ابن الراوندي.. يهوديا فمُسلما ثم الملحد الأكبر في تاريخ الإسلام

ابن الراوندي.. يهوديا فمُسلما ثم الملحد الأكبر في تاريخ الإسلام

يحفل التاريخ الإسلامي بكثير من الشخصيات الملحدة الذين طرحوا أفكارهم ورؤاهم في عصور تميزت بالسماحة وحرية التعبير. أحد هؤلاء هو ابن الراوندي (827 – 911) الذي استعرض الدكتور عمرو شريف الضوء حول أهم محطات حياته وأفكاره في كتابه «خرافة الإلحاد».

ابن الراوندي هو أبو الحسين أحمد بن يحيى بن إسحاق، وسمى بالراوندي نسبة إلى قرية رواند الفارسية التي تقع بين إصفهان وكاشان. ويعد هذا الرجل من أعجب الشخصيات في التاريخ العربي الإسلامي، بل في التاريخ الإنساني كله، فقد عاش الرجل حياة غريبة، تنقل فيها بين الديانات والمذاهب على نحو عجيب.

ابن الراوندي.. من اليهودية إلى الإسلام

كان ابن الراوندي في أول الأمر يهودياً، وسرعان ما أعلن إسلامه ليدخل في نطاق عزة الإسلام، ويستظل بظل الدولة العباسية التي كانت آنذاك في أوج مجدها.

ووجد ابن الرواندي أن فرقة المعتزلة هي أكثر الفرق الإسلامية اقتراباً من الخلفاء العباسيين، فصار معتزلياً، وألف مجموعة من الكتب على هذا المذهب. لكن المعتزلة لم يفسحوا له مكاناً لائقاً بينهم، ولم يعطوه ما كان يطمح إليه، فانقلب عليهم وهاجمهم في كتاب مشهور له عنوانه «فضيحة المعتزلة» نقض فيه كتاب الجاحظ «فضيلة المعتزلة».

وقام المعتزلة بالهجوم على ابن الرواندي وأوغروا صدر الخليفة ضده، فهرب والتجأ لأعداء الدولة من الشيعة الباطنية، وألف لهم كتاباً ضد مذهب أهل السنة نظير مبلغ 33 ديناراً وكان عنوان الكتاب «في الإمامة».

وبعد فترة شعر ابن الراوندي أن الشيعة لن يحموه من السنة، وأنه من الممكن أن يتقرب للسنة مرة أخرى، فكتب كتابه «في التوحيد».

ثم اكتشف ابن الراوندي أنه لم يحقق مأربه عند أهل السنة فخاصمهم، وانقلب عليه الشيعة أيضاً، فخرج عن نطاق الإسلام بما فيه سنة وشيعة، ولجأ إلى اليهود.

كتاب الفرند لابن الراوندي

ومرة أخرى يستخدم ابن الراوندي فكره وقلمه لتحقيق أغراضه الدنيوية التافهة، فيؤلف لليهود كتاب «البصيرة» ينتصر فيه لليهودية ويرد على الإسلام، نظير مبلغ 400 درهم تقاضاها من اليهود، ثم أراد بعد فترة أن ينقض الكتاب ويرد على ما ذكره فيه من آراء ضد المسلمين والإسلام، فأعطاه اليهود 100 درهم أخرى، فعدل عن الرد على الكتاب.

وفي نهاية الأمر، يقف ابن الراوندي ضد كل الديانات وجميع الأنبياء، فيضع كتاب «الفِرِند» (بمعنى لا مثيل له) ليطعن فيه على كل الأنبياء والنبوة، ثم يضع كتابه المشهور «الزمردة» ويطعن فيه الرسالات السماوية كلها، ويشكك في الألوهية ذاتها.

هكذا عاش ابن الراوندي حياته متنقلاً بين المذاهب والديانات، وقضى أيامه الدرامية البائسة سعياً وراء المجد الدنيوي، وهو المجد الذي ما ناله ابن الراوندي قط، وإنما نال لقب «الملحد الأكبر في تاريخ الإسلام».

إنكار الرسل والألوهية

أما أفكار ابن الراوندي الإلحادية فتمثل نموذجاً لما كان عليه الزنادقة الملحدين، ومنها أن القرآن الكريم ليس نصاً فريداً، ويمكن كتابة ما هو أفضل منه، وأن سبب عدم اهتمام العرب بمحاكاة القرآن يرجع انشغالهم بالقتال والفتن.

