عز الدين القسام.. أزهري باع «الهريسة» في القاهرة وقاد ثورة فلسطين
لم يكن يعلم الشيخ الصوفي عبدالقادر بن مصطفى القسام، أن ابنه صاحب الجسم النحيل والوجه الطفولي، كثير الشرود والتفكر، سيكون له هذا الباع، وسيحظى بمكانة عالية ما بين مصر والشام وفلسطين، خصوصا بعدما سيفجر الثورات ضد الفرنسيين مرة، وأخرى ضد الإنجليز، وثالثة ضد العصابات اليهودية.
الشيخ عز الدين القسام تربي في حجر أبيه عبد القادر، أحد أقطاب الطريقة القادرية الصوفية، وتعلم في كتابه ببلدة جبلة الساحلية كبرى مدن اللاذقية السورية، القراءة والكتابة وجزء من علوم الدين.
نشأ القسام المولود في العام 1883 م، في بيئة دينية متصوفة، وكانت أسرته متوسطة الحال، لكن نقطة التحول الكبرى كانت مع بداية الدخول في مرحلة الصبا، كانت الوجهة القاهرة بحكم تعلق والده بالتصوف، فأرسل ابنه إلى الجامع الأزهر، لكنه في نهاية حياته ثار عليها وحارب بعض العادات الصوفية، كزيارة القبور.
الرحلة للأزهر
كتب التاريخ التي تناولت حياة القسام لم تتوغل كثيرا في سنواته القصيرة التي قضاها في مصر، والتي تراوحت ما بين سبع أو عشر سنوات لكن القصة الأبرز فيها كانت بيع الحلوى.
ربما دروب شارع الأزهر وأزقته ما زالت تذكر الغلام الذي وقف بحلوى «الهريسة» على نواصيها محتميا بقطع الحلوى من شظف العيش الذي كان ينتظره بعد انقطاع الأموال التي كان يرسلها له أبوه للإنفاق على نفسه بالقاهرة.
تقول بعض المراجع التاريخية إنه اقترح على رفيق الرحلة الدراسية، عز الدين التنوخي، أن يصنعا حلوى الهريسة ويبيعاها لطلاب الأزهر، إلا أن الأخير خجل من أن ينادي على البضاعة بعض النزول للشارع، فقال له القسام: أنا أصيح على البضاعة.
بعد عدة سنوات من هذه الواقعة وتحديدًا في العام 1903 حصل عز الدين القسام على شهادة العالمية من الأزهر الشريف، والتي تعادل الليسانس حاليا، وعاد إلى قريته متشربا من أفكار التمرد على المحتل، بعدما عاصر مصر وهي قابعة تحت الاحتلال الإنجليزي، وتشرب من أفكار الإمام محمد عبده، وتلاميذه بالأزهر الشريف.
التمرد على الإقطاع
أولى لحظات التمرد كانت في قريته جبلة، فبعد الوصول توافد الجيران للسلام عليه، إلا أن أبوه طلب منه الذهاب للسلام على الأفندي المتحكم في إقطاعية كانت تعمل فيها عائلة القسام، فرفض وقال كلمته الشهيرة، إن لمقيم هو الذي يأتي ليسلّم على القادم، فرد أبوه لكنه الأفندي يا ولدي، فطمأن والده قائلا: «الأفندي لن يستطيع أذيتك بسبب قوتي بعلمي وإيماني».
المعلم الثائر
بعد العودة عمل عز الدين مدرسا في جامع السلطان إبراهيم، وفي سنة 1920 عندما اشتعلت الثورة في سوريا ضد الفرنسيين شارك فيها، وحاول إثارة الناس ضد المحتل، فصار له أتباع، وحاولت السلطة العسكرية الفرنسية شراءه بتوليته القضاء، فرفض ذلك وكان جزاؤه أن حكم عليه بالإعدام غيابيا.
بدأ عز الدين القسام مرحلة الإعداد للثورة منذ عام 1922م إذ قام بالتهيئة للثورة، فكان ينشر روح الثورة في كل مكان قادر على الوصول إليه، وبعد التضيق عليه وعلى من معه من الثوار خرج الشيخ إلى مدينة حيفا، في فبراير 1922، وحتى سنة 1935 لم يكن سكان حيفا يعرفون عن عز الدين القسام سوى أنه واعظ ديني ومرشد ورئيس جمعية الشبان المسلمين في مدينة حيفا، ومأذونا شرعيا.
جهاد الإنجليز
في حيفا كانت المواجهة أشد مع الإنجليز الذين أعلنوا الحماية البريطانية على فلسطين، وكان صيته ذاع في فلسطين كلها بسبب علمه الغزير، واجتماع الناس حول بمسجد الاستقلال، وعمله في مدرسة البنات الإسلامية في حيفا، وكان يدعو الناس في خطبه لحمل السلاح ضد المحتل.
وتشير بعض المراجع إلى أن القسام في إحدى خطبه، كان يخبئ سلاحا تحت ثيابه فرفعه وقال: (من كان منكم يؤمن بالله واليوم الآخر فليقتن مثل هذا)، فأخذ مباشرة إلى السجن وتظاهر الناس لإخراجه وأضربوا إضرابا عاما.
الكفاح ضد العصابات اليهودية
في فلسطين عمل القسام ورجاله على مقاومة تهويد الأراضي الفلسطينية، وعملوا ضد العصابات اليهودية التي حاولت الإقامة بها، وأعلن الجهاد ضد الانتداب البريطاني والوجود اليهودي عام 1935، وذلك بعدما زادت أعداد اليهود المتدفقين لفلسطين، حيث دخل في ذلك العام 62000 يهودي.
في 15نوفبر 1935، كانت المواجهة مع قوة كبيرة من الإنجليز، فتحصن الشيخ عز الدين هو و15 فرداً من أتباعه بقرية الشيخ زايد، فلحقت به القوات البريطانية في 19 نوفمبر 1935 فطوقتهم وقطعت الاتصال بينهم وبين القرى المجاورة، وطالبتهم بالاستسلام، لكنه رفض واشتبك مع تلك القوات، وأوقع فيها أكثر من 15 قتيلاً، ودارت معركة غير متكافئة بين الطرفين، وتوفي الشيخ مع عدد من رفاقه في تلك المواجهة.