رئيس التحرير أحمد متولي
 الأزبكية.. حين تناديك الكتب بعشق

الأزبكية.. حين تناديك الكتب بعشق

تسير في أروقة محطة المترو ردئية التهوية، الهواء الراكد يُثقل رئتيك، الرطوبة تملأ أنفك، يتراءى لك المخرج، إنّه المُتنفس، تخرج لتأخذ نفسًا عميقًا مُعبّقًا بأكثر الروائح المُحببة لك.. رائحة الكُتب، أهلًا بك في سور الأزبكية.

الكثير من المكتبات الخشبية بهيّة التصاميم، تُحيط الكُتب بك من كل جانب، تحتضنك، يغمرك إحساس النشوة، جميع تلك الكتب ملك يديك، لك منها ما أردت، فاتحة ذراعيها لك كي تأخذها وتمتص منها ما بداخلها من معلومات، أفكار وتجارب من عاشوا قبلك ونقلوها لك في سطور، كأنها تقول لك «هيا، لنعش يومًا جديدًا في حياة الآخرين».

قد يبدو سور الأزبكية اليوم عشوائيًا قليلًا، وإن ظل من أكثر البقاع المُحببة لقلوب القراء، إلّا أنه قديمًا لم يكن يُشبه ما هو عليه اليوم من قريبٍ أو بعيد.

بركة مياه

قديمًا، كانت الأزبكية عبارة عن بركة مياه، ليس الشكل الذي تصورته الآن، كانت بركة مياه نظيفة، حتى أنها كانت مَقصِدًا للمُتنزهين الهاربين من حرارة الصيف، خاصة مع قربها من قصور المماليك، مثل قصر الألفي بك، الذي قيل أن نابوليون بونابرت قد سَكِنه حين أتى إلى مصر.

2b12ee152f

 

حديقة الأزبكية

في القرن التاسع عشر، حين تولى الخديوي إسماعيل الحكم، قرر ردم بركة الأزبكية؛ تمهيدًا لبناء «القاهرة الخديوية»، وأقام مكانها حديقة اتخذت نفس الإسم، وزُرعت بها فصائل نادرة من الأشجار من حول العالم، وأقيم حولها عددًا من المسارح؛ لاستقبال الفنانين والمطربين.

Capture

أمّا عن تحوّلها لقِبلة مُحبي الكتب، بائعين ومُشترين، فقد كانت في القرن الماضي، حين كان تُجار الكتب، خاصة بعد انتشار الطباعة في مصر، يشترون الكتب من "درب الجماميز" أو كُبرى المكتبات حينها، مثل مكتبة الحلبي، ثم يبدأون في التجوّل بين المقاهي لتسويق سِلَعهم على «الأفنديّة».

حين تشتد الحرارة، يلجأ هؤلاء التجار للاحتماء بسور  الأزبكية الحديدي، ليستظلوا بما وراءه من أشجار، ومع مرور الوقت، اعتاد المارّة على شراء الكتب منهم في موضعهم هذا، فبدأوا بتقنيين أوضاعهم وتخصيص مساحة لكل منهم.

حديقة-الازبكية-١٨٧٠-الي-١٨٧٥

من بركة مياه إلى بحر كُتب

مع الوقت، خاف المسؤولون على المظهر الحضاري لتلك المنطقة الساحرة، وصَدُر قرار ببناء مكتبات من الخشب لكل بائع ليعرض بضاعته بداخلها، زادت أعدادها مع الوقت حتى تكاد تصل إلى أكثر من 130 مكتبة.

أصبح سور الأزبكية نِدًا حقيقيًا يُضاهي «دار الكتب ودار المحفوظات»، أيًّا كان ما تبحث عنه، كُتب قديمة توقفت طباعتها، كتب ودوريات علميّة متخصصة، روايات عالمية ومصرية وعربية لكبار الكتاب وحتى أصغرهم، كُتب تراثية وتفاسير للقرآن الكريم بقلم أشهر العلماء، صحف ومجلات مصرية وعالمية تعود تواريخها لقرنٍ مضى، حتى وإن كنت تبحث عن أعداد مجلة "ميكي"، بالتأكيد ستجدها في مكانٍ ما بمكتبةٍ ما بسور الأزبكية.

أسعار مناسبة

ما يجعل سور الأزبكية هامًا ومزدحمًا طوال اليوم حتى الآن، هو أسعاره، في بداية الدراسة تجد جميع الكتب الدراسية متوفرة بأرخص الأسعار، علاوة على الأدوات المكتبية، كما تزخر جميع المكتبات طوال العام بأحدث الكتب والروايات بأسعار مناسبة جدًا، وتتراوح أسعار معظم الكتب بين 15-20 جنيهًا. وإن كنت تملك موهبة الفِصال، فستخرج بثروة من الكتب مقابل مبلغًا زهيدًا من المال.

filemanager

أبسط طريقة لتصل إلى سور الأزبكية هي المترو، بمجرد وصولك لمحطة "العتبة"، فقط اسأل أي شخص حولك عن مَطلع سور الأزبكية سيدلك على- السلم- بمجرد طلوعه ستجد الكتب في استقبالك مُرحبة.

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة