بحث ومعلومات عن الملكة حتشبسوت
الملكة حتشبسوت، زانت وجهها بلحية مستعارة وحققت مجد البلاد بالفن
في وجه حتشبسوت امتزجت الرقة الآسرة بنوع من الصرامة الخشنة، والتي تبدو كقناع غير مُقنع، لكن ذلك لم يكن يكفي لصاحبة هذا الوجه لأن تعيش مجداً ملكياً لم تعرفه سواها في مصر القديمة، إذ تطلب الأمر عوامل أخرى. إليكم معلومات تاريخية عن الملكة حتشبسوت.
حتشبسوت من الوصاية للحكم
في تصديره لكتاب «حتشبسوت.. المرأة الفرعون»، والذي ألّفته بالفرنسية فوزية أسعد، وترجمة للعربية ماهر جيوجاتي، روى بهاء طاهر، أن حتشبسوت كانت وصية على تحتمس الثالث الطفل (الذي سيصبح أمجد الفراعنة فيما بعد)، إذ كانت عمته وزوجة أبيه في وقت واحد، وسليلة لملكات وملوك من أولى العزم وقوة الشكيمة.
ويكفي أن جدها الكبير هو أحمس البطل طارد الهكسوس والغزاة من مصر، أما تحتمس الثالث، فلم تلده زوجة شرعية، بل كان ابناً لإحدى محظيات أخيها وزوجها تحتمس الثاني.
وكانت حتشبسوت على ثقة مستحقة في نفسها، وترى أنها أجدر من تحتمس الثالث بمنصب الفرعون الذي لم يتعاقب عليه في مصر قبلها سوى الرجال.
وهكذا بعد فترة قليلة من الوصاية على العرش انفردت بالحكم وأسمت نفسها ملكة أو ملكاً، واستعملت في الإشارة إلى نفسها ضمائر التأنيث والتذكير بالتبادل.
شعارها رأس نفرتيتي.. قصة إنشاء جامعة المنيا
حتشبسوت وتقاليد مصر
ولاشك أن حتشبسوت عندما قررت أن تزيح أخاها غير الشقيق من الحكم، كانت تسترجع في ذهنها أدوار وتواريخ جداتها من الملكات العظيمات في الأسرة الثامنة عشرة، اللاتي كن يحكمن على قدم المساواة مع أزواجهن أو أبنائهن، وقد أملت ذلك ضرورة عملية هي الحاجة إلى سلطة حاكمة قوية في العاصمة حين يغيب الملوك معظم الوقت خارج سدة الحكم في حروب التحرير.
غير أنهن وإن كن الحاكمات الفعليات فلم تنفرد أي منهن بالحكم بعد موت الزوج أو الابن الحاكم الشرعي، تأبى ذلك تقاليد المملكة المصرية التي لم يتعاقب على حكمها سوى الملوك عبر أسراتها المتعاقبة.
وكان حتشبسوت عندما أقدت على مغامرتها تدرك تلك الحقيقة بالطبع، رغم اقتناعها بأن العدل يقضي بأنها الأحق بالحكم من أخيها الملك الطفل، ومن هنا فقد كان من الضروري لتجاوز سطوة التقاليد أن تقنع حتشبسوت بني وطنها بأنها أكبر من امرأة ومن رجل على حد سواء ، فهي إلهة، أو على الأقل نصف إلهة.
صحيح أن كل ملوك الفراعنة يتألهون بشكل ما، ولكن ذلك يتم عن طريق تقمص معقد بأشخاص لآلهة أو بأرواحهم، ولم يكن هذا كافياً لحتشبسوت التي يجري الدم الملكي في عروفها منحدراً من سلالة طويلة من الملوك والملكات، فأضافت إل هذا الدم – إن جاز التعبير – عصارة الآلهة.
ومن هنا فقد ألّفت – أو لعلها اقتنعت – أن آباها لم يكن هو تحتمس الأول العظيم، بل هو آمون – رع الأعظم ذاته، إذ تجلى كبير الآلهة لأمها في قصة أسطورية شاعرية – جميلة وطويلة – كي ينجب منها ابنته التي نذرها لتكون حاكمة أو حاكم القطرين باسمه الإلهي شخصياً.
حتشبسوت ولحيتها المستعارة
ورغم أن حتشبسوت كانت أنثى بالغة الرشاقة والجمال، وتعتز بأنوثتها بالإشارة إلى هذا الجمال في النقوش التي تروي سيرتها، لكنها زانت وجهها بلحية مستعارة لدواعي الملك، وأمسكت في يدها – لدواعي الملك أيضاً – بأسلحة الحرب، تلك الأسلحة التي لم تستعملها أبداً شأن اللحية التي لم تنبت أبداً، كما تباهت في نقوشها بحملة هزمت فيها الهكسوس أنفسهم أولئك الذين أخرجهم جدها من مصر قبل عشرات السنين.
الملكة حتشبسوت والفن
ولكن حتشبسوت أثبت بدون اللحية والسلاح أنها «فرعون» عظيم بالفعل، صنعت لمصر مجداً ورخاءً أساء استثماره كثير ممن خلفها من فراعين الرجال.
وكان قوام سياستها هو الفن، والذي بلغ ذروته في معبد الدير البحري والذي يعد بحق «رائعة الروائع»، وخلّفته أيضاً في نماذج لا حصر لها في طيبة وفي أرجاء الوجهين وفي سيناء أيضاً.
وكان الفن مرتبطاً عندها بالعقيدة وبضمان الرخاء للبلد، فالآلهة تحيا حين تتجلى صورها وتماثيلها، وحين تنتصب معابدها شامخة في كل مكان، وكان ذلك وحده في عقيدة حتشبسوت والمصريين القدامى هو الضمان لاستمرار دورة الحياة، أي لتجدد الفيضان والتغلب على البوار.
وكسبت حتشبسوت شرعيتها بإعلاء مجد هذه الآلهة وربط اسمها باسمائهم في أجمل المعابد التي شيدتها، فرفعت مسلاتها بالغة الرشاقة ورائعة الزينة لتستقبل أشعة آمون رع على قممها المكسوة بالذهب، وتعكس نورها في الآفاق، كما أرسلت حملتها الخارجية الوحيدة لتكون رحلة سلام إلى بلاد «بونت» في الجنوب كيما تجلب للآلهة أشجار البخور والعطور حتى ترضى عن عابدتها الوفية.
والغريب حقاً أن هذه السياسة نجحت لأكثر من عشرين عاماً. لم تنجح حتشبسوت في الاحتفاظ بالعرش فحسب، بل نجحت في حكم البلاد بكفاءة نادرة، إذ تحقق في خلال عقدين من حكمها أمن ورخاء لم تعرفهما مصر منذ زمن طويل، أضف إلى ذلك زرع الجمال والأفراح في مواكب وأعياد لا تنتهي، فالفرح هو وصية الآلهة للبشر.