في ذكرى رحيلها.. «رضوى عاشور»  لم تَغب يوما

في ذكرى رحيلها.. «رضوى عاشور» لم تَغب يوما

«العمر حين يطول يقصر، والجسد حين يكبر يشيخ، والثمرة تستوي ناضجة ثم تفسد، وحين يقدم النسيج يهترئ».. برغم أنّها قائلتها في روايتها الملحمية «ثلاثية غرناطة»، إلّا أنّ هذه المقولة لم تنطبق أبدًا على صاحبتها رضوى عاشور، فهي يوم بدأت حياتها الأدبية، وحتى وفاتها في مِثل هذا اليوم عام 2014، لم يَضعُف وهجها يومًا، وحتى بعد رحيلها، تظلّ هي كما كانت دومًا، «أثقل من رضوى» رسوخًا في تاريخ الأدب العربي.

«الجاهل بالمكان أعمى، لا أقصد بالمكان خريطة الشارع ولا أين يبدأ وأين ينتهي، بل المكان الذي يخصنا وتسكن فيه حكايتنا وذاكرة حواسنا الخمس»، قالتها في روايتها «فرج» ولم تكن يومًا مجرد مقولة. اتخذت «رضوى» على عاتقها مهمة يتهرّب منها كُتّاب كُثر، أن تُزيل الجهل بقلمها، أن تُعرّف أجيالًا تاريخ بلادهم وحضارتهم، أن تنقل لمنّ تعودوا الآمان، كيف عاش من هُجّروا يومًا، حتى أصبحت روايتي «ثلاثية غرناطة» و«الطنطورية» أشهر رواياتها.

يُقال أحيانًا أن قراءة الروايات إهدارًا للوقت، وما يستحق أن يُطلق عليه لفظ «قراءة» فعلًا هو قراءة الكُتب، ربما كانت «رضوى» برواياتها من أوائل من أثبتوا أن هذا قولًا باطلًا وتجنيًّا ظالمًا لهذا اللون الأدبي. يكفي أن روايتها «ثلاثية غرناطة» دفعت شبابًا ومراهقين للبحث عن تاريخ الأندلس، وخاصة في مراحل الانهيار، التي عادةً ما تُهمّش تاريخيًا على عكس مراحل الازدهار، أن تجعل شابًا في الألفيّة الثالثة يشعر كيف عانى العرب والمسلمون قبل 500 عام، في مرحلة تاريخية حَرجة، أمرًا استثنائيًا بلا شك.

985

لم يكن الاستثناء فقط في نجاح رضوى أدبيًا، عادة يُصاحب النجاح العملي للمرأة العربية فشلًا موجعًا في حياتها الشخصية، إلّا هي، منذ وقعت عيناها على زوجها مُريد البرغوثي لأوّل مرة أثناء دراستهما بجامعة القاهرة، وحتى لحظة فراقها الحياة، ظلّت حكاية رضوى ومريد دليلًا دامغًا أن كِلاهما خُلق للآخر، داعمًا له، حتى قال عنها: «أنتِ جَسورةٌ كَطَيّارٍ يتدرّب.. وأنا فخورٌ كجدّته». وكم ظهر الفقد جليًّا على رفيق دربها لـ45 عامًل يوم رحلت.

image4

لرضوى عاشور العديد من المؤلفات، ورغم أن ثلاثية غرناطة والطنطورية أشهرهم، إلّا أن لها مؤلفات تستحق أن تُقرأ، مثل سيرتها الذاتية أثقل من رضوى، حَجَر دافئ، خديجة وسوسن، أطياف، قطعة من أوروبا، وفرج، بجانب مجموعة من القصص القصيرة.

«حتى الرحيل الآن ليس خطأ، الثمار أسخى وأوفى مما تصورت»، قالتها في سيرتها الذاتية، وهذه المرة انطبق عليها الوصف حقًا، رغم رحيلها منذ عامٍ مضى، مازالت رواياتها تُباع كأحدث الروايات طرحًا في الأسواق، ورغم رحيلها، مازال زوجها يتغنّى بحبها، ومازال ابنها تميم البرغوثي دافئًا بحنانها، ورغم وفاتها «لا وَحشة بقبر رضوى».

 

شيماء عبدالعال

شيماء عبدالعال

صحفية مصرية مهتمة بالكتابة في ملف الأدب والثقافة