القرافة.. هكذا نشأت مدينة الموتى في قلب القاهرة
تضم القاهرة بين أحياءها مساحة ضخمة من المقابر التي تعرف بـ«القرافة الكبرى» وتتمدد في مناطق متعددة منها سفح المقطم، والبساتين، والسيدة عائشة. ما هي حكاية هذه المقابر؟ ومتى بدأ المصريون في بنائها؟ ولماذا اختاروا تلك المناطق تحديداً لها؟
سفح المقطم
بعد بناء عمرو بن العاص لمدينة الفسطاط بعد الفتح الإسلامي لمصر سنة 641، كانت «جبانة» مصر حتى منتصف القرن الـ11 الميلادي تمتد شرق المدينة في سفح جبل المقطم، وكان أقدم أجزائها يقع بين مسجد الفتح، وسفح المقطم، ويشمل هذا الجزء المناطق المعروفة الآن ببطن البقرة، وجبانة سيدي عقبة بن عامر، والتونسي، وقسم من البساتين، وتعرف هذه المنطقة بـ«القرافة الكبرى».
ولم تحتو المنطقة المحصورة بين قبة الإمام الشافعي وسفح المقطم، شمال القرافة الكبرى، على مقابر إلا بعد أن دفن السلطان الكامل محمد الأيوبي ابنه بجوار قبر الإمام الشافعي في سنة 1211 وبنى القبة الكبيرة الموجودة الآن على ضريح الإمام الشافعي، فبدأ الناس ينقلون أبنيتهم من القرافة الكبرى إلى هناك وأنشأوا بها التُرب وعُرفت بـ«القرافة الصغرى».
وفي زمن الناصر محمد بن قلاوون في النصف الأول للقرن الـ14 استجد الأمراء المماليك تُرباً بين قبة الإمام الشافعي وباب القرافة، حتى صار عمران المكان متصل من بركة الحَبش (كانت تقع بين النيل وجبل المقطم) جنوباً إلى باب القرافة شمالاً.
ووجدت جبانة أخرى يرجع تأسيسها إلى القرن الثامن مع إنشاء مدينة العسكر (مدينة بناها العباسيون سنة 752 لتحل محل الفسطاط كعاصمة)، كانت تمتد على حدود الطرف الشمالي لمصر -الفسطاط- وتغطي المنطقة التي تقع غرب باب القرافة وحتى عين الصيرة.
ومع بداية القرن التاسع وجدت جبانة ثالثة عند سفح المقطم في المنطقة التي يقع فيها الآن ضريح عمر بن الفارض، والتي كانت تعرف قديماً بـ«مدافن محمود».
نذر تسبب في بناء أفخم مساجد مصر.. قصة «الرفاعي»
بنو قرافة
وفي مطلع القرن العاشر طرأت ظاهرة جديدة حيث وُجد حي عمراني استمد اسمه من «بني قرافة»، أحد بطون قبيلة المعافر اليمنية، وإلى هذه القبيلة نُسبت جبانات القاهرة التي عُرفت جميعها بـ«القرافة».
وقد وصف الرحالة ابن بطوطة، الذي زار مصر في عهد الناصر محمد بن قلاوون، قرافة مصر بقوله «ولمصر القرافة العظيمة الشأن، وهم يبنون بها القباب الحسنة ويجعلون عليها الحيطان فتكون كالدور، ويبنون بها البيوت، ويرتبون القُراء يقرأون ليلاً ونهاراً بالأصوات الحسان، ومنهم من يبني بالزاوية والمدرسة إلى جانب التربة، ويخرجون في كل ليلة جمعة إلى المبيت بها وبأولادهم ونسائهم، ويطوفون على المزارات الشهيرة، ويخرجون أيضاً للمبيت بها ليلة النصف من شعبان، ويخرج أهل السوق بصنوف المآكل».
قبل الدخول.. تعرف على قصص 5 من أبواب القاهرة
الفاطميون والقاهرة
ومع الفتح الفاطمي لمصر وتأسيس مدينة القاهرة نشأت جبانات جديدة لخدمة المدينة الناشئة. كانت أولاً جنوب شرق القاهرة وتمتد خارج باب زويلة في المنطقة التي يشغلها الآن جامع الصالح طلائع وشارع الدرب الأحمر وشارع التبانة وشارع باب الوزير والشوارع المتفرعة منها، وكثُر استخدام هذه الجبانة على الأخص في زمن الشدة المستنصرية (مجاعة مات بسببها كثير من المصريين) منتصف القرن الـ11.
وبعد وفاة أمير الجيوش بدرالدين الجمالي سنة 1085، أنشئت جبانة أخرى خارج باب النصر شمال القاهرة، وكان هو أول من دُفن فيها، وتشغل مكانها الآن قرافة باب النصر الواقعة بين حي الحسينية وشارع المنصورية.
تُرب الغفير
أما قرافة المماليك الواقعة في الصحراء شرق طريق صلاح سالم الحالي في المنطقة المعروفة الآن بـ«تُرب الغفير» حول مقابر الشهداء، فكانت في الأصل براحاً واسعاً يُعرف بميدان القبق وميدان العيد والميدان الأسود، يمتد بين قلعة الجبل وقبة النصر، حيث كان فرسان المماليك يؤدون فيه تدريباتهم منذ أنشأه السلطان الظاهر بيبرس سنة 1365. وترك السلطان الناصر محمد بن قلاوون النزول إلى هذا الميدان ابتداءً من عام 1420.