عسلية.. قصص قصيرة عن الأمل واليأس في حياة المصريين
يظل فن القصة القصيرة حاضرا على أرفف المكتبات ينتظر مريديه الذبن يحرصون باستمرار على متابعة الجديد في هذا اللون الأدبي العميق، و«عسلية» اسم لإحدى المجموعات القصصية الصادرة مؤخرًا للقاص حسين علام،.تتحدث عن الأمل واليأس في حياة المصريين.
«عسلية».. فاكهة الجنة
لم تكن أولى قصص المجموعة وصاحبة العنوان عن العسلية بمعناها الحرفي كحلوى لذيذة، ولكنها عن مهندس مصري في إحدى القرى يعاني مع العسلية التي صارت بالنسبة له كفاكهة الجنة المحرمة!
عسلية هو الاسم الذي أطلقه بطل القصة على بنت أخته وصديقة طفولته، لقد جمعت بينهما براءة السنوات الأولى في القرية الوادعة، وكانت الفتاة قمحية اللون باسمة الثغر بغمازتين آسرتين مما جعلها تستحق لقب عسلية.
المشكلة الوحيدة أن مشاعر الخال انجرفت تجاه البنت مع نمو الجسم والعقل، وصارت عقدة القصة متمثلة في لقاء البطل بعسلية بعد سنوات من الغياب، والأهم حين يسأل إمام المسجد عن أزمته.. كيف يسأله وكيف سيجيبه؟!
كوابيس الواقع
لم تكتمل قصص «عسلية» بطابع العسل.. بل كان «الحزن في العسل» بشكل ما، خاصة في تيمات معاناة الواقع التي عالجها المؤلف بحكم عمله في القضاء، ومن أبرز تيمات المجموعة تأتي قصة «إيمانويل كانط».
تحكي القصة عن طالب بكلية الفلسفة كان معجبًا بشدة بالفيلسوف الشهير «إيمانويل كانط» الألماني لدرجة تقليده في أشياء كثيرة، لكن هذا الطالب النابغة تقمص شخصية الفيلسوف تمامًا حينما أقصته الكلية ظلمًا من التعيين كمعيد وأعطت الوظيفة لنجل أحد الأساتذة.
أصاب البطل الجنون وهام على وجهه في الشوارع كأنه «كانط» القادم من القرن الثامن عشر، وأمسكت به الشرطة بتهمة التسول ليفاجئ وكيل النيابة الشاب قائلاً له «أنا بروفيسور وكنت في مقر عملي بالجامعة ثم حضروا قبضوا عليّ» فكيف تصرف الوكيل إذن؟!
وحيد وعزة
في قصة «عم وحيد» تتبدى ميزة القصة القصيرة في التكثيف والتركيز، فالقصة عن موقف مؤلم واحد يتعرض له شيخ كبير، أصابه مرض بحكم سنه في البروستاتا وجعل قضاء حاجته عذابًا، وفي مرة واحدة وثق عم وحيد في نفسه وسار في الشارع دون خوف، فكانت العاقبة وخيمة والموقف عسيرًا.
أما «عزة» التي كُتبت لها قصة أخرى باسمها فلم تكن أفضل حظًا، ورغم عملها كنادلة في أحد الكافيهات وإعجاب بطل القصة الطالب المجتهد بها، إلا أن الظروف لم تساعدها بشكل يجعلك كقارئ تتحسر وتتساءل عن فئات المجتمع المقهورة فقرًا أو صحة.
خيط رفيع
لا ترتبط قصص المجموعة بوحدة أساسية تجمعها، إلا أن خيطًا رفيعًا من الكوميديا السوداء يتناثر بين أغلبها، حتى في قصة تستشرف المستقبل بعنوان «2050» يحكي المؤلف عن تطبيق على الهواتف الذكية يستطيع عمل منشورات للأموات عن طريق الذكاء الاصطناعي، ولكن تنقلب الآية بطريقة ساخرة.
لا تعدم المجموعة الأمل كذلك في أكثر من قصة، خاصة الأخيرة التي حملت اسم «غسول القهوة» لتتفاجأ بقصة صديق يعزم على صديقه الفقير بفنجان ناتج عن غسل ماكينة القهوة الذي يُلقى عادة في الحوض!
هذه اللقطة على حزنها تم استغلالها لتزرع الأمل في قلب الصديقين وتلهم أحدهما بفكرة تجمع بين القهوة والكتب، لتتحول كما سيرى القارئ إلى محاولة جادة تحارب الواقع التعيس، وكأنها المرة الأولى التي يجتمع فيها الكتاب مع القهوة بشكل عملي بعيدًا عن بوستات العمق على مواقع التواصل الاجتماعي.
عن اللغة وتوابعها
«كم من سكير صار داعية، أما حاله فهي أسوأ، إنَّه ليخالها بلا حل. أخذت الأفكار تجلده بلا رحمة حتى قطعها صوت إقامة الصلاة. دخل المسجد فأبصر الإمام مستقيماً بجسمه الربعة في جلبابه الأبيض رافعاً كفيه بمحاذاة لحيته الشهباء والجزء الأسفل من عمامته البيضاء القصيرة جاهراً بتكبيرة الإحرام، دخل في الصلاة منصرف البال».. من قصة «عسلية».
تخلو المجموعة أو تكاد من الكلمات العامية، متحرية اللغة الرصينة قدر الإمكان، الضرورة فقط تطلبت استخدام كلمات مثل «شوية» و«والنبي» وما شابه، إلا أن الفصاحة غيّبت العامية الرشيقة نوعًا التي يميل لها بعض القراء محبي الواقعية في الحوار.
المؤلف زاد في تجويده مستخدمًا تعبيرات من القرآن الكريم مثل «خائفًا يترقب» واستخدام أبيات من الشعر العربي كذلك مثل «نزلت مقدمة المصيف حميدة» في وصفه لقدوم الربيع، كما أنه سمّى إحدى القصص بمقطع من قصيدة الأطلال «كان صرحًا من خيال كهوى».
بشكل عام كانت «عسلية» وجبة لغوية وقصصية دسمة، وتناولت مواضيع الشارع والمقاهي والقرى بالأسلوب الرصين الذي سيروق حتمًا لمن يحب اللغة الفصيحة الغائبة غالبًا في الآونة الأخيرة.