رسائل سينمائية انتصرت لقضايا البنات.. عن التحرش والعمل والطلاق
عالجت بعض الأعمال في السينما المصرية على مدى تاريخها القضايا النسوية، منتصرة للمرأة المظلومة والمقهورة. في هذا التقرير من «شبابيك» نعرض لهذه الأفلام الهامة، مع آراء المتخصصين في علم النفس والسينما حول إمكانية استفادة البنات منها.
الباب المفتوح.. طريق الحرية منذ الستينات
يحمل فيلم «الباب المفتوح» أكثر من رسالة نسائية صريحة، ورغم إنتاجه في سنة 1963 إلا أن ذكره ما زال في صدارة الحديث عن سينما المرأة، كما أنه فاز بجائزة مهرجان «جاكارتا» لأفضل فيلم سينمائي وأفضل ممثلة أولى.
تعاني بطلة الفيلم «ليلى/ فاتن حمامة» من تهميش الأسرة والمجتمع لدورها كأنثى في مقاومة الاحتلال البريطاني وإثبات وطنيتها، كما يجبرها والدها على الزواج من أستاذها في الفلسفة، فوافقت الفتاة لرغبتها في الحياة المستقرة الهادئة.
تنكشف الحقائق واحدة بعد الأخرى أمام «ليلى»، فالحياة التي اختارتها راكدة خالية من أي فائدة، وخطيبها الأستاذ الجامعي المنفتح أراد السيطرة عليها لأنه يراها مجرد جسد لتفريغ الشهوة، ولكن «حسين/ صالح سليم» زميل أخيها في الجيش يرشدها بكلماته قائلاً:
«أنا أحبك وأريد منك أن تحبينى، ولكنى لا أريد منك أن تفني كيانك فى كياني ولا فى كيان أي إنسان، ولا أريد لك أن تستمدي ثقتك في نفسك وفي الحياة مني أو من أي إنسان، أريد لك كيانك الخاص المستقل، والثقة التى تنبعث من النفس لا من الآخرين».
تقتنع «ليلى» بهذه النصيحة وتفسخ خطوبتها، لتبدأ حياتها انطلاقًا من «الباب المفتوح» الذي يعنيه عنوان الفيلم، فهو باب الحرية الإيجابية والدور النسائي السليم في المجتمع.
الأستاذة فاطمة.. عن المرأة العاملة
سبقت سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة إلى التوعية بعمل المرأة سنة 1952، عن طريق فيلم يحمل اسم البطلة التي دخلت مجال المحاماة رغم صعوبته ووعورته لتصير «الأستاذة فاطمة» في مهمة صعبة.
بسبب تخصص خطيبها «عادل/ كمال الشناوي» في نفس المهنة، يفتتح كلاً منهما مكتبًا للمحاماة، وكالعادة يفضل العملاء أن يختاروا الرجل على المرأة ليقف في المحكمة بفخامة وعظمة، والمشكلة أن «فاطمة» تتعامل كأنثى وتترافع أمام القضاة مستخدمة كلمات مثل «الدجاج والكتاكيت».
يقنعها خطيبها أنها لا تصلح كمحامية، لكن المفارقة تحدث حين يتورط في جريمة قتل، ويصبح مصيره في يد خطيبته، وبالفعل تتعاون «فاطمة» مع أهل الحي وتنجح بذكاء في تبرئة «عادل» وتثبت للجمهور أن المرأة قادرة على العمل إذا وثقت في نفسها.
أريد حلاً.. عن الزواج المستحيل
مرة أخرى تسجل فاتن حمامة اسمها في قضية هامة تخص كل امرأة متزوجة وهي حقها في الانفصال، فقدمت فيلم «أريد حلاً» سنة 1975 لتظهر القضية بقوة في وسائل الإعلام، ويساهم الفيلم في تغيير بعض بنود قانون الأحوال الشخصية.
