أبو سمبل.. المعبد الذي سقط سهوًا من عجائب الدنيا السبع

أبو سمبل.. المعبد الذي سقط سهوًا من عجائب الدنيا السبع

يعد معبد أبو سمبل الكبير بأسوان أعظم معابد النوبة تأثيراً في النفس، لإعجازه المعماري وروعته الفنية ومناظره التاريخية والدينية المهمة، ولتناسقه مع البيئة المحيطة به.

وبحسب الدكتور زاهي حواس في كتابه «أبو سمبل. معابد الشمس المشرقة»، نُحت هذا المعبد بارتفاع 33 متراً، وبعرض 38 متراً، وبعمق 62 متراً في الصخر، وعُثر ضمن نقوشه على نقش يؤرخ بالسنة الخامسة والثلاثين من حكم الملك رمسيس الثاني أي حوالي 1227 ق.م، ما يعني أن المعبد كان حينذاك قد شُيد، ما يشير إلى أن عمره يزيد عن 3200 عام، ومع ذلك فلا يزال شامخاً بين رُبي الصحراء مهيباً مبهراً في أي وقت من أوقات النهار.

ولإدراك عظمة ذلك المعبد يكفي أن كنيسة نوتردام في باريس أو كنيسة القديس بطرس في الفاتيكان نُحتت في كتلة واحدة من الصخر كما حدث في أمر هذا المعبد.

عبادة الشمس في أبو سمبل

وقد أقام رمسيس هذا المعبد لعبادة إله الشمس رع حور آختي، إضافة إلى عبادته هو نفسه كإله، ومن ثم فقد وجّه محوره خاصة قِبل أشعة الشمس المشرقة عند الشفق حين تبدو رُبى الشاطئ الشرقي للنيل محمرة اللون.

ولا تلبث أشعة الشمس أن تنعكس على صفوف من القردة أعلى الواجهة، ترفع أيديها مهللة ومتعبدة، بينما تنطلق الطيور مغردة لانتصار الحياة والحركة على الموت  والسكون.

ثم تقع أشعة الشمس على التمثايل العملاقة وكأنها تمنحها القوة والصمود، وأخيراً تتوغل لشمس في صالة الأعمدة الكبرى فتغمر الأعمدة الأوزيرية بضوئها الذهبي.

تعامد الشمس

وهذا المعبد هو الوحيد من نوعه الذي تتوغل أشعة لشمس في أعماقه 60 متراً لتصل في النهاية إلى قدس الأقداس يومين من كل عام، فتضيء ثلاثة من التماثيل الأربعة المنحوتة بداخله، وهي تماثيل رع حور آختي معبود هليوبوليس، وآمون معبود طيبة، وتمثال الملك رمسيس الثاني الذي يتساوى مع هذه الآلهة.

أما التمثال الرابع فهو لبتاح معبود منف ورب العالم السفلي وراعي الفنانين فيقع في أقصى اليسار ولا تصله الأشعة الضوئية، لأنه يجب أن يبقى في ظلام إلى الأبد مثله في ذلك مثل حالة العالم السفلي.

وتستمر ظاهرة تعامد الشمس الفريدة حولي 20 دقيقة، ويأتي كل عام آلاف من زوار المعبد من كل أنحاء العالم لمشاهدة وجه رمسيس الثاني مشرقاً بأشعة الشمس.

وهذه الظاهرة ليس لها أية صلة بميلاد وتتويج الملك رمسيس الثاني كما هو معروف خطأ، وإنما هي ظاهرة فلكية استطاع مصمم هذا المعبد أن يبرزها، ليؤكد صلة هذا المعبد بالشمس باعتباره معبد الشمس المشرقة المتصل بالإله رع حور آختي.

واجهة المعبد

ولعل أروع أجزاء هذا المعبد هو واجهته التي تعد من أروع ما نفذ المهندس المصري القديم، لنجاحه في خلق نوع من التناسق الابداعي والإنسجام الفني بين أجزائها وعناصرها والتوافق المعماري بين الأثر والبيئة الصحراوية المحيطة به.

ويبدو أن معظم واجهة ذلك المعبد بما تحمله من آيات فنية دُفن بعد ذلك في رمال الصحراء النوبية، ما يبرر عدم ذكره ضمن عجائب الدنيا السبع التي وصفها الإغريق بعد كتابة هذه النقوش بما يتجاوز الألف عام، ومن ثم لم تتح لهم فرصة تقدير ذلك المعبد تقديراً مناسباً.

حروب الطبيعة

ورغم حرص المهندس المصري القديم الذي شيّد المعبد على سلامة وقوة احتماله، فإن الطبيعة سرعان ما بدأت معركتها مع الأثر، وهي معركة كثيراً ما تنتصر فيها الطبيعة على ما أبدعه الإنسان.

وقد قام أحد خلفاء رمسيس الثاني بترميم واسع النطاق لجزء تداعى من التمثال المطل على من الجهة الشمالية لمدخل المعبد، كذلك سقط الجزء العلوي بما فيه الرأس من أحد التمثالين المطليّن من الجهة الجنوبية على المدخل وتناثرت قطعه الضخمة على شرفة المعبد، ويبدو أن زلزالاً عنيفاً كان وراء ما حدث من تدمير لهذا التمثال.

ولا يمكننا إلى الآن تحديد الوقت الذي تصدع فيه هذا التمثال. ورغم ذلك فإن هذه التماثيل تبدو الآن كما ظلت منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة شامخة تستقبل من يستطيع الوصول إليها في عظمة ووقار سرمدي.

المصدر

  • كتاب «أبو سمبل. معابد الشمس المشرقة». الدكتور زاهي حواس.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية