رئيس التحرير أحمد متولي
 أنتوني فلو.. حارس مرمى الإلحاد الذي آمن بالله بعد الثمانين

أنتوني فلو.. حارس مرمى الإلحاد الذي آمن بالله بعد الثمانين

في التاسع من ديسمبر عام 2004، فوجئ العالم بخبر مازال صداه يتردد في الأوساط الفلسفية والعلمية والثقافية والدينية، فقد أعلن الملحد الشهير أنتوني فلو بعد أن تجاوز الثمانين من العمر، أنه قد صار يؤمن بأن «هناك إلهاً». وقد أذاعت وكالة أنباء الأسوشيتدبرس الخبر بعنون «ملحد شهير يؤمن بالإله، بدافع من الشواهد العلمية».

أصاب الخبر الملاحدة من زملاء أنتوني فلو وتلاميذه بصدمة، حتى امتلأ إعلام العالم الغربي بسخريتهم وازدرائهم لهذا التحول.

وقد طُلب من أنتوني مراراً أن يصدر كتاباً يعرض فيه رحلته من صبي متدين إلى رجل ملحد إلى شيخ في الثمانين يؤمن بوجود الإله، وأخيراً صدر عام 2007 الكتاب المنتظر بعنوان «هناك إله: كيف عدل أشرس ملحد عن الإلحاد».

من التدين إلى الإلحاد

رحلة أنتوني فلو الفكرية مرت بمراحل عدة. في البداية ورث عن والده رجل الدين المسيحي الكبير حب الحكمة وشغفه العقلي ومنهجه التحليلي الدقيق في البحث، ثم جاء دور رجال تميزوا بحرية الفكر ليؤصلوا فيه هذه المفاهيم الإلحادية، منهم ناظر مدرسته وبعض أستاذته في الجامعة. كذلك كان للجو الفكري الحر الذي يموج نادي سقراط الفلسفي بجامعة أكسفورد أثر كبير في اتجاهه للتخصص في الفلسفة.

ويخبرنا فلو في كتابه أن هذه التنشئة دفعته إلى الاهتمام بعالم الفكر، لكنها لا تفسر بالتأكيد اتجاهه إلى الإلحاد، لذلك يقول إنه لا يعرف حتى الآن لماذا رفض مفهوم الألوهية؟!.

وربما كانت «مجادلة الشروالألم» هي أكثر القضايا التي وجهته إلى الإلحاد منذ كان في الخامسة عشر، إذ لم يستطع التوفيق بين ما ينزل بالبشر من شرور وآلام وبين أن الله محب لمخلوقاته رحيم بهم.

رحلة أنتوني فلو الفكرية مرت بمراحل عدة. في البداية ورث عن والده رجل الدين المسيحي الكبير حب الحكمة وشغفه العقلي ومنهجه التحليلي الدقيق في البحث، ثم جاء دور رجال تميزوا بحرية الفكر ليؤصلوا فيه هذه المفاهيم الإلحادية، منهم ناظر مدرسته وبعض أستاذته في الجامعة. كذلك كان للجو الفكري الحر الذي يموج نادي سقراط الفلسفي بجامعة أكسفورد أثر كبير في اتجاهه للتخصص في الفلسفة.

وفي سن السابعة والعشرين، نشر أنتوني فلو بحثه «زيف علم اللاهوت» الذي عرض فيه حججه الإلحادية، وفي الوقت نفسه دعى إلى الحوار المستمر بين الفلاسفة والمؤمنين. وفي كتبه التالية دعى إلى اتباع المنهج العلمي في تفنيد مفاهيم الدين والألوهية، كما طالب المتدينين بتقديم الأدلة على وجود الإله بعد أن كانت المسئولية تقع على الملاحدة في نفي الألوهية.

أصبح فلو حارس مرمى الإلحاد في الغرب، فكان يُدعى كثيراً لإلقاء محاضرات وإجراء الحوارات التلفزيونية، وكان آلاف المشاهدين يحضرون مناظراته مع المؤمنين، والتي كانت تُنقل عبر وسائل الإعلام.

فتش عن العلم

ويخبرنا فلو عدم وجود خط فاصل واضح في رحلته الفكرية من الإلحاد إلى تبنيه الإيمان بوجود الإله، ويصرح أن هذا التحول تقف وراءه القفزات العلمية الهائلة التي حدثت في النصف الثاني من القرن العشرين.

فقد أكدت هذه الاكتشافات أن الكون والحياة، بما فيهما من تعقيد مذهل، لا يمكن إرجاعهما إلى الصدفة والعشوائية، ولا بد أن يكون وراءهما إله حكيم قادر، وأن كل ما في الوجود من قوانين ثابتة متناغمة  وراءها يمكن تسميته بـ«فكر الإله».

ويرى فلو أن العلم الحديث يُجلي أبعاداً عديدة تشير إلى الإله الخالق، منها أن الكون له بداية وخرج من العدم، وقد فشلت جهود العلماء والفلاسفة الماديين في الوصول إلى نظرية مقبولة تفسر البداية في العد المطلق بمعزل عن الإله الخالق.

وذكر أن الطبيعة تسير وفق قوانين ثابتة مترابطة، ويتطلب ذلك الإقرار بواضع لهذه القوانين، والأكثر دلالة على الإله الخالق هو أن هذه القوانين تشمل الموجودات كلها، وأنها مترابطة مع بعضها البعض، وأنه يمكن التعبير عنها بصياغات رياضية دقيقة لا تشغل أكثر من صفحة واحدة.

وبحسب فلو، يهيئ الكون بما فيه من موجودات وقوانين الظروف المثلى لظهور ومعيشة الإنسان، وهو ما يعرف بالمبدأ البشري، وكلما زادت معارفنا عن دقائق بنية الكون، كلما تأكدت ملاءمتها لاحتياجات الإنسان، ما يشير إلى أن هذا الكون قد أُعد لاستقبالنا.

وفي نفس الوقت فإن ما وضعه العلماء والفلاسفة الماديون من تفسيرات لهذا التناغم كفرضية "الأكوان المتعددة" مثير للسخرية، ويجعل القول بالإله المُصمم لهذا الكون أكثر قبولاً من الناحية العلمية.

الأكثر من ذلك، إن قدرات العقل الإنساني على التفكير المنطقي في الأمور المادية وفي المفاهيم المجردة، وإدراك ما يحيطنا وما بداخلنا، وإدراك الإنسان لذاته، لا يمكن أن تكون صادرة تلقائياً عن المخ البشري المادي، إذ لا تستطيع اللغة الكهروكيمائية للمخ والتي لا تختلف عن نشاط باقي الخلايا الحية، أن تقوم بكل هذه المهام وإنتاج كل ما تملكه الحضارة الإنسانية من إبداعات، ومن ثم أصبح لا مفر من اللجوء إلى عالم ما وراء الطبيعة لتفسير قدرات العقل الخارقة.

البراهين الفلسفية

ويخبرنا فلو أيضاً «ليست معطيات العلم فقط هي التي دفعتني لتغيير قناعاتي، ولكني أيضاً أعدت النظر في البراهين الفلسفية التقليدية التي قادتني من قبل إلى الإلحاد، ثم طبقت نفس القاعدة السقراطية المنهجية التي اتبعتها طوال حياتي الفلسفية الملحدة: وهي (أن نتبع البرهان إلى حيث يقودنا)، فقادني البرهان هذه المرة إلى الإيمان».

ويقول أنتوني فلو في كتابه، أنه وإن كان قد صار مؤمناً بالإله الخالق للكون، فإن هناك مفهومين يتبناهما منذ إلحاده، ولم يغير فيهما رأيه.. الأول رفضه لفكرة تجسيد الإله في هيئة بشرية (المسيح) كما يعتقد المسيحيون، والثاني، عدم توصله إلى أدلة عقلية وعلمية على التواصل بين الإله والبشر عن طريق الوحي.

ومن ثم يؤمن فلو بالإله الخالق ولا يؤمن بالأديان السماوية، وبالتالي يمكن اعتباره من أنصاره الديانة الطبيعية (الربوبيون) وإن كان قد مات عام 2010 وهو يبحث عن الأدلة على تواصل الإله مع مخلوقه الإنسان.

المصدر

  • كتاب «خرافة الإلحاد». الدكتور عمرو شريف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية