نعيمة عاكف.. من حبال السيرك إلى عرش الفن الاستعراضي في مصر
مواهب عديدة تمتعت بها الفنانة الراحلة نعيمة عاكف، فبالإضافة إلى التمثيل والرقص والغناء كانت لاعبة أكروبات من الطراز الأول، كما كانت صاحبة إطلالة وحضور متميز ترك انطباعاً جميلاً في مخيلة وذاكرة المشاهدين في خمسينات وستينات القرن الماضي.
داخل السيرك
في مدينة طنطا ولدت نعيمة عاكف سنة 1929، وعاشت طفولتها هناك لأب صاحب سيرك، والذي كان وما زال يُعرف بـ«سيرك أولاد عاكف»، وعندما بلغت الرابعة بدأ والدها يعلمها فنون السيرك، وخلال فترة قصيرة أصبحت النجمة الأولى التي يحرص المشاهدون على متابعة عروضها.
عندما أحست بأهميتها في هذا المجال، تجرأت وطلبت من والدها أن يخصص لها مرتباً شهرياً، فكان جزاؤها الضرب المبرح، وعلى إثرها قررت الهروب من المنزل، وصادفها بعض المارة الذين يعرفونها عن كثب، وأعادوها لوالدها الذي رضخ لشروطها وقرر أن يدفع لها أجرة يومية قرشين إذا كان السيرك يعمل، وقرشاً واحداً في حالة الركود عن العمل أو الأجازات.
بدأت تنهال عليها الهدايا من المتفرجين بالإضافة لهدايا والدتها والتي كانت عبارة عن «عرايس صغيرة» لولعها بهذا النوع من الألعاب. ومن خلال العروض التي كانت تقدمها في مولد السيد البدوي أهداها أحد الأثرياء لعبة عروسة ذات خمسة مفاتيح، وكل مفتاح له رقصة خاصة، وأخذت تقلد وتتدرب على هذه الرقصات، ومن هنا كانت بدايتها في تعلم الرقص
شارع محمد علي
واصلت «نعيمة» العمل في السيرك، وبدأت تقدم عروضا في الأرياف والمحافظات، إلا أن والدها كان مولعا بالقمار فخسر كل أمواله وتم رهن السيرك بكامل معداته، مما اضطر والدتها للانتقال للقاهرة وبرفقة شقيقاتها الثلاث، وأقمن في شارع محمد علي.
بدأت «نعيمة» ووالدتها وشقيقاتها اللواتي تعلمن فنون السيرك أيضاً يقدمن عروض الأكروبات للمارة في الشوارع لتأمين مصاريف الحياة، ووقعت المسئولية الكبرى على عاتق «نعيمة» بطبيعة الحال، وأخذن بعد ذلك يقدمن عروضهن في الصالات.
سمع الفنان علي الكسار عن هذه العائلة الموهوبة وعرض عليهن العمل بمسرحه بأجرة شهرية 12 جنيهاً، وكانت فرصة لـ«نعيمة» لتقديم عروض أكروبات ورقصات بين فصول العرض المسرحي.
وفي أحد العروض تصادف وجود بديعة مصابني، فعرضت على «نعيمة» العمل في الكازينو الذي يحمل اسمها بأجرة شهرية أفضل. على الفور وافقت لأن العمل في «كازينو بديعة» كان فرصة لأي فنان في تلك الفترة، ومنه انطلق مشاهير الفن في مصر والبلاد العربية في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي.
وفي الكازينو تعلمت «نعيمة» الكثير وخصوصاً «رقصة الكلاكيت» التي اشتهرت بها فيما بعد، إضافة لتقديم الأغاني والمنولوجات. وكمعظم الفنانات اللواتي عملن مع بديعة مصابني، وقع الخلاف بينهما وقررت ترك العمل باحثة عن فرصة أفضل.
رحلة قصيرة
قدمت نعيمة عاكف 25 فيلماً، منها 15 فيلماً من إخراج زوجها المخرج حسين فوزي. وفي هذه الأفلام شاركت نجوم السينما المصرية آنذاك، ومع شكري سرحان كان النصيب الأكبر من الأفلام ومنها «لهاليبو»، و«أحبك يا حسن»، و«الحقيبة السوداء»، و«عزيزة»، و«بابا عريس» الذي يعد أول فيلم مصري يقدم بالألوان.
انفصلت الفنانة نعيمة عاكف عن زوجها عام 1958، ومثلت بأفلام مع مخرجين آخرين مثل أنور الشناوي، وحسن الصيفي، وحسن الإمام، وهنري بركات.
وفي آخر فيلمين ظهرت بهما قامت بأدوار ثانوية وتحديداً بفيلمي «بياعة الجرايد» و«أمير الدهاء»، ولم تقم بأدوار البطولة المطلقة كما تعود عليها جمهور المشاهدين، وكان هذا التراجع الفجائي سببه طلاقها من زوجها المخرج حسين فوزي الذي عرف كيف يقدمها في السينما الاستعراضية، إلا أنه في الوقت نفسه تراجع مستوى أفلامه لأنه لم يجد البديل لـ«نعيمة».
زواجها الثاني كان من المحاسب القانوني صلاح الدين عبد العليم الذي أنجبت منه ابنها الوحيد محمد. وتسبب هذا الزواج في تراجع أدائها بسبب الخلافات الزوجية بينهما والتي نشأت على خلفية غيرته الشديدة عليها، مثلما حصل في زواجها الأول.
في أواسط الخمسينات، اختارها زكي طليمات بطلة لفرقة الفنون الشعبية للمشاركة في أوبريت «يا ليل يا عين» من إخراجه وتأليف يحيى حقي، وقدمت هذا العرض في الصين.
وبعد ذلك سافرت لموسكو وقدمت ثلاث لوحات استعراضية هي «مذبحة القلعة»، و«رقصة أندلسية»، و«حياة الغجر»، وحصلت هناك على أفضل راقصة في العالم، ولا زالت صورتها موجودة إلى الآن في مسرح «البلشوي» في موسكو كنوع من التكريم الذي تستحقه بعد أن أبهرت جمهور المشاهدين هناك.
في أواسط الستينات بدأت تعاني المرض، وتقرر سفرها للعلاج بالخارج على نفقة الدولة، إلا أن تفاقم وضعها الصحي حال دون سفرها حتى توفيت في ربيع 1966 وهي في سن السادسة والثلاثين بعد حياة قصيرة، لكنها بقيت ظاهرة مختلفة ومتميزة في عالم السينما الغنائية والاستعراضية، ولم يأت من يحل مكانها إلى الآن.