كواليس 9 ساعات قضاها طلاب بالجامعات في المخابرات

كواليس 9 ساعات قضاها طلاب بالجامعات في المخابرات

«مش مجرد مبنى أو منشأة ضخمة، دي مدينة داخل محافظة القاهرة، من لحظة دخولي لقيت نفسي في عالم تاني غير العالم اللي احنا عايشين فيه».. عضو بمجلس اتحاد طلاب طنطا -حالفه الحظ- يصف مقر المخابرات العامة المصرية من الداخل.

دعت المخابرات العامة (على غير المعتاد) في أبريل الماضي مجالس اتحادات الجامعات لزيارة مقرها بالقاهرة عن طريق إرسال «فاكسات» باسم وزارة التعليم العالي، في الوقت الذي تشهد فيه الوزارة والطلاب توترا بسبب أزمة إعلان نتيجة اتحاد طلاب مصر، الأمر الذي يطرح تساؤلا هاما حول علاقة المخابرات بالمجتمع الطلابي في الوقت الحالي، وما الجدوى من هذه الزيارة؟ .

في حينها، نفى المتحدث باسم الوزارة محمد حجازي علمه بالأمر، مضيفا «حتى لو الزيارة تمت فالمخابرات مؤسسة وطنية ممكن تستقبل الطلاب في أي وقت عشان تعرفهم بدورها وجهدها اللي بتقوم بيه عشان البلد».

لكن نائب وزير التعليم العالي، الدكتور صبحي حسانين، أكد في حوار له مع «شبابيك» أنه تم تقسيم اتحادات الجامعات لـ4 أفواج، وأن هدف الزيارة أن يتعرف الطلاب على القضايا التي تشغل الرأي العام بشكل قريب و «الاحتكاك بالأجهزة السيادية، لافتا إلى أن هناك مقترحا بتنظيم ندوات داخل الجامعات يحاضر فيها بعض أفراد المخابرات.

​​​​​​​حصل «شبابيك» على صورة الدعوة الموجهة لإحدى الجامعات، وجاء في نصها «بناء على موافقة وزير التعليم العالي على زيارة طلاب الجامعات المصرية لمقر المخابرات العامة، لتدعيم أواصر الثقة بين طلاب الجامعات المصرية والجهات السيادية بالدولة، يرجى التكرم بتمثيل جامعتكم بعدد 21 طالب وطالبة ومشرف».

خطاب المخابرات العامة

خطاب موجه لأحد الجامعات لتمثيل طلابها في زيارة مبنى المخابرات 

المبشرون بالزيارة

«أحمد» ضمن الطلاب الحضور -تحفظ على ذكر اسمه كاملا وصفته- يؤكد أن إدارات الجامعات تلقت فاكسات لدعوة مجالس اتحادات الطلاب والحاصلين على لقب الطلاب المثاليين في كل جامعة للحضور إلى مقر المخابرات العامة في الوقت والتاريخ المدون على الفاكس، ولم تستقبل المخابرات طلاب الجامعات كلها في وقت واحد، بل تم تقسيمهم إلى أفواج يضم  الواحد منهم اتحادات 5 جامعات والطالب والطالبة المثاليين.

كما أن الدعوى اشترطت إرسال أسماء الطلاب المشاركين في الفوج والمشرف وأرقام البطاقات القومية قبل الزيارة بيومين.

بعض الجامعات استبعدت طلاب من الزيارة دون سبب، يقول أحد أعضاء اتحاد طلاب مصر مستنكرا «محدش بلغني ومروحتش رغم إني عضو باتحاد الجامعة ومجلس اتحاد طلاب مصر وعرفت إنهم استبعدوني ومش عاوزيني أروح».

تأهيل الطلاب قبل الزيارة

الفاكسات التي وصلت للجامعات لم يدون عليها أسباب الزيارة.. يصل الفوج الطلابي إلى معهد إعداد القادة بحلوان قبل موعد لقاء المخابرات بيوم، يستقبلهم رئيس اللجنة المشرفة على الانتخابات الطلابية، الدكتور صبحي حسانين، يتم تسكينهم بالمباني المخصصة لذلك، يعقب ذلك محاضرة عن دور الطلاب في بناء المجتمع وأهمية تكوين كوادر طلابية لتقود مصر إلى المستقبل.

يجتمع الوفد الأول الذي ضم طلاب جامعات (طنطا، دمنهور، المنوفية، الزقازيق، الإسكندرية) مساء الثلاثاء 5 أبريل الماضي، بمعهد إعداد القادة على مائدة العشاء، والتنبيه على النوم مبكرا للاستيقاظ في الرابعة والنصف فجرا للتحرك إلى مقر المخابرات.

داخل الأوتوبيسات، تم التحفظ على هواتف الطلاب والتأكد من عدم امتلاك أيا منهم لجهاز آخر، ليبدأ التحرك في الخامسة وخمس دقائق، وتبدأ الرحلة.

