هل يستحب صيام أول رجب؟.. بيان الحكم بالأدلة
تتجدد النقاشات الفقهية مع بزوغ هلال شهر رجب حول مشروعية تخصيص يومه الأول بالصيام، حيث يسعى المسلمون لتبين الخيط الأبيض من الأسود في مسألة الاستحباب الشرعي بعيدا عن العادات المتوارثة التي قد تفتقر إلى السند العلمي.
حكم صيام أول يوم رجب
تتفق كلمة جمهور الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية على أن الصيام في شهر رجب يندرج تحت مظلة «الاستحباب العام»، كونه واحداً من الأشهر الحرم التي عظمها الإسلام.
وتبدأ أدلة هذا الاستحباب من النص القرآني الذي نهى عن ظلم النفس في هذه الأشهر، وهو ما فسره العلماء بالحث على ملئها بالطاعات، وعلى رأسها الصيام.
ويشير الباحثون أن الصيام في اليوم الأول يمثل «إعلان نية» وتدشينا لموسم روحي يمتد لثلاثة أشهر، مما يجعله مستحبا من باب المسارعة في امتثال الأوامر الإلهية.
وتستند المدارس الفقهية في هذا الصدد إلى حديث «صم من الحرم واترك»، وهو وإن كان فيه مقال من الناحية الحديثية، إلا أن الفقهاء اعتمدوا عليه في باب فضائل الأعمال لتقرير مشروعية الصوم في رجب والمحرم وذي القعدة وذي الحجة.
وتوضح الآراء الفقهية أن التخصيص لليوم الأول لا يعد خروجا عن السنة ما دام الصائم لا يعتقد أن لهذا اليوم «أجرا عينيا» مخصوصا لم يذكره الشارع، بل يصومه لكونه جزءا من الزمان الفاضل.
ويبرز هنا رأي الإمام النووي الذي أكد أن أصل الصوم في رجب مندوب، بل إن بعض الشافعية ذهبوا إلى أن رجب هو أفضل الأشهر الحرم للصيام بعد شهر المحرم.
وتطرح مدرسة التحقيق، ولا سيما عند الحنابلة والمتأخرين من أهل الحديث، رؤية مغايرة تركز على سد الذريعة أمام البدع.
هل صيام أول رجب بدعة؟.. القول الفصل من العلماء
ويؤكد هؤلاء أن «إفراد رجب» بالصيام كله كان من شعائر الجاهلية، ولذلك كره عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُشبه رجب برمضان في استيعاب صيامه.
ومع ذلك، يجمع المحققون على أن هذه الكراهة تنتفي تماما إذا أفطر المسلم يوما من الشهر، مما يجعل صيام اليوم الأول جائزا بلا كراهة عند الجميع إذا لم يقترن بصيام الشهر كاملا على هيئة الوجوب.
وتكشف الدراسات المقارنة أن الخلاف في استحباب صيام أول رجب هو خلاف «تنوع لا تضاد»؛ فالمستحبون ينظرون إلى فضيلة الزمان، والمحذرون ينظرون إلى سلامة الاعتقاد من الأحاديث الموضوعة.
وتؤكد دار الإفتاء المصرية في فتاواها المتواترة أن الصيام في رجب مباح ومستحب، ولا يجوز وصفه بالبدعة ما دام لم يصاحبه اعتقاد فاسد.
وتتجلى الحكمة التربوية من هذا الصيام في كونه «رياضة إيمانية» تمهد النفس لرمضان، حيث يقل ثقل الجوع والعطش على البدن تدريجيا، مما يتيح للمؤمن التفرغ للقرآن والقيام عند دخول الشهر الكريم.
وبناءً على هذه المعطيات، يمارس قطاع عريض من المسلمين صيام هذا اليوم كنوع من «التعظيم الشعائري»، وهو مسلك أيده كبار علماء السلف والخلف ما دام في إطار التطوع.
وتخلص الآراء إلى استحباب الصيام لمن قدر عليه، مع ضرورة الوعي بأن الأجر مرتبط بعموم الصلاح لا بنصوص الأحاديث غير الصحيحة التي تزعم سقوط الذنوب بمدد محددة نتيجة صيام هذا اليوم بعينه.