يحكي الفيلم عن سيدة تعاني من معاملة زوجها السيئة، وتطالب بالطلاق لكنه يرفض مما يدفعها لدوامة القوانين والمحاكم، إلا أن زوجها يستغل سلطاته الدبلوماسية ويلفق ضدها الأدلة بشهادات الزور.
حقق الفيلم نجاحًا نقديًا وجماهيريًا كبيرًا، وحصل على المركز رقم 21 في قائمة أفضل 100 فيلم مصري، كما لقى ترحيبًا من سيدات كثيرات وجدن أنفسهن في البطلة وسعين للمطالبة بحقوقهن.
678.. في مواجهة التحرش
مع زيادة معدلات التحرش في مصر، كان فيلم 678 من أشد الأعمال السينمائية تركيزًا على هذه القضية، وطرحها بشكل صريح، فلم تمنعه الرقابة وإنما سافر إلى دول عديدة للعرض فيها مثل فرنسا وإسبانيا.
يطرح الفيلم 3 نماذج حية لسيدات وتعامل كل واحدة منهن مع التحرش بالقانون وبالحيلة، سواء في الاستاد، أو الشارع، أو وسائل المواصلات، ثم يعرض وجهات نظر أزواج النساء الثلاثة تجاه هذا الانتهاك.
تنكشف المشكلة الأكبر في وجود أزواج يتحرشون، والأمر الثاني هو استسلام بعض الفتيات للتحرش، فتقرر الفتيات الثلاثة الاتحاد من أجل مواجهة المشكلة ومحاولة تغيير القانون حتى يتلقى المتحرش جزاءه.
أسماء.. عن الظلم المكبوت
قد تتعرض بعض السيدات لمشاكل عديدة تضطر لحجبها وكبتها عن المجتمع، لحماية أسرتها وسمعتها، رغم أن المجتمع نفسه يجب عليه مساعدتها وحمايتها طالما لم ترتكب ظلمًا.
هذه الفكرة كانت الأساس في فيلم «أسماء» عن بطلة مصابة بمرض الإيدز وتحتاج لجراحة عاجلة على نفقة الدولة لكنها تخشى الإعلان عن هذا خوفًا من الفضيحة، إلا أن الفيلم يعرض حقيقة أن هذا المرض لا يعني بالضرورة أن صاحبته زانية أو داعرة.
تحكي «أسماء» قصة إصابتها بالمرض، وتعرض نماذج أخرى للمصابين به، حتى تقتنع في النهاية بضرورة إعلان حقيقتها على الملأ، لتبرئة نفسها قبل كل شيء والحصول على حقها في الرعاية.
هل تصبح السينما علاجا؟
هذه الأفلام عرضت قضايا مهمة، فهل تؤثر في الجمهور حقًا وتغير فكره أم أنها مجرد عرض للتسلية وقضاء الوقت فقط؟ يرى الناقد السينمائي هاشم النحاس أن الأفلام تغير في الفكر ولكنها لا تكفي وحدها لإحداث وعي مجتمعي حقيقي.
يقول «النحاس»: إن المُشاهد يجب أن يتبع الفيلم بمناقشات مع زملائه وأسرته، حتى يحصل على الاستفادة الحقيقية كأنه مر بتجربة شخصية وليس مجرد قصة على الشاشة، فالفيلم لا يهدف للتغيير بشكل وعظي مباشر.
توافق على هذا الرأي أستاذة علم النفس سوسن فايد، وتؤكد على دور المؤسسات الثقافية في الدولة بالربط بين الفيلم والمجتمع، عن طريق ندوات ومناقشات هادفة، فالإعلام والثقافة وجهان لعملة واحدة وفي الماضي جمعتهم نفس الوزارة الحكومية.
في نفس الوقت تشير الدكتورة سوسن إلى ضرورة الاهتمام بالوسائل السينمائية الحديثة في عرض الأفكار، حتى لا ينفر شباب العصر الحالي من الأساليب القديمة والتقليدية، وإلا فالقضية المعروضة لن تؤثر في المشاهد بأي شكل إيجابي.