ذكريات وحنين ووطن وحُلم للعاشقين.. هكذا حضرت البيوت في الأغنية العربية
بأكثر من دلالة حضرت البيوت في الأغنية العربية، تارة للتعبير عن الحنين للماضي بكل ذكرياته، وتارة أخرى للإشارة للوطن، وثالثة لوصف أحلام العاشقين في بيت يجتمعون تحت سقفه. زياد عساف تناول ذلك في كتابه «المنسي في الغناء العربي».
البيوت القديمة
الحنين للبيوت القديمة تجلى في أغاني مطربين كُثر، منهم المطرب محمد حمام الذي لم يذق طعم الاستقرار في حياته وعاش سنوات كثيرة بعيداً عن أهله وناسه، وهذا انعكس في أغانيه، فكثيراً ما تطرق إلى البيت والسكن. ولا ينحصر ذلك في أغنية «يا بيوت السويس» فقط، ففي أغنية «الحلم» يعبر عن حنينه إلي بيت بسيط يعيش فيه «أنا حلمي ببيت أخضراني.. وباب خشب وحيطان».
شاركه في هذا الحلم وبالحنين للبيوت القديمة شفيق جلال، فقال في إحدى أغنياته «ندر عليا يا دار لو عدنا كما كنا.. أنا لازوقك يا دار بالفل والحنة»، وكذلك إسماعيل شبانة في «بيتنا القديم»، وفيروز في «يا ريت انت وانا في البيت»، وميادة الحناوي «زمان كان لينا بيت.. واصحاب طيبين»، وصباح «يا بيتي يا بويتاتي.. يا مسترلي عيوباتي»، وفايزة أحمد «بيت العز يا بيتنا»، ومحمد منير «طعم البيوت».
وارتبطت البيوت القديمة بـ«الجدات»، وعبرت الأغاني عن هذه الصورة، مثل أغنية فيروز «بيتك يا ستي الختيارة»، وهدى حداد «رزق الله على العربيات وع أيام العربيات.. من بيت جدي لبيت ستي يبقوا يظلوا تلات ساعات»، ومارسيل خليفة «ستي يا مخباية مدري بإيا بيت.. هويتي ظبيها بشي حيط».
حنين ووطن
وارتبطت البيوت في الأغنية العاطفية بالذكريات والحنين والعتاب، كحالة ناظم الغزالي «طالعة من بيت أبوها رايحة في بيت الجيران.. فات ما سلم عليّا.. يمكن الحلو زعلان!»، وعلي الحجار «عنوان بيتنا زي ما كان.. بس انت نسيت العنوان»، وكمال حسني «عند بيت الحو هدىّ»، ومحمد منير في «أنا قلبي مساكن شعبية».
وحلّ البيت في الأغنية الوطنية كمعامل موضوعي للحنين للوطن والحلم بالعودة، وعبر عن ذلك محمد حمام عن شوقه للوطن «ما دام هنا وسط البيوت.. وسط النخيل وسط الدروب.. مش راح تكون أبداً غريب.. ولا راح تكون عابر سبيل».
ولشوارع القدس وبيوتها شدت فيروز «بليل كله ليل.. سال الحقد ب فية البيوت، والإيدين السودا خلعت الأبوابوصارت البيوت بلا أصحاب».
وللجنوب غنى وديع الصافي «يا بيت صامد في الجنوب»، ولديار قدم الأخوان فليفل النشيد الخالد «حماة الديار»، ومحمد قنديل «يا ويل عدو الدار».
أحلام الشباب
ومن خلال الأغنية العربية جسّدت الأغاني أحلام الشباب في بناء بيت يجمعه بمن يحب. فعبر العندليب عبد الحليم حافظ عن هذا الحلم «الهوى هوايا.. أبنيلك قصر عالي»، وصباح «ع البساطة»، و«عم يحلم قلبي برجّال.. طفران ودرويش الحال.. عيشني بأوضة صغيرة.. ما فيها غير حصيرة».
وكان لتعمير وبناء البيوت دلالته فيما تغنى به الشعراء والمطربون، أولهم وديع الصافي «عمر يا معلم العمار وعلى حارتنا.. عمّر لي شي أوضه ودار بتعمر دنيتنا»، والمطرب الأردني فيصل حلمي «إيد بإيدنعلّي ونبني»، والمطرب محمد وهيب «إنت ابني وانا ببني.. تانعمر لابنك وابني».
ومن الطبيعي أن يكون للمهندسين نصيبهم من الغناء في هذا المجال. من لبنان سمير يزبك غنى «يا مهندس عمر لي دار»، والمطربة شادية «يا مهندس هندس لي بيت.. لونه بلون مكاتبي.. تا أقضي عمري ب هالبيت.. أنا والحب وحبيبي»، وليلى نظمي «يا باشمهندس يا مهندس عمارة الجيران.. ما تبص بصة وتهندس في القلب كمان».
وفي أغنية «عرباوي» عبر محمد رشدي عن أحلام الناس في الستينيات «قلبي يا قلبي يا أبو الحيارى.. والله لاعملك شارع وحارة.. وابني لها عشة في النّي الأخضر.. وحبه.. حبه.. تصبح العمارة»، ومحمد حمام كان يحلم بإعادة بناء ما تهدم من أحلام الإنسان العربي واختصر كل تجربته في الحياة مغنياً ذات يوم «رايح تعلي جدار.. ولا انت ناوي تهد.. قلب الصبية عمار.. محتاج حبال تتمد».