هؤلاء تغيرت حياتهم وأخذوا قرارات مصيرية بسبب فيلم وأغنية
بعد تخرجه من كلية الهندسة قسم مدني، كان محمد يشعر بالضيق وعدم الانسجام في وظيفته الجديدة كمهندس تنفيذي، خاصة مع الروتين اليومي الممل، لكنه حصل على أفضل مكانة بشهادته ولا يمكنه الشكوى الآن.
يفكر «محمد» في قرار خطير سيفاجئ به الجميع، وهو تغيير نشاطه إلى التجارة والعمل الحر كما يهوى، لكنه لا يملك الشجاعة لتنفيذه بعد التعب الشديد في سنوات الثانوية العامة والجامعة والكورسات بعدها.
نسي الموضوع تمامًا حتى استمع إلى أغنية واحدة بالصدفة، جعلته يتخذ قراره النهائي والمصيري بشأن مستقبله.
غيرت «الكارير» بسبب «بوكيمون»
أثناء استقلاله «أتوبيس» العمل في رحلة العودة لبيته، راح «محمد» يستعرض الأغنيات في قائمة برنامج «ساوند كلاود Soundcloud» للمطربة السورية رشا رزق التي يعشق أغانيها لأنها تذكره بطفولته.
هنا يجد أغنية باسم «بوكيمون» فاختارها حاسبًا أنها أغنية مسلسل الأطفال الشهير، لكنه وجدها مختلفة في الموسيقى منذ بدايتها، وعلى سبيل الفضول استمع لباقي الأغنية، ليتضح أنها لمطربة تونسية اسمها بديعة بوحريزي الورغي.
عندك فكرة مشروع ومفيش فلوس؟.. «ذومال» هو الحل
لم يفهم «محمد» كلمات الأغنية بالكامل لأنها باللهجة المحلية السريعة لتونس، لكنه أصر على البحث في «جوجل» بلا فائدة، فطلب من أحد أصدقائه المغتربين في تونس أن يكتبها له، ليكتشف أن الأغنية تتحدث بلسان حاله تمامًا، فهي تشجع على اختيار المستقبل بالشكل الذي يعجب صاحبه.
تقول بداية الأغنية «ياللي ناسي أحلامك.. عايش حاضر أيامك.. ماشي تخاف، تتفاخر بالتواضع وأنت ضايع.. من كلام الناس أخطائك» ليتذكر المهندس الشاب خوفه من كلام الأهل، ثم تكمل الأغنية في مقطع آخر قائلة «حياتك قدامك ماهيش وراك» بمعنى أن المستقبل هو الأهم.
أما المقطع الأكثر تأثيرًا في «محمد» فكان: «تحلم تكون على كرسي ملكي؟ والناس يحلفوا بذكائك الهندسي اللي باش يرجع للتراب؟» ومعناه أنك يا مسمتع تحلم بأن تجلس على عرش المال والمركز الاجتماعي ويحلف الناس بعقلك «الهندسي» الذي سيعود للتراب أي للموت؟
يقول محمد الشاب الثلاثيني: «حسيت أن الأغنية متوجهة لي، لما قالت «ذكائك الهندسي» وقررت أغامر وأعمل اللي في دماغي أخيرًا». لم يحدث هذا بين يوم وليلة، فقد ظل «محمد» يفكر لعدة شهور قبل أن يتخذ قراره ويبدأ إجراءات الاستقالة، لقد كانت الأغنية هي الشرارة التي أشعلت تفكيره.
رقية إبراهيم.. الشاطرة تعمل من «الفوم» شربات
رفض السفر عندما سمع «على بالي»
على العكس من نموذج المهندس محمد،فقد يتراجع الإنسان عن موقفه بسبب أغنية سمعها، كما حصل مع «علي» حين استمع لعايدة الأيوبي تترنم في أغنية شهيرة لها في بداية التسعينات.
قرر «علي» أن يسافر بعد إنهاء دراسته إلى أوروربا، حتى يبحث عن فرصة أفضل للعمل وربما الاستقرار هناك، برغم معارضة الأهل لهذا القرار، فهو يريدون لابنهم أن يبقى بجوارهم، لكن أغنية «على بالي» لعايدة الأيوبي كان لها رأي آخر.
تقول كلمات الأغنية «لا يا مصري لا.. لا وألف لا.. تهجر بلدك وتسيبنا.. بلدك بيك أولى، ليه تهجرنا وقلبك يقسى؟ ليه تبعد وحبايبك تنسى؟» وعندما استمع الخريج الحالم بالسفر لهذا المقطع تحديدًا وجد نفسه يرتعش وعيناه تدمعان من تأثره وقرر أن يتنازل عن حلم السفر من أجل أصحابه وأهله.
لا ينكر «علي» بعد مرور أكثر من 20 عامًا على صدور الأغنية أنه تسرع في قراره، وحكم في هذا الموقف بعواطفه أكثر مما حكم بتفكيره، فلو عاد به الزمن لأعمل عقله جيدًا واستغرق وقتًا أكثر في التفكير.
أصبحت صحفية بسبب «شمس»
بعض الأفلام تقدم صورة وافية عن مهنة معينة مثل المحاماة، أو الشرطة، ومن الأعمال الفنية الشهيرة عن مهنة الصحافة يأتي فيلم «ضربة شمس» للممثل الراحل نور الشريف الذي عشقته رباب عزام منذ صغرها.
تحكي «رباب» عن انبهارها بشخصية «شمس» الصحفي المغامر الذي يعشق كل شيء في مهنته الصعبة، حتى أخطارها ومشاكلها، وسعيه للحقيقة في مغامرات تكسر رتابة الحياة، خاصة مع الإخراج المتقن لمحمد خان.
ساهم الفيلم في توجيه «رباب» لممارسة الصحافة منذ كانت في المرحلة الثانوية، ورغم توجيه الأهل لها بدخول كلية الفنون الجميلة بسبب رسوماتها المتقنة، إلا أنها اختارت الصحافة وعملت بها وتدرسها الآن بشكل أكاديمي.
هل الفن يُغيّر.. حتى لو بشكل غير مباشر؟
تعرض لنا النماذج السابقة مواقف حقيقة سببت تغييرًا في قرارات أشخاص بناءً على استماعهم لأغنية أو مشاهدتهم لفيلم، فهل يحدث هذا على المستوى النفسي بشكل حاد وفوري؟
أستاذة علم النفس سوسن فايد ترى أن تأثير الفنون على الإنسان بشكل عام لن يكون مباشرًا، لأنه يستلزم المناقشة والتفكير، كما يقوى تأثير الفنون كلما كان صنعها أفضل وأنسب للمتلقي بما يتماشى مع تفكيره وعقله.
من النماذج المشهورة في تحديد مساره بسبب الفن، يأتي السباح المصري عبد اللطيف أبو هيف الذي ذكر في حواره لجريدة «الشرق الأوسط» أنه اختار رياضة السباحة لإعجابه بفيلم «طرزان» رجل الغابة القوي الذي يجيد تسلق الأشجار والسباحة في الأنهار.
ورغم اهتمام عائلة «أبو هيف» برياضة تنس الطاولة واحتراف 5 من أشقاء البطل لهذه اللعبة، إلا أن إعجابه بفيلم «طرزان» جعل من عبد اللطيف أبو هيف سباح القرن كما لقبه الاتحاد الدولي للسباحة.