«الحالمون».. أيقونة فرنسية تُشعل ثورة الشباب

«الحالمون».. أيقونة فرنسية تُشعل ثورة الشباب

كتب- عبد الرحمن مقلد:

فى ستينيات العقد الأخير من القرن الماضى، لم تكن مصر وحدها ولا الشرق الأوسط ولا أفريقا ولا الدول العربية، (المكافحة ضد الاستعمار)، التى تشهد تغيرا وخروجا من زمن إلى زمن، ولكن فترة الستينيات فى العالم كله شهدت تحولات وتغيرات وتبدلت بعدها النظرة عما قبلها.

شهدت حقبة الستينيات تغيرات هى الأكبر والأكثر أثرًا بعد الحرب العالمية الثانية وربما حتى الآن، فخلالها خاضت أمريكا أكبر حروبها الخارجية فى فينتنام، بلغت ذروتها فى العام 1968 وهو العام الذى يخصنا بشكل كبير فى تناولنا لفيلم "الحالمون" The Dreamers ، الذى يعد واحد من أهم أفلام السينما التى تناولت ثورة الطلاب الفرنسية التى اندلعت فى مايو مثل هذه الأيام.

حشدت أمريكا فى العام 68 ما يزيد عن نصف مليون جندى فى فيتنام، وارتكبت مجازر مروعة، وقتلت العزل وأبادت الذرع والبشر، وخلفت ما يقرب المليون ومائة قتيل طوال الحرب الفتنامية.

وخَلقت بالطبع الجرائم الأميريكة فى الدولة الآسيوية، حركة تعاطف ورفض دولية للمجازر التى ترتكبها واشنطن، بل يمكن أن نقول إن هذه الحرب أيقظت ضمير العالم، وساهمت بشكل كبير فى تخليق حركة وعى بشرية بقضايا الإنسان والظلم الذى تتعرض له الأمم الصغيرة.

شرارة الثورة

وكان للحرب الفتنامية دور كبير فى تزكية نيران ثورة الطلاب الفرنسيين التى اندعلت شرارتها فى مايو 1968، إلى جانب أمور أخرى منها نشاط الحركة اليسارية فى باريس، والنهضة السينمائية التى خلقت ألفة ووعيا ثقافيا ولعبت دورا مهولا فى تثقيف الطلاب والفئات الشعبية.

يُضاف لما سبق عوامل كثيرة، (ذكرتها الأدبيات والكتب الراصدة للثورة الشبابية والتى دعمها المثقفون والكتاب وعلى رأسهم سارتر) زادت غضب الطلاب الفرنسيين ما أشعل أكبر حركة طلابية فى العالم بَقِى أثرها ممتدًا حتى الآن، منها التضييق على الكتاب والمثقفين، ووصول نظام الجنرال شارل ديغول لمرحلة متقدمة من الشيخوخة، إلى جانب الموقف الفرنسى المخذى من الثورة الجزائرية.

كل ما سبق ذكره وإن كان له دور كبير فى إشعال حركة مايو، إلا أن السبب الأكبر لإشعالها كان رفض الشباب  للمجتمع ورفضهم تمسك فرنسا بعادات موروثة.

منطق الأباء

ثار الطلاب الفرنسيون ضد منطق الأباء والأجداد، وأعلنوا تمردهم على الحياة الأبوبة والرسمية، أعلنوا تمردهم على السلطة بكل أشكالها وأحجامها، وهو ما يدور حوله فيلم "الحالمون" للمخرج الإيطالى الشهير  بيرناردو بيرتولوتشي، وبطولة إيفا جرين ومايكل بيت ولويس جاريل.

ينحاز إذنً فيلم "الحالمون" من خلال أبطاله الثلاثة (التوأمان الفرنسيان المتحرران (ثيو وإيزابيل) والشاب الأمريكى (ماثيو) الذى يدرس فى فرنسا، لقيم الحرية والعدالة والحداثة ضد الظلم والحرب الأمريكية ومنع المهاجرين وضد السلطة الأبوية والمجتمعية البالية والعاجزة عن تحقيق الرفاهية للبشر.

يبدأ الفيلم بلقاء الأبطال الثلاثة فى دور السينما، الشاب الأمريكى العاشق للسينما الفرنسية، والتى يبدى إعجابه واندهاشه بأن باريس هى المدينة الوحيدة التى دور السينما بها فى القصور، والأخوان الفرنسيان ابنا الشاعر المعروف والأم الإنجليزية، الشابان اللذان نشأ نشأة متحررة يستغرب منها بالطبع الشاب الأمريكى، ورغم ذلك فإنهما يرفضان السلطة الأبوية ويتمردان على معتقدات الأب وأفكاره التى أضحت بالية وعاجزة.

