حديث خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء.. ما مدى صحته؟
يثير حديث «خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء» جدلا واسعا في أروقة كليات الشريعة والمجامع الدينية، حيث يمثل هذا النص المرتكز الأساسي لكثير من العبادات المرتبطة بمطلع رجب، وهو ما يتطلب وقفة نقدية لتحديد درجته العلمية.
صحة حديث خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء
ورد نص الحديث: «خمس ليال لا تُرد فيهن الدعوة: أول ليلة من رجب، وليلة النصف من شعبان، وليلة الجمعة، وليلة الفطر، وليلة النحر».
تؤكد التحقيقات العلمية التي أجراها علماء الحديث، من أمثال الحافظ ابن حجر والنووي، أن حديث «خمس ليال لا يرد فيهن الدعاء» بلفظه المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم «لا يصح».
فضل أول ليلة في رجب.. اعرف الصح بالدليل
وأوضحوا أن العلة في ضعف هذا الحديث تعود إلى اضطراب أسانيده ووجود رواة ضعفاء جدا في طرق نقل الحديث، مثل زائدة بن أبي الرقاد وزياد النميري، اللذين وصما بالنكارة والضعف الشديد.
ومن الناحية المنهجية، لا يمكن بناء حكم شرعي قطعي أو نسبة قول للنبي بيقين بناء على هذا النص المتهافت سندا.
وتشير الدراسات أن هذا الحديث روي من طرق متعددة، لكنها جميعا لا تخلو من كذاب أو مجهول أو ضعيف، مما جعله في مرتبة «الحديث الموضوع» عند بعض المتشددين في النقد، أو «الضعيف جدا» عند الجمهور.
ومع ذلك، يبرز جانب آخر في هذه المسألة وهو «الرواية الموقوفة»؛ حيث ثبت هذا القول عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما.
ويعني هذا الفرق الجوهري يعني أن النص ليس من كلام النبي، بل من كلام صحابي جليل كان يتحرى مواطن الفضل، مما يعطيه قيمة أثرية وفقهية معتبرة بعيدا عن مرتبة النبوة.
تتجه المدارس الفقهية، وبخاصة الشافعية، إلى قبول مضمون هذا الحديث ليس لثبوته مرفوعا، بل لوروده موقوفا على الصحابة ولبلاغات الأئمة التي تعضده.
ويشرح الفقهاء أن «ضعف السند» لا يعني بالضرورة «بطلان المعنى»، فاستجابة الدعاء في هذه الليالي (الجمعة، والعيدين، وأول رجب، ونصف شعبان) تتوافق مع أصول الشرع في تعظيم الأوقات الفاضلة.
وتوضح الفتاوى المعاصرة أن العمل بمقتضى هذا الحديث في باب «فضائل الأعمال» جائز، بشرط عدم اعتقاد ثبوته عن النبي، وإنما من باب الرجاء وحسن الظن بالله.
ويخلص العلماء إلى أن المسلم الواعي يجب أن يفرق بين «الحديث الصحيح» الذي يبنى عليه الحلال والحرام، وبين «الأحاديث الضعيفة» التي تستخدم في الترغيب.
ومدى صحة حديث الخمس ليال هو «الضعف الشديد» مرفوعا و«الصحة» موقوفا، مما يجعل الدعاء في ليلة أول رجب أمرا مستحبا تاريخيا وفقها، دون إضفاء قدسية النص النبوي عليه.
وتتجلى أهمية هذا التحقيق في حماية الشريعة من الدخيل، مع الحفاظ على روحانية المواسم التي تعارف عليها سلف الأمة.