«أجاثا كريستي».. رحلت وظل غموضها
يقفان سويًا بمفردهما أمام قبرها.. اليوم هو الذكرى الـ40 لوفاتها، هي صاحبة الفضل في وجودهما بالحياة، رحلت هي قبل 40 عامًا وبقي الاثنين على قيد الحياة حتى اليوم، وربما لعشرات السنوات القادمة.
يسترجعان سويًا حياة من يقفوا أمام قبرها الآن، حين وُلدت في 15 ديسمبر عام 1890، بإنجلترا، وكيف عاشت طفولة سعيدة للغاية، في أحضان أم حنون تثق بها وتدفعها للأمام دومًا. في طفولتها، عاشت «طفولة مشردة إلى أقصى درجات السعادة»، لم تذهب إلى المدرسة أو لأحد المعلمين كما هو شائع، بل علّمت نفسها القراءة بنفسها في الخامسة من عمرها، وقضت طفولتها تلهو وتلعب كيفما تشاء.
يُذكّر أحدهما الآخر أن مصادفة هي التي قادت هذه السيدة للكتابة، ولولاها لما وُجِدا من الأساس. في طفولتها، أصابها مرض ألزمها الفراش لأيام، ودار هذا الحوار بينهما: «خير لكِ أن تقطعي الوقت بكتابة قصة قصيرة وأنتٍ في فراشك. ـ ولكني لا أعرف. ـ لا تقولي لا أعرف» لتبدأ في المحاولة، وتجد الأمر ممتعًا بالفعل.
إلا أن بداية كتابتها كانت سوداوية بشكل غريب، يموت أغلب الأبطال في نهايتها، وكأن قلمها به سم ما يسري في عروق الجميع وينتصر في النهاية. مع الوقت فكرت في جعل الموت يسري في إطار درامي حول جريمة ما.
عام 1914 تزوجت ممن التصق لقبه باسمها طوال حياتها وحتى بعد موتها بعقود، إلا أن زواجها لم يستمر طويلًا، وتطوعت كممرضة خلال الحرب العالمية الأولى. بعد أن وضعت الحرب أوزارها بعامين نُشرت أول رواية لها تحت اسم «قضية غامضة»؛ لتكون أول رواية في سِجل رواياتها الذي بلغ 80 رواية فيما بعد.
يتذكر هو، المحقق هيريكول بوارو، كيف أوجدته هي أول مرة في روايتها «قضية ستايلز الغامضة» عام 1920. لم يعلم يومًا لِمَ اختارت له هذا الشكل الباعث على الضحك كرجل «رجل ضئيل الجسم إلى أبعد الحدود، لا يتجاوز طوله مائة وستين سنتيمترا، ذو رأس بيضوي يميل قليلا إلى الجانب، وعينين تشعان باللون الأخضر عندما ينفعل، وشاربين عسكريين، وإحساس مُرهف بالكرامة»، إلا أن ما يُسعده أنه كان بطلها الأثير، وحلها الأكيد لكشف غموض الجرائم بذكائه الحاد.
فيما تستعيد هي، الآنسة ماربل، ذكريات أول ظهور لها، بعد بوارو بـ10 سنوات، في رواية «جريمة في القرية»، وكيف كانت تكشف أكثر أسرار الجرائم غموضًا، رغم كونها عجوز وحيدة ومبتدئة في التحري.
يستعيد بوارو والآنسة ماربل سويًا كيف كانت صاحبتهما تؤلف تلك الروايات، التي جعلتها أكثر روائية بيعت لها كتب على مدار التاريخ، برصيد تخطى الـ200 مليار نسخة. في حجرتها الصغيرة، التي شيدها لها زوجها الثاني في نهاية البيت، تجلس هي فيها من الصباح «وتكتب رواياتها بسرعة وتطبعها بالآلة الكاتبة مباشرة، وقد ألَّفت ما يزيد على ست روايات بتلك الطريقة موسما بعد آخر».
كانت مرافقتها لزوجها أثناء تنقلاته المستمرة بين بلاد الشرق والغرب فرصة لها كي تكتشف بلاد أخرى بثقافات أخرى فتحت لها أفقًا جديدة انطلقت منها لتكتب روايات، تُرجمت فيما بعد لأكثر من 100 لغة.
يضحكان سويًا حين يتذكران ما حدث عام 1926، حين اختفت صاحبتهما لعشرة أيام، واشترك الشعب البريطاني في البحث عنها، وشك كثيرون في أن يكون زوجها قد قتلها، فيما ظن آخرون خوفها من فقدان والدتها أو تأثرها بفقدانها، فيما رجح البعض أن الأمر عائد لصدمتها العاطفية في زواجها الثاني، لدرجة أنه قد قيل أنها فقدت الذاكرة وتركت سيارتها على الطريق، وظلت تسأل عن هويتها، حتى تعرف عليها أحد أقاربها.
يضع الاثنان باقة الزهور المعتادة في مثل هذا اليوم، 12 يناير، من كل عام على القبر المدوّن عليه اسم أهم كاتبة جرائم ورعب في التاريخ «أجاثا كريستي».. تستند المرأة العجوز على يد بوارو الواهنة، يتركا المكان على وعد باللقاء في العام القادم. [caption id="attachment_38108" align="aligncenter" width="640"] قبر أجاثا كريستي[/caption]