انطلقت من ليبيا واحتلت السلوم.. قصة الحملة السنوسية على مصر
في يوليو عام 1914 اندلعت الحرب العالمية الأولى بين قوات الحلفاء التي ضمت بريطانيا وأيرلندا وفرنسا وروسيا من جانب، ودول المحور التي ضمت ألمانيا والإمبراطورية النمساوية المجرية والدولة العثمانية وبلغاريا من جانب آخر.
وخلال هذه الحرب التي انتهت عام 1918 وأودت بحياة تسعة ملايين مقاتل وسبعة ملايين مدني، كانت مصر طرفاً غير مباشر نالها بعض من سهامها، وكانت إحدى هذه السهام ما تمثل في حملة شنها السنوسيون من ليبيا علي الحدود الغربية على مصر.. عبدالرحمن الرافعي روى القصة كاملة في كتابه «ثورة 1919. تاريخ مصر القومي من سنة 1914 إلى 1919».
العثمانيون وقناة السويس
في صيف عام 1915، أقنعت الدولة العثمانية زعيم السنوسيين أحمد الشريف السنوسي، بأن يشن هجوماً على مصر التي كانت تحت الاحتلال البريطاني، لأن العثمانيين كانوا يعتقدون أن ذلك سيشتت قوة البريطانيين، وسيزيد من فرصتهم في الاستيلاء على قناة السويس من الشرق حيث كانوا يحاولون ذلك دون أن يُكتب لهم النجاح.
ما دفع العثمانيين لاتخاذ هذه الخطوة هو انخفاض التواجد البريطاني في مصر، بعد نقل عدد كبير من القوات الإنجليزية إلى كاليپولي (تقع في تركيا على بحر إيجه) والعراق، ووقتها كانت الحدود الغربية لمصر تحت حماية حرس السواحل المصري ما دفع العثمانيين على اتخاذ هذا القرار.
اقتنع السنوسيون بقيادة السيد أحمد الشريف السنوسي واتفق على إنفاذ حملة على حدود مصر الغربية في نوفمبر سنة 1915، وتحركت نحو السلوم وسيدي براني فانسحبت الحاميتان المصريتان منهما ودخلهما السنوسيون.
أما بقايا القوات الإنجليزية فاعتصمت في مرسى مطروح واتخذوها مقراً لقيادتهم، ودارت معارك عنيفة حولها في أواخر سنة 1915 وأوائل سنة 1916 انتهت بارتداد السنوسيين.
وزحفت قوات سنوسية أخرى جنوباً، واحتلت سيوة والواحات البحرية والفرافرة والداخلة، ثم زحف الجيش الإنجليزي من مرسى مطروح تؤيده السيارات المدرعة واشتبك مع السنوسيين يوم 26 فبراير سنة 1926 في معركة «أجاجية» الواقعة في الجنوب الشرقي من سيدي براني، وعلى مسيرة خمسة عشر ميلاً منها، وانتهت باسترداد سيدي براني.
وفي مارس 1916 استرد الجيش المصري مدينة السلوم، وفي أكتوبر ونوفمبر سنة 1916 استرد الواحات الداخلة والداخلة والبحرية والفرافرة، وفي فبراير سنة 1917 استرد واحة سيوة، وانتهت حملة السنوسي بالإخفاق والهزيمة.
انشقاق حاكم دارفور
ولم تكن الحملة السنوسية فقط هي أحد نتائج الحرب العالمية الأولى على مصر، ففي نفس الفترة تقريباً وفي السودان التي كانت تابعة لمصر شق علي بن دينار عصا الطاعة على حكومة السودان في سنة 1916 مستغلاً أوضاع الحرب، فأنفذت إليه مصر حملة من الجيش المصري، اجتازت حدود دارفور في أبريل من تلك السنة.
احتلت الحملة المصرية الآبار الهامة، ما اضطر جيش علي دينار إلى البقاء في مدينة الفاشر عاصمة دارفور، وسدت في وجهه الطرق الرئيسية المؤدية إلى حدود بلاده وزحفت الحملة على الفاشر، واشتبكت مع جيش ابن دينار في معركة فاصلة يوم 22 مايو سنة 1916 انتهت بهزيمته وفراره إلى جبل مرة واحتلال الفاشر وخلع علي بن دينار.
وأرسل السلطان حسين كامل إلى حاكم السودان العام يهنئه ويهنئ الجيش المصري بهذا النصر الباهر.
وقد أدركت علي بن دينار قوة من الجيش المصري في معقله بين جبل مرة ودارسلا على حدود دار فور غرباً في نوفمبر سنة 1916، فهزمته وقُتل في المعركة، واستسلم بقية الثوار.