طبيبة مسلمة تقدم الترانيم المسيحية في الكنائس.. داليا يونس تقرّب المسافات
تغزل بصوتها الدافئ كلمات الأغنيات على أنغام الموسيقى الهادئة، تلمس الروح برنة صوتها الجبلية، ووجهها الطفولي يبتسم ويحزن مع مقامات الغناء، ليأخذك لعالم خاص تصنعه داليا يونس بمفردها أحيانا، أو بمساعدة بعض أصدقائها هواة العزف، لكن هذه المرة أغانيها ذات طابع مقدس، فهي مسلمة محجبة تقدم ترانيم كنسية.
من أحد قاعات كنيسة سان جورج، ذات التصميم المعماري الفريد صدحت داليا، بأول ترنيمة لها في مكان مقدس، قبلها كانت تسجل مقطوعات تاريخية مشهورة وتبثها عبر صفحتها على فيس بوك، لكن هذا العام قررت تقديم نوع جديد من الفن.
«الغنا بيقرب المسافات»
بلمعة في العين مع ابتسامة خفيفة تظهر عشق الفتاة الثلاثينية للموسيقى الكلاسيكية تقول داليا إنها تحب هذه النوعيات من الموسيقي، وتميل بشكل خاص للموسيقى الروحية أو التي تشاغل الروح كالتي تقدم في الكنائس، أو ما يقدمه مادحو النبي التابعون للطرق الصوفية.
لا ترى داليا أي اختلاف في تقديمها لترانيم مسيحية في أعياد الميلاد، فالغناء يقرب المسافات كما تقول، ويخاطب الروح قبل العقل، لذا فهي تتعجب من عدم أداء المطربين المسلمين لأغنيات مسيحية كما هو العكس عندما يغني الأقباط أغاني للمسلمين.
هل استمع النبي محمد للموسيقى والغناء؟
بداية الترنيمة
قبل تنفيذ مهمة الغناء في الكنيسة نشرت داليا عدة مقطوعات غنائية لها على فيس بوك، ولم تقتصر على الترانيم فقط، بل كانت مقطوعات متنوعة من الأغاني، وهو أيضا ما دفع إحدى صديقاتها للتوسط لها لدى الأب بطرس خادم كنيسة سان جورج، والذي رحب بها لتغني في كنيسته، وتسجل ترنيمتها الخاصة.
«قاعات الكنيسة المجوفة تصنع رنينا مميزا للأغنيات كما أنصدى الصوت يزيد الكلمات قوة» لهذا السبب فكرت داليا في تسجيل فيديو لها وهي تغني في الكنيسة: «صحيح لم يكن أحد موجود في الكنيسة وقتها لكن ردود الفعل التي جاءتني بعد نشره كانت مبهرة، وغالبية الصفحات المسيحية نشرته دعما للفكرة التي تعلى من قيمة التعايش».
طب في عين شمس وماجستير من فرنسا
حكاية داليا صاحبة الصوت العذب مع الغناء بدأت في سن مبكر، منذ المرحلة الثانوية، كانت تردد أغاني السيدة فيروز بين أقرانها، ربما شجعها حسن الصوت، ودعم المقربين من استكمال المسيرة، حتى أنها لم تعبأ بدراستها للطب في جامعة عين شمس بالقاهرة، وفضلت دراسة التسويق الدولي.
لور دكاش.. مطربة بدأت الغناء من ضريح سعد زغلول
بابتسامة رائقة تقول داليا إنها حصلت قبل سنوات على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة eslsca الفرنسية، وتحديدا في تخصص التسويق الدولي.
لا تتعارض درجات داليا العلمية مع ما تقدمه من فن، فهي كما تقول لا تتخذ الأغنيات سبيلا لكسب العيش، لكنها متعة الروح، لذا تحرص على أن يكون فنها حرا لا يخضع لإرادة أحد، تنتجها بشكل ذاتي مع بعض أصدقائها، أو من خلال جلسات الغناء الجماعية التي تنظمها بشكل شهري لتشجيع غير المحترفين عن التعبير عن أنفسهم.
مغنية سوبرانو
لا تقتصر أغنيات داليا يونس على الترانيم أو حتى أداء بعض الأغاني التراثية، فهي أيضا عضو بفريق كورال الفيحاء، كمغنية سوبرانو، إضافة لابتكار أغنيات ارتجالية، يتغزل في أنواع الطعام المختلفة، أو حتى بعض القيم المفقودة، او تدعو للحرية، والإيجابية، كلها تقدم بشكل بسيط من خلال مشروع «قعدة غنا».
لم تدرس داليا الموسيقى بشكل أكاديمي، لكنها تعرف نفسها كأحد المهتمين بالفن والثقافة، وتسعى لتقديم أنواع مختلفة، كما أنها تحلم بأن تسمح لها الفرصة دائما لاستكشاف كل ما هو جديد في عالم الفن والموسيقى، وأن تستخدم الغناء كوسيلة للتواصل وتقريب المسافات بين البشر.
«قعدة غنا»
تتلخص أهداف داليا المرتبطة بالفن بأن تنقل مشروعها «قعدة غنا» للمحافظات ولا يقتصر على القاهرة فقط، والتوسع فيما تقدمه من فن «الأكابيلا» (فن استعراض سمعي لا بصري، وهو لون يستغني عن المصاحبة الموسيقية بالآلات ويستعين بدلاً منها بالصوت البشري من كل الطبقات من السوبرانو إلى الباص، وهو لون يشكل تحدياً لألوان الغناء المألوف) إضافة لمشروع «كلاكسكيات» والتوسع في تقديم بعض الأغنيات الشعبية بالطريقة الكلاسيكية.
أحلام عالقة
تتوقف داليا برهة لتعاود الحديث عن أحلامها، حيث أنها حاليا تعمل في مجال صناعة المحتوى، من خلال تقديم قصص إنسانية، ومقاطع مصورة بهدف التوعية خدمة لبعض القضايا والقيم الإنسانية.
وتشير إلى أن آخر تجربة مع هذه النوع من الأعمال كانت من خلال كتابة أغني للأفراد الصم والبكم، وقدمتها في فعالية خاصة بهم، وكان سامها «مش كل الكلام له صوت» وتعتمد الأغنية على الإشارات أولا ثم تؤديها المجموعة مع بعضهم.
لم تعارض أسرة داليا تخليها عن ممارسة مهنة الطب، أو حتى عن إدارة الأعمال للعمل في صناعة المحتوى الفني والأدبي، وشجعوها على أن تمارس ما تحبه من عمل، لاسيما وأنه يحقق لها استقلالا ماديا.