تحرك الفوج حتى وصل إلى مبنى بانوراما حرب أكتوبر بشارع صلاح سالم بشرق القاهرة، وانتظر الطلاب نصف ساعة ممنوعون من النزول أو التحرك من أماكنهم، حتى حضرت ثلاثة أوتوبيسات تابعة لجهاز المخابرات العامة يرافقها قوات تأمين خاصة، وتم التحفظ على البطاقات الشخصية لجميع الطلاب ونقلهم إلى "أوتوبيسات الجهاز".

انطلق الفوج في قوة تأمينة كبيرة، تعطل خلالها المرور وفتحت الطرق ليسير الفوج الطلابي، حتى وصلوا في الساعة السابعة صباحا، ونزل الطلاب من الأوتوبيسات مجموعات وفي استقبالهم العديد من ضباط الجهاز.

ضم الوفد الثاني جامعات (بنها، قناة السويس، القاهرة، والسادات) وكانت زيارته يوم 11 أبريل.

رئيس اتحاد جامعة السويس شوقي محمد أكد لـ«شبابيك» أنه وأعضاء الاتحاد تقرر لهم زيارة مبنى المخابرات يوم 25 أبريل الماضي، مع ممثلين عن جامعة (كفر الشيخ) وجامعات أخرى.

يقع المقر الرئيسي للمخابرات بضاحية حدائق القبة بالقاهرة، وهو مركز محصن نتيجة لوجود قصر القبة بالجهة الشرقية، ومستشفى وادي النيل (التابع للجهاز) في الجهة الغربية، وإسكان الضباط بالجهتين الشمالية والجنوبية، فضلاً عن الحراسة المشددة عليه والكاميرات التلفزيونية المسلطة على المنطقة المحيطة ليلاً ونهاراً فضلا عن سور يبلغ ارتفاعه خمسة أمتار.

12963867_502209749987688_2562869954469345960_n

صور لطلاب بجامعة بنها المشاركين في الزيارة من أمام مبنى بانوراما حرب أكتوبر

في أروقة المخابرات

موسيقى هادئة من مسلسل رأفت الهجان تسمعها آذان الطلاب من الساوندات الداخلية للمكان، تفتيش بسيط لحقائب الطلاب، كلمات يتحدث بها كل من يقابلهم بأنهم في بيتهم ومكانهم وهذه المؤسسات خادمة للبلد وشعبها، وتم بنائها من أموال الشعب، «المكان مكانكم وبفلوسكم» هي العبارة الأكثر تداولا على ألسنة القيادات المخابراتية أثناء استقبالهم الطلاب، كما أكد أحد أعضاء الفوج.

استقل الطلاب المصعد لدورٍ علوي، يرافقهم ضابط ببدلة عسكرية لم ينطق إلا بـ«نورتوا مبنى المخابرات، اعتبروه بيتكم دا مكانكم ومن فلوسكم»، دخلوا بعدها قاعة محاضرات كبيرة ليبدأ عدد من الضباط الحديث عن «الأمن القومي المصري وكيفية المحافظة عليه، ودور جهاز المخابرات في تأمين البلاد من المؤامرات الداخلية والخارجية، ويبدأ بعدها النقاش».

حاول بعض الطلاب التحدث مع "القيادات الأمنية" في قضية إعلان نتيجة اتحاد طلاب مصر، لكن الإجابات كانت مقتضبة «الأمر قدام القضاء».

رئيس اتحاد جامعة المنوفية، وأحد الحضور، عمرو الشريف، نشر على صفحته بموقع «فيس بوك» بعضا مما أكده ضباط المخابرات على الطلاب، لكنه سرعان ما حذف المنشور.

استطاع «شبابيك» الحصول على صورة من منشور رئيس اتحاد المنوفية قبل الحذف، وجاء فيه: «أنتم سفراء المخابرات في الجامعات، ودورك في الجامعة هو انك تذاكر وبس، غير كده لو عندك رأي احتفظ بيه لنفسك ولا حتى تقوله على مواقع التواصل الاجتماعي» نطق بها أحد الضباط موجها حديثة للقيادات الطلابية، ليستفسر منه أحد الطلاب عن مغزى هذه العبارة وكيفية تنفيذ ذلك في وجود القبضة الأمنية التي تحكم الجامعات ومنع الحديث في السياسة، فيأتيه الجواب «لو عاوز تقول رأيك في حاجة بلغ عميد كليتك وهو هيقول لرئيس الجامعة اللي هيبلغنا على طول وساعتها نبقى نشوف».

Capture

محاضرات الولاء والانتماء

محاضرات عديدة يتخللها استراحة والذهاب لـ«الأوبن بوفيه»، للترويح على الطلاب من روتين المحاضرات التي تعاقب عليها عدد من ضباط الجهاز.

عقارب الساعة تشير للثانية ظهرا، وتعلن معها استقبال آخر محاضرة عن «أهمية الولاء والانتماء» والتي انتهت في الثانية والنصف، أعقبها جولة لم تستغرق أكثر من 20 دقيقة في معرض «الجاسوسية» وطرق كشف الجواسيس وما تم ضبطه من أحراز والأحكام التي طبقت عليهم.

انتقل الطلاب إلى مبنى آخر يشبه «القصر» بحسب وصف أحد الطلاب المشاركين، وهو عبارة عن قاعات للطعام وتناول وجبة الغذاء، طرق ممهدة داخل المبنى يقف بطولها رجال ينحنون ترحيبا بالطلاب، ويشيرون إليهم باتجاه قاعة الطعام.

قاعة واسعة تتوسطها طاولة يبلغ قطرها ما يزيد عن 4 أمتار، يلتف عليها الطلاب وقد رصّت عليها أطباق الطعام، يقف رجل خلف كل كرسي يجلس عليهطالب ليساعدهم في طعامهم، يسكب لهم الماء ويعصر لهم الليمون على ما يريدونه من طعام، ويلتقط أدوات الطعام إن وقع إحداها على الأرض، «خدمة 10 نجوم» كما يصفها أحد الحضور.

أثناء تناول الطعام يدخل شخص كبير السن «في الغالب مسئول بالجهاز، وكان في منتهى الهدوء والابتسامة على وشه» أحد الطلاب يقول. ويحييه جميع الحضور من الضباط، يجلس بجوار كل طالب يسأله عن رأيه في هذه الزيارة وهل أسعدته أم لا، وهل تغيرت وجهات نظرهم عن جهاز المخابرات العامة أم لا.

بانتهاء الطعام تنتهي الزيارة، في تمام الثالثة عصرا يعود الطلاب ليستقلوا الأوتوبيسات التي أوصلتهم للجهاز، الطريق مغلقة أمام الجميع إلا الوفد الطلابي برفقة المخابرات، يصلون حيث تركوا أوتوبيسات وزارة التعليم العالي أمام مبنى بانوراما حرب أكتوبر، يحصلون على هواتفهم ومتعلقاتهم ويعودون إلى محافظاتهم.

عودة الطلاب من المخابرات

صورة لوفد اتحاد طلاب جامعة بنها

ردود الأفعال

تبيانت ردود أفعال الطلاب حول الزيارة، عدد من المشاركين عبروا عن سعادتهم من استقبال أكبر الأجهزة الأمنية لهم، بينما جاءت ردود أفعال العديد من زملائهم رافضة لقبول هذه الدعوى معللين ذلك بأن جهاز المخابرات لا دخل له بالعمل الطلابي، وذلك على صفاحتهم بمواقع التواصل الاجتماعي.

أمين مساعد اللجنة الاجتماعية باتحاد طلاب جامعة طنطا، أحمد صبحي، قال إن هذه الزيارة لا هدف لها سوى «غسل مخ الطلاب» واقناعهم بأن البلد تعطيهم حقوقهم كاملة، في حين أنها منعت إعلان نتيجة اتحاد طلاب مصر الذي اختاره الطلاب بحرية وقناعة.

وعبر أمين لجنة الأسر باتحاد طلاب مصر واتحاد طلاب جامعة المنصورة، أحمد سمير، عن رفضه لزيارة الطلاب لمبنى المخابرات العامة، لافتا إلى أنه رفض الذهاب مع وفد جامعته.

واعتبرت عضو حركة الاشتراكيين الثوريين، نورا السيد، الزيارة بـ«التطور الغريب» من قبل الدولة لاستمالة الطلاب، متسائلة «على أي أساس المخابرات تبعت للطلاب وعلى أي أساس الجامعات توافق على ده».

وأوضحت في حديثها لـ«شبابيك» أن «مجالس الاتحادات انتخبها الطلاب فمكنش ينفع يروحوا إلا لما ياخدوا رأي زملائهم اللي انتخبوهم، وبعدين ده مش دورهم أنهم يروحوا المخابرات، وإنما دورهم يشوفوا فين حقوق الطلاب».

رئيس اتحاد طلاب مصر –غير المعتمد- عبد الله أنور، يوضح أن جامعة القاهرة ضمن الأفواج المشاركة في الزيارة، لافتا إلى أنه لم يشارك لأسباب شخصية منعته من ذلك.

وقال إن الدعوة كان هدفها التعرف على جهاز المخابرات العامة وما يقوم به من أعمال للحفاظ على الأمن القومي المصري.

ووصف رئيس مركز عدالة للحقوق والحريات، محمد الباقر، الزيارة بالمريبة التي تهدف إلى ضم عدد من الكوادر الطلابية إلى «مسطرة» الدولة عن طريق الأجهزة الأمنية، معتبرا إرسال الطلاب إلى جهاز المخابرات عمل من أعمال الشئون المعنوية.

وتساءل، إذا كان الهدف من الزيارة تنمية قدرات الطلاب، فلماذا لم تكن وسائل التنمية متنوعة في كل المجالات وغير مقتصرة على هذا الجهاز الأمني؟، معلقا على استبعاد الجامعات لطلاب بعينهم بأنه جزء من تدخلات الأجزة الأمنية في كل مؤسسات الدولة.

عبدالله الشافعي

عبدالله الشافعي

صحفي مصري متخصص في الملف الطلابي بموقع شبابيك، حاصل على كلية الإعلام ومتابع لأخبار الأقاليم، مقيم في محافظة الجيزة.