كيف أفقدتنا «طرق التعليم التقليدية» شغفنا في الحياة؟

كيف أفقدتنا «طرق التعليم التقليدية» شغفنا في الحياة؟

علماء عظام استطاعوا تغيير العالم، وصموا بالفشل والبلادة في طفولتهم، التعليم هنا في عالمنا الثالث بجموده وتقليديته، وحيرتك حين تدخل الجامعة وتجد أمامك عشرات من مجالات الدراسة كلها في عينك سواء، عمل فقدت الشغف به، وضغوط المجتمع لأنك شخص لا يدري ماذا يريد أن يفعل في حياته!

تبهرنا الطرق غير التقليدية للعالم الأول في تربية وتعليم أبنائه، نتمنى لو كان لدينا نظام تعليمي شبيه، لكان حالنا تغير تماما.ننفق على الأبناء الكثير من أجل بيئة تعليمية أفضل، مدارس لغات أو دولية باهظة الثمن، لكن في النهاية يظل المستوى ضحلا جدا. هنا حان الوقت لتعرف أن طبيبة إيطالية تدعى ماريا مونتسوري، هي التي وضعت حجر الأساس لثورة في  المناهج التروبية والتعليمية بأوروبا.

في أواخر القرن التاسع عشر وتحديدا عام 1870 ولدت ماريا منتسوري، التي عانت كثيرا من الطريقة التقليدية في الهجوم على كل ما هو مختلف وجديد، بدءا من كونها أول طبيبة في إيطاليا، وإنتهاء بإقناع مجتمعها بتطبيق نظرياتها التربوية التي لم تلف انتباههم إلا بعد ستين عاما من وضعها!

أعادت ماريا مونتسوري تشكيل فهم الناس عن الأطفال وطرق التعامل معهم سواء في المنزل أو المدرسة. كانت المفاجأة الكبرى لزملائها التربويين في ذلك العصر عندما حصل بعض طلابها من ذوي الاحتياجات الخاصة على درجات أعلى في الامتحان نفسه الذي يقدم للأطفال العاديين. ما جعلها تسجل مقولتها الخالدة أن ذلك دفعها للاعتقاد بأن مشكلة الإعاقة هي مشكلة في المناهج التربوية الخاطئة، التي لا تعرف كيف تتعامل أو تنمي مهارات ذوي الاحتياجات الخاصة. ومن هنا وسعت منتسوري نظرياتها لتضع منهجا للأطفال الطبيعيين أيضا.

الطفل يحب التعلم!

أحد المبادئ الأساسية لمنهج مونتسوري أن الطفل يولد وبداخله شغف للتعلم!  هل ترى الطفل منهمكا في لعبة ما يحاول كسرها أو تخريبها ومعرفة ما بداخلها. بنظرة تقليدية سنرى ذلك الطفل مخربا وسنمنع عنه اللعب والأشياء الثمينة.

لكن ماريا مونتسوري تقول أن الدافع  وراء مثل هذه الأفعال هو أن الطفل يولد وبداخله فضول هائل لاكتشاف العالم من حوله وتعلم المزيد عنه. في بيئة تربوية غير صحية، ستظهر ميول الطفل للاكتشاف في تفتيشه الدائم في حقيبة والدته، تخريبة للعبه، ومحاولة لمس الأشياء الخطرة وغالية الثمن!

وفي بيئة صحية تربويا، وضعت مونتسوري العديد من الأنشطة التي تشبع لدى الطفل رغبة الفضول والتعلم وتجعله لا يلجأ تلقائيا لتخريب الأشياء.

إذا لماذا نكره الدراسة ونتهرب من التعلم؟!

الإجابة تكمن في الفروق الفردية التي لا تراعيها طرق التعليم التقليدية. ماريا مونتسوري تؤكد دوما أن الأطفال ليسوا نسخا من بعضهم؛ لا يولد كل طفل وبداخله نفس الاستعداد والقدرات التي لدى الطفل الآخر. ولا يعني عدم امتلاكه لمهارة ما أنه أكثر بلادة.

الطفل ليس صفحة بيضاء ستشكله كما تريد. كل طفل يولد وبداخله استعداد لتعلم شيء بعينه، هناك طفل ستجده يميل إلى الموسيقى أو الرياضيات أو الحديث بلباقة. لا يعني اهتمام طفل ما بشيء معين أنه يتهرب من المذاكرة. ربما يكون دليلا على أنه سيكون مبدعا يوما ما!

هل علمت الآن لماذا وصف جميع العباقرة في طفولتهم بالفشل؟ وبيل جيتس على سبيل المثال الذي انشغل عن دراسته بشغفه بالحاسوب، هل كان شخصا فاشلا يتهرب من المذاكرة؟ّ!

لم تدعو "مونتسوري" للتسيب كما اتهمها معاصروها، أو أن نترك الأطفال يتهربون من الدراسة لأجل ممارسة هواياتهم أو اللعب. بل دعت لتغيير المنظومة التربوية بالكامل سواء في البيت أو المدرسة، ووضعت أساسا علمية للتعامل مع كل طفل ومراعاة فروقهم الفردية.

هل ضاعت علينا الفرصة؟!

أنت شخص كبير وناضج الآن، ربما تعمل أو لازلت تدرس بالجامعة، لا تحب عملك أو مجال دراستك؟ هل فقدت طريقك للابد لاكتشاف موهبتك أو شغفك في الحياة؟

أحد أسس "مونتسوري" ينص على ضرورة توفير بيئة صحية للطفل منذ ولادته تمكنه من التعرض للكثير من التجارب، مثل تعلم الموسيقى والرياضة والقراءة واللغات، تنمية مهاراته الاجتماعية وتواصله مع غيره من الاطفال، وغيرها؛ مع مراقبة جيدة من الوالدين حتى يكتشفوا ميول طفله ويركزا عليها.

ترك الأطفال مع التلفاز والكمبيوتر والألعاب غير المفيدة، يضيع عليهم سنوات عمرهم الصغيرة التي تبدأ ميولهم فيها في الاكتشاف، فتندثر للأبد. ثم يكبرون ويدخلون المدرسة فيكرهون التعليم بوسائلة التقليدية. ثم حين يصيروا أشخاصا ناضجين، نصفهم بالفشل لأنهم لا يعرفون ما يريدون في حياتهم!

أنصت للطفل الذي بداخلك

يقول الروائي باولو كويلو، في روايته على «نهر بيادرا هناك جلست وبكيت» أنه لاكتشاف ماذا تريد في الحياة، عليك بالإنصات للطفل الذي بداخلك، وأن تمتلك بعض الشجاعة لتحقيق ما يمليه عليك هذا الطفل، بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، حتى لا يمر العمر وتندم لأنك لم تبذل الجهد في السعي وراء شغفك.

يقصد باولو كويلو بهذا الطفل، هو ذاتك الحقيقة بدون أي اعتبارات أملاها عليك المجتمع أو مخاوفك التي تراكمت على مر السنين، ما يريد منك الآخرون أن تفعله أو تكون عليه، بينما لا تريده أنت، والمسار الذي وضعتك في الحياة أو الظروف.

مع إضافة مقولة باولو كويلو إلى مبدأ مونتسوري، ليس أمامنا إلا أن نتعامل مع أنفسنا كالأطفال، نعيد استكشاف أنفسنا، نتعلم الإنصات لها بعيدا عن ضجيج المجتمع،  نحصر الأشياء التي نحبها أو نتقنها دون سواها، نجرب الكثير حتى نتعلم ونتطور أكثر. أو كما يقول كويلو في روايته «أن تحلم يعني أن تعمل بجد».

المصادر

2 

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال