ناجون من السرطان يحكون عن حربهم ضد الخبيث.. روايات من الموت

ناجون من السرطان يحكون عن حربهم ضد الخبيث.. روايات من الموت

كالعائدون من الموت، وقائع آلام المرض مازالت عالقة في ذاكرتهم، لا تغيب عن حكاياتهم، لدعم من حولهم، بعدما قادوا مواجهة جسورة لصد عدوان السرطان عن أجسادهم، ولذلك فإن قصصهم في المواجهة ملهمة لكل من أصابه الداء.

الإحصائيات الرسمية التي كشفتها الخطة القومية لمكافحة السرطان «2017 – 2020» والتي أعدتها اللجنة القومية للأورام بوزارة الصحة والسكان، تشير إلى أن معدلات الإصابة بالسرطان مرشحة للزيادة 3 أضعاف الوضع الراهن بحلول 2050، مؤكدة أن المعدلات الحالية تصل إلى 113 مصابا لكل 100 ألف نسمة، ومتوقع تزايدها إلى 341 لكل 100 ألف.

شريهان في مواجهة الكانسر

بقايا المواجهة لا تزال عاقلة في ذاكرة شريهان عصام الدين، ففي شهر نوفمبر 2018، كانت تحتفل بمرو عامين على تخلصها من السرطان، بعد معاناة قاسية.

ببحة ظاهرة في الصوت، وأنين مكتوم، تقول «شريهان» إن الأيام الأولى من الإصابة كانت صعبة، فبعد أن أخبرها الطبيب بإصابتها بـ«الكانسر» أصيبت بصدمة كبيرة.

تقول «شريهان»: «تشعر أنك لا تصدق، وتحدث نفسك دوما بأنه لابد أن خطأ ما حدث في التشخيص الطبي، ويحاول عقلك بكل الطرق أن ينكر هذا المرض».

وتضيف: أول خطوات مواجهة المرض تكون من خلال الشخص المصاب الذي يقرر المواجهة والتمرد على المرض.

5 أشهر من الصراع الكيماوي 

بدأت «شريهان» في التفكير في آليات التغلب على ما أصابها من مرض، من خلال المتابعة الصارمة مع الأطباء، والسير على نصائحهم بشكل مستمر، لكنها لا تنسي أول خمسة أشهر في العلاج الكيماوي والإشعاعي، بسبب قسوة هذه الفترة.

تقول «شريهان» عنها: «كانت مرحلة قاسية يبدأ فيها الشعر في التساقط، ويتأثر شكل الجلد وملمسه، وكذلك تعرضت لمشاكل في المعدة، فهي تجربة صعبة بكل المقاييس على المستوى البدني، والنفسي».

وتضيف أن مرحلة العلاج المناعي كانت أقل وطأة من سابقتها، فالعلاج صار أخف ضررا، والأعراض كانت أقل ضراوة لكن كانت هناك مشكلة أكبر هي صعوبة الحصول على العلاج، بسبب أزمة قطاع الدواء في مصر ونقص بعض الأدوية الهامة.

الدعم النفسي

تتنهد «شريهان» لتحكي عن جانب آخر من المواجهة مع السرطان، ربما يهمله كثير من الناس في فترات العلاج وهو الدعم النفسي للمصاب، من خلال القريبين منه.

تقول: «ربنا سخر لي ناس وقفت بجانبي ودعمتني وكانوا من الأسباب الرئيسية في الشفاء، وهؤلاء ضروري أن يكونوا من محبي المريض، ويعرفون كيف يتعاملون معه في هذا الظرف القاسي».

 تتذكر السيدة بعض الكلمات التي كانت تقال لها في الأوقات الحرجة وكانت سببا في التخفيف ومواساتها كـ«أنا مقدر تعبك وأنا بجانبك إن شاء الله ستتعافين».

وتشير إلى أن هذه الكلمات كانت تفرق معها بشكل كبير، منوهة إلى أن عائلة المريض لا يجب أبدا أن يحولوا الجو حوله لكئيب من خلال الجلوس بجواره يبكون، أو العكس بأن يهملوه ولا يسألوا عنه.

