أنشأوا القناطر ومدوا سكك الحديد وجددوا المساجد.. هذا ما قدمه المهندسون الأوائل لمصر
كان المهندسون المصريون إحدى النتائج المهمة للبعثات التي أرسلها محمد علي باشا إلى الخارج، بهدف نقل معارف وخبرات أوروبا إلى مصر والاستفادة بها في تنفيذ مشروعات بناء الدولة الحديثة. عبدالرحمن الرافعي استعرض في كتابه «عصر محمد علي» عدداً من هؤلاء الذين مثلّوا الرعيل الأول للمهندسين وما قدموه لمصر تلك الفترة.
مصطفى بهجت
يعد من كبار المهندسين في تاريخ مصر الحديث نظراً للأعمال التي قام بها. تلقى علومه بمدرسة قصر العيني، وكانت إعدادية للمدارس الحربية والعليا وأقام بها ثلاث سنوات، ثم التحق بمدرسة المهندسخانة بالقلعة، وسافر إلى فرنسا ضمن أعضاء البعثة الأولى، وأقام بباريس عشر سنوات أتقن خلالها العلوم الرياضية والفنون الهندسية.
ولما أتم بهجت دروسه عاد إلى مصر فعُين ناظراً لمدرسة قصر العيني سنتين، ونال رتبة بكباشي، ثم عين ناظراً لمدرسة المدفعية بطره، وعُهد إليه بوضع مشروع لتسهيل الملاحة في الشلالات، فقدم مشروعاً في هذا الصدد لم ينفذ، ونال رتبة أميرالاى.
بعد ذلك، اشترك بهجت مع المهندس الفرنسي موجيل بك في بناء القناطر الخيرية، ثم عُين مفتشاً لهندسة المنوفية والغربية، وعُهد إليه عباس باشا بوضع تصميم لتجديد الجامع الأحمدي بطنطا، فقام بمهمته خير قيام إلى أن تم بناؤه في عهد إسماعيل.
كما باشر بهجت إنشاء السكة الحديدية من بنها إلى كفر الزيات ونال رتبة لواء، وعُين مفتش هندسة الوجه القبلي مدة ثلاث سنوات ثم اعتزل العمل.
وفي عهد الخديوي إسماعيل عُين مفتشاً لهندسة الوجه القبلي ثانياً، فخطط تصميم الترعة الإبراهيمية من أسيوط إلى جسر كوم الصعايدة الفاصل بين مديريتي المنيا وبني سويف، وعُين ناظراً لديوان المدارس (وزير المعارف العمومية) من سبتمبر سنة 1870 إلى مايو سنة 1871.
ثم كلف بالإقامة بالقناطر الخيرية وموالاة مظهر باشا بالرسوم والتفاصيل التي يطلبها منه أثناء إقامة الأخير بباريس مع موجيل بك والأخصائيين من كبار المهندسين الفرنسيين لإصلاح العيوب التي ظهرت بقناطر فروع دمياط إلى أن أدركته الوفاة.
محمد بيومي
ذهب إلى فرنسا ضمن البعثة الأولى سنة 1826، وأقام بها تسع سنوات أتقن خلالها دراسة الهندسة والعلوم الرياضية في مدرسة الهندسة، ونال إجازتها (الدبلوم) ونبغ في الرياضيات.
ولما عاد من فرنسا عين مدرساً بمدرسة المهندسخانة ببولاق، وكان أستاذاً ومراجعاً لكثير من نوابغ المهندسين المصريين، أمثال سلامة باشا، ومحمود باشا الفلكي، وطائل الفندي، ودقلة افندي، وإسماعيل باشا محمد، وعامر بك حموده، وغيرهم، وصار كبير الأساتذة بمدرسة المهندسخانة في عهد نظارة المسيو لامبير بك.
ولبيومي جملة مؤلفات في الهندسة والرياضيات، منها كتاب «جر الأثقال»، وكتاب «الهندسة الوصفية» في مجلدين، كما ترجم عن الفرنسية ثلاثة كتب هي «الجبر والمقابلة»، و«ثمرة الاكتساب في علم الحساب»، و«جامعة الثمرات في حساب المثلثات».
