كوت ديفوار.. هكذا تشكلت «أبوية» فرنسا لبلاد الماس والعاج
عندما منحت فرنسا الاستقلال لمستعمراتها في غرب أفريقيا لم تكن مستعدة لخسارة نفوذها في هذه المناطق، لذلك فرضت على مستعمراتها السابقة إبرام اتفاقيات التعاون في مختلف الميادين، سواء ما يرتبط بالأمن أو العملة أو المساعدات التنموية، أو التعاون الثقافي والسياسي، بما يضمن لها الاستمرارية وحفاظاً على مصالحها الحيوية في المنطقة.
وكانت كوت ديفوار أو ساحل العاج إحدى هذه الدول التي كانت جزءً من استراتيجية (فرنسا – إفريقيا)، والتي ترتب عليه نشوء علاقة أشبه بـ"الأبوية" بين باريس ومستعمراتها القديمة. مزارة زهيرة وميلود عامر حاج تطرقتا لهذا الموضوع في دراستيهما «السياسة الأمنية الفرنسيةتجاه منطقة الساحل الإفريقي بين القطيعة والاستمرارية».
وتقع كوت ديفوار في غرب أفريقيا. تحدها غانا من الشرق، وغينيا وليبيريا من الغرب ومالي وبوركينافاسو من الشمال، وتشرف من الجنوب على خليج غينيا والمحيط الأطلسي، وتعود تسميتها بـ«ساحل العاج» إلى أن التجار الأفارقة كانوا يجمعون أنياب الفيلة ويعرضونها للبيع في أكوام على سواحلها فأخدت اسمها من تجارة العاج.
إجهاض القارة
وضع استراتيجية (فرنسا - أفريقيا) جاك فوكار الذي كان يُعرف باسم «سيد أفريقيا في الإليزيه»، وفُرضت على الدول الإفريقية التي كانت مستعمرة من فرنسا سابقاً.
وبينما اعتبرتها النخبة السياسية الإفريقية الوطنية بأنها «إستراتيجية مصغرة لاستغلال الدول الإفريقية»، نظرت لها باريس باعتبارها شبكة تعاون مع المستعمرات القديمة ومنها ساحل العاج.
ولكن ما أدركه المواطن الإفريقي بعد ذلك، أن باريس تهدف من وراء تطبيق هذه الإستراتيجية إلى تحقيق عدة أهداف، منها ضمان وصول الموارد الأفريقية الحيوية مثل اليورانيوم والنفط والماس، وتوسيع القواعد العسكرية الفرنسية في أفريقيا، وإجهاض القارة من المناضلين الوطنيين، وذلك بدعم الأنظمة.
دور الرئيس
وبواسطة هذه الاستراتيجية تعزز نفوذ فرنسا في منطقة غرب إفريقيا خلال الفترة الممتدة من بداية الستينيات إلى التسعينيات من القرن الماضي، وكان رئيس ساحل العاج الراحل فيليكس هوفويت بوانيي من بين الشخصيات التي ساهمت في نجاح تنفيذها.
و«بوايني» أول رئيس لجمهورية ساحل العاج في الفترة الممتدة ما بين 1960 إلى 1993، وكان من بين الشخصيات السياسية التي تربطها صداقة مع النخب الفرنسية.
وخلال فترة حكمه كانت ساحل العاج حليفاً رئيسياً لفرنسا في منطقة الساحل الإفريقي، إذ كانت باريس حريصة على حماية مصالحها في غرب أفريقيا وعزل منافسيها.
ويتضح ذلك من خلال الدور الذي لعبه «بوايني» في تأجيج التوترات السياسية في إقليم بيافرا في نيجيريا، إذ استغلت باريس هذه الفرصة لإضعاف المستعمرة البريطانية السابقة، فدعمت المتمردين المطالبين بالانفصال عن الدولة الأم، وعندما تمكنت الدولة النيجيرية من احتواء حركة التمرد واسترجاع الاستقرار في جنوب شرق البلاد، عاد قائد التمرد «أوجوكو» إلى منفاه في ساحل العاج.
كما تمكنت المخابرات الفرنسية بالتعاون مع «بوايني» من دعم المعارض جان كلود الذي كان لاجئاً في ساحل العاج لتنظيم صفوف المعارضة ضد نظام توماس سانكارا في بوركينا فاسو، خاصة أن باريس كانت ترى أن تحريك الخصم في أبيدجان أسهل وأقل خطراً من تحريكه في باريس، وبالفعل نجحت في التخلص من سانكارا.
ولكن بوفاة رئيس ساحل العاج حدثت نقطة التحول في العلاقات الفرنسية الإفريقية، وتم فك الارتباط بين فرنسا وإفريقيا أو ما أطلق عليه بنهاية حقبة العلاقة الأبوية بين فرنسا وأفريقيا.
ارتباط آخر
ورغم ذلك، لم تنفصل باريس عن أبيدجان كلية، بل حافظت على تواجدها عبر أشكال مختلفة، فإذا كانت ساحل العاج موطناً تقليدياً للمصالح الفرنسية في منطقة الساحل الإفريقي، فأن أي اضطراب سياسي أو أزمة مسلحة فيها يهدد بالدرجة الأولى المصالح الفرنسية، لذا ارتبطت معها بعدد من الاتفاقيات الأمنية.
وساحل العاج هي الشريك الأول لفرنسا في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، خاصة أنها دولة غنية بالمعادن مثل الذهب والماس إضافة للنفط.
وفي المقابل، تعتبر فرنسا المستثمر الأول في ساحل العاج، إذ تستحوذ استثماراتها على 68% من مجمل الاستثمارات الأجنبية، كما أن 27% من رأس المال المؤسسات الإيفوارية بيد شركات فرنسية وأكثر من 600 شركة مملوكة لرجال أعمال فرنسيين.