مصعب بن عمير.. فتى مكة المدلل الذي أبكى الرسول في أحد

مصعب بن عمير.. فتى مكة المدلل الذي أبكى الرسول في أحد

نتابع معكم سيرة صحابة رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، وبطل قصة اليوم، فتى مكة المدلل الذي استشهد وهو شاب في غزوة أحد، وبكي عليه الرسول، وكان أول سفير في الإسلام.

من هو مصعب بن عمير؟

مصعب بن عمير شابٌ من أكثر شباب قريشٍ رقة ووداعة وثراءً، نشأ منعمًا في ظل والديه، في بيت يزخر بالفاخر من الثياب، والنادر من العطور، زينة فتيان قريش، ودرة مجالسه، تنقلب حياته فجأة، فإذا به يرضى بشظف العيش، ويلبس الجلد الخشن من الثياب.

سماه الرسول مصعب الخير، وهو مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف، كما تثبته كتب التاريخ، ونظر النبي إلى مصعب بن عمير، ذات يوم وعليه جلد من كبش، فقال: «انظروا إلى هذا الذي قد نور الله قلبه، لقد رأيته بين أبويه يغذيانه بأطايب الطعام والشراب، ولقد رأيت عليه حلة شراها أو شريت له بمائتي درهم، فدعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون».

موقف أم مصعب بن عمير من إسلامه

كان وحيد أمه المدلل، فحرص على إخفاء إسلامه عنها حتى لا يضايقها، لما يعلم من حبها إياه، ولكن الرياح أتت له بما لا يشتهي، إذ سرعان ما عرف بأمر إسلامه أحد المشركين، وأخبر أمه التي سارعت بحبسه في منزله، حتى يرجع عن دينه، ولكنه استطاع أن يهرب من الحبس، ويفر بدينه مع غيره من المسلمين إلى الحبشة.

هاجر مصعب بن عمير الهجرتين

وهاجر هجرة الحبشة الثانية، وما إن عاد إلى مكـة حتى كان رسول الله يعده لمهمة هامة وجليلة، وهي أن يكون رسول الإسلام إلى معقل الإسلام الأول: إلى المدينة المنورة.

أرسل الرسول مصعب بن عمير، إلى المدينة فجعل يدعو الناس سرًّا ويفشو الإسلام ويكثر أهله وهم في ذلك مستخفون بدعائهم.

إسلام أسيد على يد مصعب

ذات يوم كان مصعب جالسًا ومعه سعد بن زرارة وهو يعظ الناس ففوجئ بقدوم أسيد بن حضير سيد بني عبد الأشهل بالمدينة وهو يكاد ينفجر من فرط الغضب على ذلك الرجل الذي جاء من مكة ليفتن قومه عن دينهم، فوقف مصعب أمام أسيد وقد كان ثائرًا، ولكن مصعب انفجرت أساريره عن ابتسامة وضاءة وخاطب أسيد قائلا: أو لا تجلس فتستمع؟ فإن رضيت أمرنا قبلته وإن كرهته كففنا عنك ما تكره. قال أسيد: أنصفت.

وركز حربته وجلس يصغى وأخذت أسارير وجهه تنفرج كلما مضى مصعب في تلاوة القرآن وفي شرح الدعوة للإسلام، ولم يكد يفرغ من كلامه حتى وقف أسيد يتلو الشهادتين.

سرى النبأ في المدينة كالبرق فجاء سعد بن معاذ وتلاه سعد بن عبادة وتلاهم عدد من أشراف الأوس والخزرج، وارتجت أرجاء المدينة من فرط التكبير، وفى موسم الحج التالي لبيعة العقبة قدم من يثرب سبعون مسلمًا من بينهم امرأتان، وكان ذلك فاتحة مباركة لهجرة الرسول إلى المدينة.

وهكـذا أتيح لمصعب أن يسلم على يده هذا العدد من الأنصار، حتى كادت المدينة المنورة كلها تدين بإسلامها لمصعب بن عمير، وكان مصعب بن عمير أول من جمع الناس للجمعة بالمدينة.

استشهاد مصعب بن عمير

شهد مصعب بن عمير بدرا واختاره الله للشهادة في سبيله يوم أحد، بعد اثنين وثلاثين شهرًا من الهجرة وهو ابن أربعين سنة، وبعد انتهاء غزوة أحد جاء الرسول وأصحابه يتفقدون أرض المعركة ويودعون شهداءها، وعند جثمان مصعب سالت دموع وفية غزيرة، ويقول خَبَّاب بن الأرت: «هاجرنا مع رسول الله صل الله عليه وسلم في سبيل الله، نبتغى وجه الله، فوجب أجرنا على الله.. فمنا من مضى ولم يأكل من أجره في دنياه شيئاً -منهم مصعب بن عمير- قتل يوم أُحُد.. فلم يوجد له شيء يكفن فيه إلا نَمِرَة-قطعة من القماش- فكنا إذا وضعناها على رأسه تعرت رجلاه، وإذا وضعناها على رجليه تعرت رأسه، فقال لنا رسول الله: اجعلوها مما يلي رأسه واجعلوا على رجليه من نبات الإذخر» والإذخر نوع من النبات.

وحمل مصعب لواء المسلمين في أحد، ولما جال المسلمون ثبت به مصعب فأقبل ابن قميئة وهو فارس فضرب يده اليمنى فقطعها، ومصعب يقول: «وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»، وأخذ اللواء بيده اليسرى وحنا عليه فضرب يده اليسرى فقطعها، فحنا على اللواء وضمه بعضديه إلى صدره وهو يقول:«وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ»، ثم حمل عليه الثالثة بالرمح فأنفذه واندق الرمح ووقع مصعب ليسقط شهيدًا

وعن سعد بن إبراهيم عن أبيه إبراهيم أن عبد الرحمن بن عوف أتى بطعام وكان صائمًا فقال: قتل مصعب بن عمير وهو خير مني، كفن في بردة إن غطي رأسه بدت رجلاه وإن غطي رجلاه بدا رأسه، وأراه قال: وقتل حمزة وهو خير مني، ثم بسط لنا من الدنيا ما بسط، أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا، وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت لنا، ثم جعل يبكي حتى ترك الطعام.

حسين السنوسي

حسين السنوسي

صحفي مصري متخصص في الشأن الطلابي، رئيس قسم الجامعة بموقع شبابيك، متابع لأخبار التعليم ومقيم بمحافظة الجيزة