وفي عهد عباس باشا الأول عُين بيومي مدرساً للحساب بالمدرسة الابتدائية بالخرطوم، وتوفى بها في منفاه.
محمد مظهر
من تلاميذ البعثة الأولى. أقام بباريس عشر سنوات، وتخصص لدراسة الرياضيات والهندسة، ونبغ في العلوم الهندسية والرياضيات، ولما عاد إلى مصر عُين ناظراً لمدرسة المدفعية (الطوبجية) بطره، ونال رتبة بكباشي، وتولى وظائف هندسية متنوعة.
بنى مظهر فنار الإسكندرية الكبير القائم بطرف شبه جزيرة رأس التين، وهو من أجل أعماله، واشترك مع المسيو موجيل بك في بناء القناطر الخيرية، واختص بالإشراف على إنشاء قناطر فرع رشيد، ونال رتبة أميرالاى، ونال في عهد إسماعيل باشا رتبة الباشوية.
ولما ظهر خلل في بعض عيون هذه القناطر اُرسل إلى فرنسا ليجتمع بموجيل بك الذي كان مشرفاً على بنائها وبعض الأخصائيين للنظر في أمر إصلاحها.
أحمد السبكي
كان من كبار المهندسين الذين انتفعت مصر من خدماتهم. اُلحق بأعضاء البعثة الخاصة، وأقام بباريس سنتين، ثم دخل مدرسة الفرسان الحربية، وبعد تمام تعليمه حضر إلى مصر في عهد إبراهيم باشا عُين ضابطاً من ضباط الفرسان بالألاي (الفرقة) الأول برتبة ملازم، وكان مدرساً في ذلك الألاي.
وبعد سبع سنوات خرج من خدمة الألاي واُلحق بالمهندسين الذين عُهد إليهم برسم خريطة قناة السويس برتبة يوزباشي في عهد سعيد باشا، وبعد انتهاء هذه المهمة عُهد إليه معاونة العالم الكبير محمود باشا الفلكي في رسم خريطة الوجه البحري، وبعد انتهائها أنعم عليه برتبة صاغقول أغاسي، ونال رتبة البكباشي في أوائل عهد إسماعيل، واُلحق بديوان (وزارة) الأشغال، ونال رتبة قائمقام، وندب لمهمات عديدة.
صحب محمود باشا الفلكي إلى دنقلة لرصد الكسوف الكلي للشمس سنة 1859، وسافر إلى سواكن مع إسماعيل باشا الفلكي لاكتشاف موضع يوافق إنشاء سكة الحديد من سواكن إلى شندي بالسودان، فأقام في هذه المهمة نحو أربعة أشهر في عمل الرسوم ثم اتضح عدم إمكانية تنفيذ المشروع وقتئذ لما كان في الطريق من الأودية والعقبات.
وعُهد إليه مرة أخرى برسم خريطة الوجه القبلي من أسيوط إلى القاهرة، فاستوفاها رسماً وميزانية، وأيضا في وضع تصميم ترعة تخرج من القناطر الخيرية إلى بحيرة مريوط، فوضع لها الرسوم والميزانيات.
حسن نور
تلقى التعليم الأولي في مكتب كفر مجر القريبة من سنهور بمديرية الغربية، وكان من ضمن السبعة الأوائل من الفرقة الأولى الذين اختارتهم الحكومة في بعثة الأنجال لإتقان العلوم الحربية، فدخل مدرسة المهندسخانة بباريس، واستمر بها سنتين، ثم انتقل إلى مدرسة القناطر والجسور فأقام بها أربع سنوات.
جمع نور بين العلم والعمل، فكان يقضي كل سنة ثمانية أشهر في تلقي العلوم وأربعة أشهر في مشاهدة الأعمال الهندسية في المدن والأقاليم والثغور كالقناطر والموانئ والسكك الحديدية والمصانع.
عاد نور إلى مصر سنة 1854 وتقلد المناصب الفنية، وكان من نوابغ المهندسين وله أعمال وخدمات جليلة في السكك الحديدية والمالية، منها رسم تصميم سكة الفيوم الحديدية، وإنشاء سكة حديد دسوق، وخط الصالحية.