ومن أفكاره أيضا، أنه ليس هناك مبرر لإرسال الرسل، فما يأتي به الرسول إما يكون معقولاً أو لا يكون معقولاً، فإن كان معقولاً فالعقل قادر على إدراكه دون الحاجة إلى رسول، وإن كان غير معقول فلا يكون مقبولاً.

ورأى ابن الراوندي أن الله ليس بحاجة لإرسال الرسل، فالله قادر على أن يرتقي بالإنسان بحيث يتوصل بعقله إلى رشده وصلاحه. كما أشار إلى أن تصورات الإنسان عن الخالق تحيط به الأوهام والأساطير، لأن فكر الإنسان يعجز عن إدراك الخالق أو معرفة أوصافه.

وزعم ابن الراوندي أن الحج ومناسكه طقوس هندوسية وعادات وثنية كانت تُمارس في الجاهلية، ولا يختلف الطواف حول الكعبة عن الطواف بغيره من البيوت.

وذكر ابن الراوندي أيضاً أن الملائكة الذين أنزلهم الله يوم معركة بدر «مغلولي الشوكة وقليلي البطش» إذ لم يقتلوا سوى سبعين رجلاً. وتساءل.. ولِمَ لم يُنزل الله ملائكته يوم أحد؟.

ولم يتوقف ابن الراوندي عند ذلك، فذكر أن غزوات الرسول كانت عبارة عن عمليات نهب وسلب.

وتهكم أيضاً على وصف الجنة في القرآن الكريم قائلاً: إن فيها حليب لا يشتهيه إلا جائع، وفيها زنجبيل ليس من لذيذ الأشربة، وفيها إستبرق وهو الغليظ من الديباج.

الرد على ابن الراوندي

وحتى لا يكون الأمر مجرد سرد لأفكار ابن الراوندي، رد الدكتور عمرو شريف في كتابه على هذه الأفكار، فبالنسبة لما ذُكر عن القرآن ذكر المؤلف أن جوانب إعجاز القرآن متعددة، وقد تحدى الله الكافرين أن يأتوا بعشر سور مثله، بل سورة واحدة، بل آية، وما زال التحدي قائماً، ورغم أن الراوندي أشار إلى أن القرآن ليس متفرداً، فهو لم ينزل إلى ساحة التحدي.

وعن الرسل، ذكر المؤلف أن العقل لا يستطيع أن يصل إلى حقائق الوجود دون معونة من الرسالات السماوية، وقد أقر بذلك العديد من الفلاسفة حتى الملحدين منهم.

وحول ما ذكره ابن الراوندي عن الحج قال المؤلف، إن كل الديانات التي يعتنقها البشر تشتمل على طقوس متشابهة، منها الحج، فمصدر الديانات جميعاً هو الإله الخالق. ويعلم ابن الراوندي أن العرب كانوا يمارسون طقوس الحج نقلاً عن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام قبل البعثة المحمدية.

وبالنسبة للغزوات، أشار شريف إلى أن الدارس لغزاوت الرسول يعرف أنها كانت إما دفعاً لعدوان، أو تأميناً للديانة الجديدة، وما كان يؤخذ من غنائم إما كان استرداداً لأموال المهاجرين التي اُغتصبت منهم، أو تمشياً مع أعراف العرب في القتال.

وذكر المؤلف أن الدرس المقصود من نزول الملائكة في معركة بدر كان تعليم البشرية أن الله يُعين من يصدق التوكل عليه واللجوء إليه. أما الدرس المقصود من غزوة أحد فكان أهمية الأخذ بأسباب النصر المادية وأهمها طاعة القائد، وهذا ما تجاهله ابن الراوندي. كذلك لم يشأ الله أن تُفني ملائكته مشركي بدر لعلمه أن معظم من نجا سيدخل الإسلام، وقد كان.

وعن ما أثاره ابن الراوندي حول الجنة، ذكر شريف أن كل مهتم بعلوم القرآن أو أوصاف الجنة يدرك أنها جاءت تشبيهاً بما هو معروف عند العرب ومحبب لديهم حتى يستطيعوا إدراكه، أما الحقيقة ففوق ذلك بكثير ومخالفة له تماماً، ففي الجنة ما عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

المصدر

  • كتاب «خرافة الإلحاد». الدكتور عمرو شريف.

محمد أحمد

محمد أحمد

صحفي يكتب في التراث والثقافة الشعبية