الجزائر بعيون رحالة ألماني.. حين حوّل الفرنسيون المساجد لمخازن «تبن»

الجزائر بعيون رحالة ألماني.. حين حوّل الفرنسيون المساجد لمخازن «تبن»

لطالما كانت الجزائر مقصداً للرحالة الأوربيين الذي زاروها في فترات تاريخية مختلفة، فدّونوا مشاهداتهم عن أحوال أهلها وعاداتهم وتقاليدهم، ومن بين هؤلاء الرحالة الألماني فيلهلم شيمبر.

زار شيمبر الجزائر في ديسمبر سنة 1831، أي بعد مرور حوالي عشرة أشهر على احتلالها من الفرنسيين، وأقام بها حوالي عشرة أشهر، ولما عاد إلى بلاده بعد أن أصابته الحمى المتقطعة وأفقدته ذاكرته لفترة قصيرة، أصدر كتاباً صغير الحجم بعنوان «رحلة فيلهلم شيمبر على الجزائر في سنتي 1831 و1832».

التعليم في الخارج

يتحدث شيمبر في كتابه عن مدينة الجزائر، فيرى أنها دُعيت هكذا بسبب الفيضانات التي تغمر سهل متيحة وتحيله إلى بحيرة كبيرة.

ويقدر عدد بنايات المدينة وقت زيارته  لها بخمسة عشر ألف وسكانها بمائة ألف نسمة، كما يذكر اللغات المستعملة بها وهي العربية والإسبانية والفرنسية والإيطالية والألمانية والإنجليزية والهولندية، وغيرها مما لم يُعرف له أصلاً ولا نسباً.

ويتطرق شيمبر إلى الحديث عن التربية والتعليم، فيذكر أن الأطفال يذهبون إلى المدارس -وهي موجودة بكثرة- في السادسة من العمر، يتعلمون فيها القراءة والكتابة والحساب وحفظ القرآن، ثم يواصلون تعليمهم عند العلماء عند العلماء والفقهاء.

ويسافر الكثير منهم فيما بعد إلى تونس والإسكندرية والقاهرة إما لإتمام دراستهم أو لتعلم الحرف وفنون التجارة، كما يذهب البعض منهم إلى مدينة لفورنو الإيطالية لدراسة الطب واكتساب المعارف الأوروبية في مختلف الميادين.

ويذكر شيمبر، «لقد بحثت قصداً عن عربي واحد في الجزائر يجهل القراءة والكتابة، غير أني لم أعثر عليه في حين أنى وجدت ذلك في بلدان جنوب أوروبا، فقلما يصادف المرء هناك من يستطع القراءة من بين أفراد الشعب».

ويضيف: «من الإنصاف أن نقول أن الجزائريين يتكلمون الفرنسية بطلاقة، وذلك ما دعا الحكومة الفرنسية إلى استخدامهم في الوظائف العمومية، أما الفرنسيون الذين يتكلمون العربية فلا وجود لهم إلا في النادر جداً.

ويتحدث عن العميان ويأخذ على الأوربيين أنهم يعاملونهم معاملة في منتهى القسوة، وأنه لم ير خلال العشرة أشهر التي قضاها في الجزائر أوروبياً واحداً يقدم لهم أية مساعدة.

وعلى العكس من هذا كان موقف المواطنين منهم، فقد رآهم يشفقون عليهم ويساعدونهم ما وجدوا إلى ذلك سبيلاً. وقد كانت الشحاذة مقصورة عليهم، أما الأصحاء فكان من العار عليهم في نظر الجميع أن يمدوا أيديهم تسولاً.

الفرنسيون وتخريب الاقتصاد

ويتعرض المؤلف في كتابه للحركة التجارية في الجزائر، فيؤكد أنها وصلت إلى حد كبير من التدهور، لأن الفرنسيين لا يبدون أية رغبة في إقامة علاقات تجارية مع داخل البلاد، كما أن التجارة أصبحت بيد الأوربيين، وأن التاجر العربي الصغير مضطر  إلى أخذ بضاعته منهم وهم على ما هم عليه من طمع وجشع.

ويذكر أن التجار الفرنسيين لا يعرضون بضائعهم في الأسواق إلا بعد أن يتحول النقص في المواد الغذائية إلى مجاعة، ثم إنهم حريصون على القضاء على التجار الصغار الشرفاء حتى لا يفقدوا شيئاً من تجارتهم.

كما يشير إلى أن الصناعات اليدوية ليست بأحسن حالاً، فقد أصبحت في حالة يؤسف لها، لأن الأغنياء الذين كانوا يشجعون مثل هذه الصناعات قد طردوا من جانب الفرنسيين، ومن لم يطرد منهم فضّل أن يغادر وطنه من تلقاء نفسه سخطاً على الأوضاع الجديدة، ورفضاً للحياة في ظل نظام أجنبي.

أما الذين لم يستطيعوا ترك بلادهم بسبب أوضاعهم المادية، فتوقفوا عن العمل لأن الأوربيين في غنى عما تنتجه أيديهم.

مجرمون وجواسيس

ويتطرق إلى الأوربيين الذين وصلوا إلى الجزائر واستقروا فيها بعد الاحتلال الفرنسي، قائلاً إنهم مجموعة من الأسافل الأشرار والمجرمين الكبار ممن طردوا من بلدانهم لسوء سلوكهم ودعارتهم، وانهيارهم الخلقي واستهتارهم بكل عرف اجتماعي، وهكذا أصبحوا سبباً في الأوضاع المؤلمة التي يعاني منها هذا الشعب.

وينتقل بعد ذلك إلى الحديث عن شجاعة الجزائريين في الحروب وأنواع أسلحتهم ومهارتهم في استخدامها وكيف أن الجبال كانت معاقلهم منذ القدم، وكيف أتاحت لهم على مر العصور الدفاع عن أنفسهم.

غير أن ذلك لا يمنع من وجود عدد من الجواسيس بينهم، بعضهم يتجسس لصالح الفرنسيين والبعض الآخر لصالح العرب، ويصفهم بالفروسية والصمود، ويلاحظ أن عيبهم الوحيد هو أنهم غير منظمين وأن ما بينهم من خلاف وعراك وتطاحن قد جلب على أعدائهم منافع كثيرة، فعرف جنرالات فرنسا كيف يستفيدون من هذه العيوب والأخطاء، فحرصوا على زرع الشقاق بين القبائل، على الرغم من أن الفرنسيين واليهود يخافونهم أشد الخوف.

ويروي أنه كثيراً ما كان يخرج إلى مناطق الحراسة، فيشاهد الفرق الكاملة من الجنود الفرنسيين وبعض الجزائريين المنضمين إليهم يتربصون بالعرب العائدين من الأسواق ليسلبوهم ما معهم من مال ومتاع.

ويذكر أن أروع مسجد في الجزائر هُدم وأقيم مكانه ساحة للاجتماعات، مع أنه كان بالإمكان إقامة هذه الساحة قرب مقرإقامة الحاكم الفرنسي.

كما تحولت كثير من المساجد لمخازن لـ«التبن» بينما تحول البعض إلى بنايات عسكرية، وهناك مسجد خُصص لمزاولة العزف على الكمان. وهدمت كذلك أضرحة عزيزة على قلوب الجزائريين ليقام مكانها ميدان تجرى فيها التدريبات المختلفة.

المصدر

  • كتاب «الجزائر في مؤلفات الرحالين الألمان (1830 – 1855). أبو العيد دودو.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية