«جبل المقطم غرس أهل الجنة».. نبوءة السيد المسيح التي آمن بها عمرو بن العاص
روايات تاريخية تشير إلى قدسية المكان، البعض يصفه بأنه غراس الجنة، وآخرين اتخذوه سكن أبدي لأجسادهم بعد الموت، ليأخذ من هذا الفعل صفة «جبل الموتى» أو «قرافة المصريين» حتى أن الصحابي عمرو بن العاص، أوصى بأن يدفن فيه، ظنا منه أن من يدفن في سفح جبل المقطم الذي يحتضن القاهرة القديمة من جهة الشرق يكون نصيبه الجنة في العالم الآخر.
الروايات الدينية عن جبل المقطم تؤكد أن المكان مقدس، مرة بفضل السيد المسيح وأمه السيدة مريم، وأخرى تذهب لواقعة كلام الله سبحانه وتعالى لنبيه موسى فوق جبل الطور بسيناء، وتبع الروايتان تصديق إسلامي، ومحاولة لاحتكار الجبل أو على الأقل مزاحمة المصريين في دفن موتاهم فيه.
مسار العائلة المقدسة
أحد الروايات المنقولة عن فقيه مصر والنوبة الإمام الليث بن سعد، عندما تعرض لتقديس المصريين لجبل المقطم، تقول إن السيدة العذراء لما مرت بجبل المقطم مع صغيرها في رحلة العائلة المقدسة لمصر، سألت ابنها عيسى عليه السلام: «يا بني مررنا بجبال كثيرة ما رأينا النور عليها مثل هذا الجبل» فرد المسيح عليه السلام قائلا: «إنه هذا الجبل غرس أهل الجنة وفيه يدفن أمة أخي أحمد، في إشارة للنبي محمد الذي سمي بأحمد في التوراة» وهذه الرواية ذكرها مؤرخو العصور الوسطى.
عمرو بن العاص والمقوقس
وتذكر المراجع التاريخية روايتان عن جبل القطم، الأولى أن المقوقس «لفظ كان يطلق على عظيم القبط في مصر أو المسؤول عنهم قبل الفتح العربي» طلب من عمرو بن العاص أن يبيعه جبل المقطم، مقابل 70 ألف دينار.
الرواية نقلت عن الإمام الليث بن سعد، وفيه يقول إن المقوقس سأل عمرو ابن العاص رضي الله عنه أن يبيعه جبل المقطم بسبعين ألف دينار، فكتب بذلك إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه فرد عليه عمر قائلاً: سله لما أعطاك ما أعطاك فيه وهو لا يزرع ولا يستنبط منه ماء؟
جواب المقوقس كان تمسك عمرو الذي كان واليا على مصر وقتها بالجبل حيث قال له المقوقس، «إنا نجد في الكتب القديمة أن في سفحه تدفن غراس الجنة». فكتب بذلك ابن العاص إلى عمر بن الخطاب، فرد عليه عمر قائلاً: أنا لا أعرف غراس الجنة إلا للمؤمنين، فاجعلها مقبرة لمن مات قبلك من المسلمين.
المقريزي يؤكد
وذكر هذه الرواية المقريزي في كتاباته عن التاريخ المصري حيث قال: «روى عبد الرحمن بن عبد اللّه بن عبد الحكم عن الليث بن سعد رضي اللّه عنه، قال: سأل المقوقس عمرو بن العاص رضي الله عنه، أن يبيعه سفح الجبل المقطم بسبعين ألف دينار، وفي نسخة: بعشرين ألف دينار، فعجب عمرو من ذلك، وقال: اكتب بذلك إلى أمير المؤمنين، فكتب بذلك إلى عمر بن الخطاب رضي اللّه عنه، فكتب إليه عمر: سله لم أعطاك به ما أعطاك وهي لا تزرع، ولا يستنبط بها ماء؟ فسأله، فقال: إنا لنجد صفتها في الكتب أن فيها غراس الجنة، فكتب بذلك إلى عمر، فكتب إليه: إنا لا نعلم غراس الجنة إلا المؤمنين فاقبر فيها، من مات قبلك من المؤمنين، ولا تبعه بشيء، فكان أوّل من قبر فيها رجلاً من المعافر، يقال له: عامر، فقيل: عمرت، فقال المقوقس لعمرو: وما ذلك وما على هذا عاهدتنا، فقطع لهم الحدّ الذي بين المقبرة وبينهم».
رواية ثانية
الحكاية الثانية تظهر ودا أكثر بين المقوقس وعمرو بن العاص، فلا يوجد بها ما يشير للندية أو العداء، وفيها يقول سفيان بن وهب الخولاني: «بينما نحن نسير مع عمرو بن العاص في سفح جبل المقطم، وكان معنا المقوقس إذ قال له عمرو: ما بال جبلكم أقرع لا نبات فيه على نحو جبال الشام؟، فرد عليه عظيم القبط «لا أدري، ولكن الله أغنى أهله بهذا النيل، وإنا لنجد في الكتب القديمة ما هو خير من ذلك يا عمرو.
القرافة.. هكذا نشأت مدينة الموتى في قلب القاهرة
وأضاف: «تقول كتبنا القديمة إنه لا يدفن تحته قوم، إلا ويبعثهم الله يوم القيامة لا حساب عليهم»، فقال عمرو: «اللهم اجعلني منهم، وطلب أن يدفن في سفح الجبل، وتشير أقرب الروايات إلى الصحة إلى أنه دفن في المقطم، وذكر هذه الرواية ابن عساكر في كتابه تاريخ دمشق، بإسناده إلى حرملة بن عمران عن عمير بن أبي مدرك عن سفيان بن وهب الخولاني.
كعب يستورد تراب المقطم
لم يقف الحديث عند جبل المقطم على حكايات عمرو والمقوقس، بل توجد رواية أخرى منسوبة لعكب الأحبار، وهو من أشهر علماء اليهود الذين دخلوا في الإسلام، تقول: «روي عن كعب الأحبار أنه سأل رجلا ً يريد مصر فقال له، إهد لي تراباً من سفح مقطمها فأتاه الرجل بجراب منه، فلما حضرت كعب الوفاة أمر أن يفرش تحت جنبه في قبره» وهو ما يدلل على اعتراف كعب الذي كان عالما بالتوراة بقيمة الجبل.
الله يعوض المقطم
واتساقا مع روايات تقديس المقطم في الديانات الثلاثة، يذهب ابن الزيات في كتابه «الكواكب السيارة في ترتيب الزيارة»، مسلكا مغاير لمن سبقوه أو لحقوا بالرواية عن المقطم وما حدث بين عمرو بن العاص والمقوقس، حيث يقول إن جبل المقطم كان أكثر الجبال أنهارا وأشجارا ونباتا فلم كانت الليلة التي كلم الله فيها موسى أوحى إلى الجبال أني مكلم نبيا من أنبيائي على جبل منكم، فتطاول كل الجبل إلا جبل الطور تواضع وتصاغر إجلال لله، فأوحى الله إلى الجبال أن تجود بما عندها فجاد جبل المقطم بجميع ما عليه من الشجر والنبات والمياه، ولما كان اللقاء بين موسى وربه على جبل الطور، فقال له الله للمقطم «لأعوضنك في سفحك غراس أهل الجنة».