وتضيف أن مريض الكانسر يحتاج لتواصل مستمر، وأن يكون المتعامل معه دائم الابتسامة ينشر الإيجابية حوله، والتفكير في آليات دعمه سواء من الناحية المعنوية، أو المالية لأنه يوجد مرضى كثيرون لا يستطيعون الإنفاق على علاج أنفسهم.

نصيحة للأصحاء

لا تغفل «شريهان» الأصحاء في حديثها وتطالب جميع من يوجد في عائلته مريض كانسر أن يداوم الكشف الوقائي مرة واحدة في العام، ليطمئن على نفسه، وحتى يستطيع الكشف المبكر عن المرض إن وجد.

مصطفي من المواجهة لدعم المصابين

حالة «شريهان» لا تختلف كثيرا عما عانى منه مصطفي عقل، أحد الناشطين في مجال الدعم النفسي لمرضى السرطان.

يقول «عقل» لـ«شبابيك» إن علاجه استغرق ما يقرب من سنة، كان مداوما فيها على جلسات الكيماوي، لمدة 5 أشهر، ثم بدأ في العلاج المناعي بعدها، حتى تعافي بشكل كامل.

 ويضيف أن الدعم النفسي لمرضى السرطان من أكثر الأشياء التي تساهم في شفائهم، وتغلبهم على المرض.

«عقل» يقول إن فترة علاج الكيماوي من أقسى الفترات التي يمكن مواجهتها لذا يجب على أسرة المريض وأصدقائه التخفيف عنه بشكل كبير.

ويضيف أنه يعد انتهاء قسط كبير من جلسات الكيماوي قرر الابتعاد عن القاهرة، وعاش لمدة شهر تقريبا في منزل أسرته بإحدى قرى محافظة الجيزة، مشيرا إلى أن هذه الفترة كانت فارقة في مراحل العلاج لأنه وجد فيها هدوءا نفسيا كبيرا، ساعده على التعافي.

أنيسة حسونة.. بدون سابق إنذار

في كتابها «بدون سابق إنذار» تحكي البرلمانية المصرية، أنيسة حسونة، والتي كانت تعمل مديرًا تنفيذيًا لمؤسسة مجدي يعقوب لأمراض وأبحاث القلب، عن تجربتها مع السرطان التي استمرت لـ 24 شهرا من المواجهة.

في الكتاب تقول «حسونة» إن أسرة بكاملها كانت تقف في وجه المرض اللعين الذي بدأ يزحف لجسدها، ورغم صدمتها في بداية الأمر بما أصابها، إلا أنها بدأت على عجل في الاستعداد للمواجهة.

«حسونة» تصف في كتابها لحظات خاصة عايشتها وتعايشت معها بإرادتها أو مرغمة عليها، حيث تقول: «لم أفهم كلمات الطبيب حينها فانزلقت بوقعها القاسي علي إدراكي وكأنها قطرات ماء تنزلق على زجاج دون أن تترك به أثرًا، بينما ظللت جالسة أمامه في سكون وزوجي وبناتي مثلي، وعقلي يدور بسرعة 360 درجة في الثانية بين مختلف الاحتمالات، وأنا غير مصدقة أن ذلك يحدث لي في الواقع».

وتضيف «لم أكن أصدق أني أصبت بهذا المرض الخطير فعلًا، واستمررت في النظر إلى وجهه وهو ما زال يتحدث وأنا أتساءل في ذهني ماذا أفعل هنا؟ لا بد أن هذه الإشاعات وتقريرها يخصان مريضة أخرى، وأن خطأ ما قد حدث بتسليمها لي كما يحدث في الأفلام السينمائية، وأن شخصًا سيفتح باب الغرفة فجأة ويعتذر عن هذا الخطأ الجسيم ويخبرني أن نتائج الأشعة الخاصة بي سليمة، لكن ذلك لم يحدث».

بين دفتي الكتاب تحكي «حسونة» عن فترات المواجهة، التي أنجزت بإجراء تدخل جراحي دقيق، في ألمانيا وأنه لكي تتمكن من ذلك باعت شقتها التي ورثتها عن والدها، مطالبة بضرورة دعم مرضى السرطان لأنه يوجد كثير من الناس لا يملكون ما يبيعونه لإنقاذ أنفسهم.

عبدالغني دياب

عبدالغني دياب

صحفي مصري متخصص في الشؤون السياسية والاجتماعية