأحواش في كل الأقاليم المصرية وسكن بها الأسرى لتربية الطيور والأغنام.
كما سخّر السلاطين المماليك الأسرى في الأعمال الشاقة مثل أعمال البناء، والتشييد، والحفر، فاعتمد عليهم الظاهر بيبرس في بناء العمائر السلطانية ببلاد الشام، وكذلك العمل في الحصون الإسلامية، وفي عصر المنصور قلاوون استخدم 300 أسير في بناء البيمارستان المنصوري والمدرسة والسبيل ومكتب الأيتام، وسار على نفس المنهج الأشقر خليل بن قلاوون والناصر محمد، حيث استخدم الأسرى الأرمن والفرنج في العمل كفلاحين في الإقطاعات والأراضي الزراعية ، إضافة إلى اشتراكهم في شق الترع والجسور وجلب الحجارة وحفر الخلجان.
وكان يسمح للأسرى بالخروج نهاراً للعمل في أحد مشروعات الدولة أو في العمائر السلطانية حيث كانوا مكبلين بالسلاسل الحديدية خوفاً من هروبهم، ثم تزايدت الحراسة ليلاً، وكان السجان يمنعهم من المبيت خارج السجن أو الخروج للحمام أو للكنيسة، ولا يسمح لهم بترك لحيتهم، وكان عليه التأكد من عددهم ليلاً ونهاراً.
وكانت هناك صور رحيمة مع هؤلاء الأسرى في بعض الأحيان، فقد خصص لهم الناصر محمد رواتب محددة من الخزانة السلطانية، كما منح الأسرى من المهندسين، والبنائين، والنجارين، الأموال حينما انتهى بناء القصر الأبلق بالقلعة، أما الظاهر برقوق فمنح خمسة دنانير لكل أسير بعد الانتهاء من بناء مدرسته.
دور سياسي
ولعب الأسرى دوراً ذا تأثير قوي في نواحي متعددة، فمن الناحية السياسية اعتمد سلاطين المماليك عليهم في استطلاع أخبار العدو، أو استخدامهم في الترجمة في البلاط المملوكي، وفي إعداد المعاهدات والمفاوضات التي عقدت بين سلاطين المماليك وملوك الغرب، أو بين الصليبيين، أو بين المغول، طالما استمرت الحروب والمشاحنات.
وكان الأسرى الأجانب مصدراً مهماً من مصادر المعلومات عن العدو، حيث كانت السلطات المملوكية تسأل الأسير الأجنبي بعض الأسئلة التي تحمل في باطنها معلومات ذات قيمة سياسية وعسكرية هامة.
والمرجح أن بعض هؤلاء الأسرى الأجانب قد اعتنق الإسلام، واندمج في السلك العسكري، ووصل إلى مناصب عليا مثل السلطان العادل زين الدين كتبغا الذي كان أسيراً مغولياً، وكذلك الأمير سلار التتري المنصوري الذي كان اسيراً مغولياً واشتراه المنصور قلاوون في أيام الظاهر بيبرس، وتولى منصب نائب السلطنة في عهد الناصر محمد بن قلاوون.