«نيكولا تسلا» صانع البرق.. عبقري الكهرباء الذي غير وجه التاريخ
أسهم العالمان الشهيران ألبرت آينشتاين وستيفن هوكينج بنظريات وأفكار ثورية في الفيزياء والكون، حصلا بها على الجوائز وإعجاب الناس والشهرة الكبيرة.
لكن بعض العلماء المنسيين، ساهموا بأفكار أخرى جعلت الحياة أسهل وأروع بكثير مما هي عليه، ومن هؤلاء يأتي ذكر «نيكولا تسلا» الذي مدحه «آينشتاين» لإسهاماته المبهرة في علوم الكهرباء.
في كل مرة تستخدم فيها الكهرباء أنت مدين لهذا الرجل، ولكن هل تعرف أنه صنع برقًا صناعيًا في معمله؟ ودخل في عداء صريح مع «توماس إديسون» الشهير بالمصباح الكهربي؟ تعرف على قصة «تسلا» الشيقة في هذا التقرير.
رجل من برق
ضرب البرق سماء قرية «سميلجان» الكرواتية بوفرة في ليلة 10 يوليو لعام 1856، كأنها إشارة لميلاد طفل سيرتبط في حياته بالبرق والكهرباء كثيرًا، كان هذا الرضيع هو «تسلا» نفسه الذي التحق بجامعة «براغ» سنة 1875 ليدرس الهندسة الكهربية.
ظهرت بوادر العبقرية مبكرًا على المهندس الصاعد، فقد امتلك ذاكرة فوتوغرافية حديدية ساعدته على الحفظ وإتقان اللغات بسرعة، لكنه فعل مثل الكثير من العباقرة وزهد في إكمال الدراسة والحصول على الشهادة الجامعية.
سرعان ما استغل مهارته العملية في شركة أمريكية للهواتف والبرقيات عام 1881 في المجر، واستطاع تطوير الأنظمة الهندسية المستخدمة وقتها ليصبح المهندس الأول في البلاد، ثم انتقل إلى باريس ليعمل في شركة «إديسون» الأوروبية هناك.
استغلال «إديسون»
أثبت نيكولا تسلا مهارته الكبيرة في الشركة مما جعل مديرها الإقليمي يرسل إلى «إديسون» منبهًا بوجود هذه العقلية الفريدة عنده، ولما كان «إديسون» تاجرًا وعالمًا في الوقت نفسه فقد طلب حضور «تسلا» ليعمل معه في أمريكا، وقد كان.
بعد تطوير المصباح الكهربي، احتاج «إديسون» إلى تحسين شبكة توزيع الكهرباء على المنازل، فعرض على الشاب المجتهد «تسلا» أن ينهي هذه المهمة في مقابل مكافأة قدرها 50 ألف دولار «مبلغ شديد الضخامة وقتها».
لم يضيع الفتى وقتًا وراح يعمل على الفكرة حتى استطاع توفير 100 ألف دولار على الشركة، وحين طلب أجره من «إديسون» أجابه الأخير ضاحكًا «أنت لا تفهم المزاح الأمريكي» فرحل «تسلا» زاهدًا في العمل معه وراح يمول أبحاثه بنفسه.
اختراعات بالجملة
على الرغم من أن أشعة «إكس» المستخدمة في تصوير العظام حتى اليوم منسوبة إلى العالم الألماني «وليام رونتجن» إلا أن العديد من المراجع العلمية تثبت اكتشاف «تسلا» لهذه الأشعة قبل بضعة أسابيع من تسجيل «رونتجن».
ينطبق الأمر نفسه على موجات الراديو المنسوبة إلى الإيطالي «ماركوني» بينما اكتشفها «تسلا» أولاً ولم يعلق على تسجيلها بالخطأ إلى شخص آخر، لكن المحكمة الأمريكية أعادت إليه حقه وسجلت الاختراع باسمه عام 1943.
شملت اختراعات «تسلا» الأخرى جهاز التحكم عن بعد «الريموت كنترول» عام 1898 قبل إنتاجه تجاريًا في ستينات القرن العشرين، وحين قدّم فكرة موجات الرادار إلى الحكومة الأمريكية حاربه عدوه القديم «إديسون» وقال إنها فكرة سخيفة، لكن هذا لم يكن الصراع الأخير بينهما.
بين تيار وتيار
حتى اليوم تنتقل الكهرباء للبيوت والأماكن عن طريق ما يُسمى بـ«التيار المتردد AC» وهو من بنات أفكار «تسلا» كذلك، لما له من إمكانيات كبيرة في التوزيع وتقليل التكاليف، لكن «إديسون» دعى إلى استخدام «التيار المستمر DC» المعاكس للفكرة، وحارب بأمواله ضدها.
مشكلة نيكولا تسلا الكبرى كانت غرابة أطواره وإصابته بالوساوس، مما جعله أحيانًا يبدو المجنون بالنسبة لعامة الناس وشركات الكهرباء، وهذا ما جعل موقفه أصعب في إثبات جودة «التيار المتردد» ونجاح غريمه الأمريكي في دعايته.
كهرباء «لا سلكية»
من تجارب «تسلا» الهامة التي يعرفها العالم باسمه كانت «البرق الصناعي» على ارتفاع 150 متر بقوة تقترب من مليون فولت، ولكن كان حلمه الأكبر هو نقل الكهرباء «لاسلكيًا» دون أي كابلات عن طريق «إريال» كأنها إرسال تليفزيوني.
نجح بالفعل في فكرته على نطاق صغير وحصل على تمويل كاف لنقل الكهرباء من برج ضخم على جزيرة «لونج» الأمريكية ولكن فجأة يتوقف كل شيء بتدخل من «إديسون» مرة أخرى.
النهاية والتكريم
كانت نهاية نيكولا تسلا في فقر وإفلاس بسبب كل هذه الحرب التنافسية، لكنه الآن يعتبر أحد عباقرة التاريخ جنبًا إلى جنب مع «آينشتاين» و«هوكينج» وغيرهما، وصارت له وحدة كهربية باسمه لقياس كثافة المجال المغناطيسي.
بل إن آينشتاين حينما سألوه في لقاء صحفي عن شعوره كأذكى رجل في العالم قال «لا أعرف، اسأل نيكولا تسلا» على الرغم من الخلاف الدائر بين الاثنين حول جدوى نظرية النسبية.