عبدالله الشافعي يكتب: في لحظات القرب
كثير من الشباب يحلمون ببناء البيت الذي يجمعهم بنصفهم الآخر، وينتظرون استقرارهم العاطفي والأُسري رغم كل ما يشوب هذا الحلم من المشاكل، لكنها خطوة ضرورية وحتمية بحكم الطبيعة والواقع الاجتماعي.
يبدأ بناء عش الزوجية من ذلك الانجذاب الذي يحدث من النظرة الأولى -التي قد يحسبها عدد ليس بالقليل من حكاوي القصص الخيالية- وذلك الانسجام الذي يعيشه من وجد روحه ساكنة في جسد الطرف الآخر، الذي وجد فيه ضالة قلبه الحيران.
ظروف كثيرة قد تعيق المُحب من الإقبال على أولى خطوات بناء بيته الذي يحلم به –الخطوبة- وقد تعود إليه تلك الظروف التي تعيقه كعدم قدرته المادية، أو خوفه من الرفض. وهذه الأخيرة تمثل هاجسا يُرعب قلوب المُحبين.
أحد الأصدقاء روى أنه أحب فتاة كانت معه بالدراسة لمدة 8 سنوات أو يزيد دون علمها، حتى اكتوى قلبه، دون أن يبدي أي تلميح لتلك التي أحبها، بدعوى عدم قدرته المادية أو جاهزيته للإقبال على خطوة رسمية، فهو بحسب قوله «خايف أعلقها وفي الآخر مقدرش اتقدملها واتجوزها وبكده أكون ظلمتها»، وحتى بعد استطاعته وجد الخوف من رفضها كابوسا ثقيلا على قلبه المحترق.
اكتفى صاحب القلب هذا بنظرة من بعيد -عن طريق الصدفة المحضة- كل عام أو عامين، ليروى عطش حبه، خاف من الرفض واستسلم للأمر الواقع، واضطر أن يدفن قلبه مع لحظات الصدفة التي رآى فيها من ملكت قلبه.
يمثل الرفض –من الجانبين بشكل عام- صاعقة تعذب القلوب وتجرحها وتترك أثرا لا يلتئم، كما يمثل عاهة مستديمة في القلوب تجعلها غير مؤهلة لأي تجارب أخرى، ما يجعل كثير من الشباب يفضل عدم البوح بما تُكِنّه المشاعر.
يسعد المحبّين بلحظات القرب التي قد تكون دقائق في إحدى المواصلات، أو ساعات في قاعات المحاضرات، أو أيام في عملهم بإحدي المؤسسات، ليوقظهم الكابوس من لحظات سعادتهم.
يوقظهم الكابوس فتعود أرواحهم التي سافرت مع لحظات القرب إلى أزمنة غير الأزمنة وأمكنة غير تلك الأمكنة، فيتذكرون القيود والسدود، فيعودون لكيِّ جراح قلوبهم -التي شارفت على الشفاء- بأنفسهم ويفضلون العيش بكابوسهم على أن يتم رفضهم.
هؤلاء الذين يحبون سرا ولا يستطيعون الإعلان عن حبهم لسبب ما، تفضحهم نظراتهم التي تراقب حركات وسكنات الطرف الآخر، أو التوتر الذي يسيطر عليهم إذا حدث أي موقف في وجودهم، أو لهفتهم لمعرفة الهوايات، ويقتلهم اكتشاف الطرف الآخر لهذا الحب فيصرون على التمادي في «الاستهبال».