حين شق قطار بورسعيد صدور أهالي شهداء الألتراس (مقال)
بقلم: شيماء عبد العال
عادة ما يشهد هذا المكان حالة من الهرج، كثيرون يأتون ويرحلون، مسافرون تائهون بين الأرصفة، آخرون يركضون للحاق بالقطار قبل أن يغادر، إلا في تلك الليلة.. كان المكان يمتلئ عن آخره على غير العادة، حتى في أقصى الأوقات زحامًا..
تحولت ساحة محطة مصر إلى مأتم كبير، الجميع يترقب، أحيانًا تغلبهم الصدمة فيعمّ الصمت، وأحيان أخرى يُدركون الفاجعة فيهتف الجميع «الشعب يريد إعدام المشير»، أو «يا نجيب حقهم.. يا نموت زيهم».. يشق القطار الأفق من بعيد، القطار الذي يحمل المصابين الذي نجوا من موت محقق، بعد مباراة محلية في الدوري المصري، تحولت إلى مجزرة أريقت فيها الدماء، ولم تُحترم قدسية النفس التي نفخ الله فيها من روحه..
وصل القطار، الجميع من أهالي وأصدقاء يبحثون عن زويهم، مستعدون أن يُقاضوا بأي شيء لديهم فقط ليطمئنوا على سلامتهم، المذياع الداخلي يردد أسماء الضحايا الذين سقطوا، يصمت الجميع في انتظار الاسم القادم وقلوبهم ترتجف خوفًا من أن يكون الاسم التالي لشخصٍ غالٍ عليهم، يلتقطون أنفاسهم حين يتأكدون أن الاسم لا يخص أحبائهم، لتعود رئاتهم لاحتباس الهواء مرة أخرى في انتظار الاسم القادم.
فرحة، عويل، حضن طويل من أم لابنها بعد أن رأته أمامها سالمًا، حتى إن كان مصابًا، وانهيار لأم أخرى سمعت اسم ابنها وتمنت لو أصابها صمم قبل تلك اللحظة.. اللون الأحمر يطغى على الحضور، القادم من بورسعيد يرتدي تيشيرت فريقه المهووس به، أو غطت الدماء ما يرتديه من ملابس، دماؤه ودماء رفاقه في المدرج.
«المدرج حتة مني عرفت فيه طعم الحياة» كان هتافهم قبل ساعات، ولكن الآن عرفوا فيه طعم الغدر والموت أيضًا.. أعوامٌ أربع مرت، لا يزال الجرح غائرًا، لا تزال الفاجعة أكبر من أن يمحيها الزمن، لا زالت دماء الأهلاوية تنزف على مدرجات ستاد بورسعيد، ما زالت قلوب الأهالي والأصدقاء تئن ألمًا لفراق أحبائهم.
«ويوم أبطل أشجع.. هكون ميت أكيد».. تحوّل من هتاف حماسي لمجموعة من الشباب الصغار في مدرجات الدرجة الثالثة، يسعون خلف الأهلي أينما ذهب «وراك يا أهلي أنا كعب داير»، إلى حقيقة واقعة أثبتتها المجزرة.. حين توقف 74 شاب عن تشجيع الأهلي، بعد أن توقفت قلوبهم عن النبض، وعجزت حناجرهم عن الهتاف.