رئيس التحرير أحمد متولي
 تاريخ «ماكينة الحلاقة».. طريق طويل بدأ بالحجر وانتهى إلى «ما يستحقه الرجال»

تاريخ «ماكينة الحلاقة».. طريق طويل بدأ بالحجر وانتهى إلى «ما يستحقه الرجال»

كم من الوقت تكلفك حلاقة الذقن؟ ربما أقل من الدقائق الخمس؟، هذا بالنسبة لشفرة «جيليت» الحادة وأمثالها، فماذا عن آلة التنعيم والتخفيف بالكهرباء؟، هل تشعر بسهولة الحصول على الذقن الناعمة المطلوبة؟

هذه التكنولوجيا والسرعة لم تحصل فجأة، لأن آلة الحلاقة اختراع فذ متكامل، ظهرت على فترات متباعدة في قصة مليئة بالمفارقات كالأفلام السينمائية. تعرف عليها في هذا التقرير لتدرك أهمية ذقنك في التاريخ.

قبل 20 ألف عام: آسيا وإفريقيا

آلة حلاقة من العصر الحديدي

يظهر الإنسان البدائي في السينما والقصص دائمًا وله لحية عظيمة وشعر طويل، على أساس عدم وجود رفاهية الحلاقة في العصور السحيقة، ولكن الشواهد التاريخية تخبرنا بالعكس، والرسومات على جدران الكهوف تُظهر رجالًا ملتحين وآخرين حليقي الذقون.

اكتشف العلماء أول آلات للحلاقة في التاريخ، وكانت بطبيعة الحال من أحجار الصوان مسنونة الأطراف، ثم انتقل الرجال بعدها إلى الأصداف بدلاً من الحجارة، وأخيرًا استخدم رجل الكهف الحديد والبرونز حين تمكن من تشكيل المعادن.

في مصر واليونان

آلات حلاقة عند المصريين القدماء

المصريون القدماء تحديدُا اهتموا بنظافة الوجه واعتبروا الذقن الحليقة دليلاً على عظمة القدر، فكانت أدوات الحلاقة عند الحاكم من البرونز كما وجدها علماء الآثار في مقابرهم، وفعل مثلهم أهل اليونان القدامى فكانوا يحلقون يوميًا،

على العكس من المصريين واليونانيين، الرومان اعتبروا حلاقة الوجه شيئًا معيبًا للرجال ويدل على التخنث، لاعتقادهم أن الرجل الملتحي أقوى وأعظم حظًا في المعارك، وكلمة barba الرومانية تعني «لحية» ومنها جاءت كلمة barber الإنجليزية التي تعني الحلاق.

آلة الحلاقة الآمنة

آلة الحلاقة الآمنة في عام 1800

بسبب الآلات المصنوعة من الحجارة والمعدن، ظلت الحلاقة عملية شاقة ومؤلمة لقرون طويلة، حتى أن هنود أمريكا كانوا ينتفون شعر لحاهم بالصدف شعرة بعد شعرة، لكن معاناة الرجال انتهت مع اختراع أول آلة حلاقة مستقيمة وآمنة في فرنسا عام 1762.

فعلها الحلاق الفرنسي المحنك «جاك بيريت» بتثبيت قطعة معدنية صغيرة بجوار حافة الشفرة وعلى امتدادها، لمنع انزلاق الشفرة المفاجئ في جلد من يستخدمها، وبعدها بسبعين سنة يظهر تصميم آخر لآلة الحلاقة أخف وزنًا وأقل إرهاقًا عند الاستخدام.

أما آلة الحلاقة الحديثة التي نعرفها فظهرت عام 1880 بشفرة ثابتة، مما جعل شحذها وسنها ضروريًا بين فترة وأخرى كسكين المطبخ، ولكن كل هذا تغير مع ظهور أكثر الأسماء لمعانًا في عالم الحلاقة، رجل أمريكي يُدعى «كينج جيليت».

تبديل الشفرة

نموذج قبل جيليت ظهر في 1900

ثورة حقيقية في حلاقة الشعر فجرّها التاجر المتجول «كينج جيليت» المولود في ولاية «ويسكونسن» الأمريكية سنة 1855، والغرابة أن هذا الرجل ذو الملامح الارستقراطية لم يخطط في البداية إلى دخول مجال الصناعة، بل بدأ حياته كاتبًا.

نشر «جيليت» في عام 1894 كتابًا بعنوان «الانحراف الإنساني» يتضمن رؤيته في إصلاح المجتمع وإقامة نظام جديد لتسيير أحوال العباد، لكن كتابه فشل لحسن حظ الرجال كما يبدو، وبدأ يبحث عن الثروة في أشكال أخرى، فيستمع لنصيحة صديقه بخصوص أغطية زجاجات المياه الغازية التي تستخدم لمرة واحدة ثم تُلقى في القمامة.

إحدى موديلات جيليت 1920

فكر التاجر الأمريكي: لماذا لا يخترع شيئًا عمليًا مثل هذه الأغطية؟ وهنا تقع في يده آلة حلاقة تقليدية تتطلب شحذًا وسنًا حتى تستخدم، لتأتي الفكرة مباشرة كما يرويها صاحبها: سأخترع آلة للحلاقة بشفرة قابلة للتبديل بدلاً من الشحذ.

لم يكن تنفيذ الفكرة سهلاً، وحين استشار التاجر البسيط المهندسين في جامعة ماساتشوستس أجمعوا على استحالة صناعة شفرة رقيقة من الفولاذ بتكلفة قليلة، بل نصحه الجميع بالتخلي عن المشروع نهائيًا إلا أستاذ جامعي يُدعى «ويليام نيكرسون» قرر مساعدته لينتهي من اختراعه المعجز بعد 6 سنوات كاملة.

ما يستحقه الرجال

في عام 1901 ظهرت أول آلة حلاقة اقتصادية شبيهة بما تراه اليوم، جسم معدني أنيق الشكل فضي اللون قابل لتبديل الشفرة، ونزلت إلى الأسواق عام 1903 ليشتري منها الشعب الأمريكي فقط 300 ألف قطعة مع نصف مليون شفرة.

المفارقة الأهم في انتشار الآلة كانت الحرب العالمية الأولى، فقد طلب الجيش الأمريكي من شركة «جيليت» صناعة 3 مليون ونصف المليون آلة حلاقة و36 مليون شفرة كي تبقى الجنود حليقة الذقون بشكل مثالي، والأهم من هذا كله في حظ الآلة أن الجنسيات الأخرى المشتركة في الحرب عرفت هذه الآلات العملية وبحثت عنها في بلادها.

كينج جيليت

تطوير الآلة لم يتوقف حتى يومنا هذا، ووصل عدد التحسينات إلى 8 إصدارات بإضافات مميزة في كل مرة، وتعتمد الشركة شعارها «ما يستحقه الرجال» إلى جانب مقولة «جيليت» الشهيرة: سنتوقف عن صناعة آلة الحلاقة حين نعجز عن تطويرها.

تقاعد «جيليت» عام 1931 بعدما صار مليونيرًا، لكن المنافس الأهم لآلته الإعجازية ظهر في ذاك العام نفسه، وكما حدث مع ساعات الميكانيكا التقليدية التي هزمتها ساعات البطاريات، نافست آلة الحلاقة الكهربية «جيليت» على عرش الحلاقة.

الحلاقة بالكهرباء

جاكوب شيك

كان «جاكوب شيك» مجرد جندي متطوع في الجيش الأمريكي، ومثل الآلاف غيره استخدم آلة «جيليت» الفذة ليحصل بها على حلاقة ناعمة ومريحة في كل الأوقات، إلا حالة واحدة يعرفها كل من خدم في الجيش، وهي غياب الماء والصابون أو معجون الحلاقة، وصعوبة الحلاقة نفسها في الجو القارس.

ينطبق هنا المثل القائل: الحاجة أم الاختراع، فقد اضطر «جاكوب شيك» في مرة لكسح الجليد من أجل توفير الماء اللازم للحلاقة، فعزم على إيجاد حل للحلاقة الجافة باستخدام الكهرباء، ولكن المشكلة الأكبر تمثلت في وجود محرك كهربي مناسب لآلة حلاقة صغيرة الحجم.

احتاج المخترع المتحمس 5 سنوات كاملة لاختراع آلته وتسجيلها باسمه، لتظهر مشكلة أخرى أمامه: السعر الباهظ للمنتج، إلى جانب وقوف أتباع «جيليت» ضده مقتنعين بعدم الحاجة أصلاً لآلة حلاقة كهربية باهظة الثمن، لكن «شيك» رهن منزله وأنتج عددًا كبيرًا من آلاته.

الكهرباء تعيش

إعلان لآلة الحلاقة الكهربية

مشكلة أخرى ظهرت لـ«جاكوب شيك» في وقت إطلاقه للآلة الكهربية عام 1931 وهي الانهيار الاقتصادي، فوصلت مبيعاته إلى 3000 آلة فقط، لكنه في العام التالي أنشأ حملة لترويج منتجه عالميًا مما أوصل مبيعاته عام 1937 إلى 2 مليون آلة.

لم تنجح الكهرباء في قهر آلة «جيليت» بالتأكيد، لكنها كانت تطورًا طبيعيًا للتكنولوجيا، خاصة حين ظهرت سنة 1940 أول آلة حلاقة للنساء بالكهرباء، لتوفر لهن راحة كبيرة بدلاً من حرق أو كشط الشعر غير المرغوب فيه كما كان يحدث قبلها.

المصدر

  • *موقع جيليت *قصة العادات والتقاليد وأصل الأشياء.. تشارلز باناتي

محمود حافظ

محمود حافظ

روائي وصحفي، مهتم بالسينما والأدب ومزجهما بالتاريخ والفلسفة