⇓تريلر الفيلم⇓

https://www.youtube.com/watch?v=nPb4irdCusw

لمشاهدة الفيلم على موقع يوتيوب اضغط هنا

ويظهر طوال الفيلم ضيق أفق وانتهاء صلاحية أفكار الأب ومحاولته فرضها على ابنيه، بل إعلانه رفض معتقداتهم وطريقتهم فى الحياة وفوضاهم، وسخريته من أفكارهما، التى هى بالطبع الأفكار التى قامت عليها ثورة الشباب، وتتلخص فى الثورة  على المجتمع وهدمه وتغييره لا إصلاحه عن طريق النضال اليسارى .

ففى حوار يجمع الشباب الثلاثة بالأب، يسخر الأب من نزعة الشباب ليس لاستفزاز المجتمع فقط، حسب قوله، ولكن لتتغيره، فيجيب الابن مستغربا "ألا ينبغى ان نفعل شيئا والمهاجرون يتم نفيهم، والشرطة تعتدى على الطلاب"، ليتحجج الأب قائلا: "قبل أن تغير العالم لابد أن تدرك أنك جزء منه، لا يمكن أن تقف بعيدا وتنظر إليه"، ليرد عليه  الابن: "أنت الذى تقف بعيدا أنت من رفض التوقيع على التماس لإيقاف الحرب فى فيتنام"، ليجيب الأب الشاعر بحججه البالية والعاجزة: "الشعراء لا يوقعون التماسات"، ليرد الابن: "ولكن الاتماس قصيدة"، فيقول الأب "ولكن القصيدة التماس"، لينهى الشاب حديثه محتدًا على والده "الآن انظر إلى نفسك.. أنا لا آمل أن أصبح مثلك"، ليترك الأب والأم الشباب الثلاثة، فيوجه الابن حديثه للضيف الأمريكى قائلا: "أبانا هراء كامل".

يظهر من هذه الحوارية الكاشفة، الاختلاف بين جيلين أحدهما شاخت أفكاره وعجزت عن التطور ومواكبة الزمن وإقناع الأجيال الحديثة، فجيل الأب لا يؤمن بالثورة ويرفض التوقيع على استمارة ضد الحرب فى فيتنام ويخشى من التحركات الشبابية ويعتبرها فوضى.. والجيل الآخر يهفو للحرية، جيل رافض ومتمرد على الفساد المجتمعى يدعو لمجتمع حر ليس فيه أى ممنوعات أو محظورات ويرفع شعارات "ممنوع الممنوع" يرفض إصلاح السلطة ويدعو لتغييرها والحياة بشكل متحرر .

التمرد

جيل الطلاب الفرنسين خلال الفيلم يتبنى أفكار الرفض والتمرد على المتعقدات الأبوية، يحيا حياة طبيعية، لا يخجل من شىء، جيل حر يعبر عن أفكاره بصوت مرتفع ، ويتصرف تصرفات شجاعة تصل لحد التطرف والتحلل من كل مُلزم أخلاقى أو اجتماعى، جيل يرفض الأبوية حتى الدعوة لاعتقال  جميع الأباء، وهو ما يعبر عنه البطل الفرنسى "ثيو": "ينبغى أن يتم اعتقال كل الأباء ويقادوا للمحاكمة، ويجبروا على الاعتراف بجريمتهم ويرسلوا إلى وطنهم ليعاد انتقادهم لأنفسهم ثم يعاد تعليمهم".

وبالطبع منذ اللحظة الأولى التى ينتقل فيها الشاب الأمريكى للحياة مع التوأم الفرنسى، يفاجأ بالنمط الحياتى المتحرر، ما يتسبب فى صدمات متتالية له، فهذا الشاب الذى يمثل "النزعة الكلاسيكية أو المحافظة الأمريكة" فى مواجهة "الحرية والحداثة الفرنسية" ينزعج من الطريقة التى يحيا بها الشابان الفرنسيان حياة حرة أو منحلة أو مزعجة فى وجهة نظره.

يعيش  الأبطال الثلاثة، إذن حياة سينمائية، يمارسون أدوار أبطالها، ويخوضون مغامرات عنيفة، متحدين أى سلطة أو وازع أخلاقى أو دينى، ويعيش معهم الشاب الأمريكى الحياة والتجارب التى لم ينشأ عليها، ويحاول الاندماج معهما ويفشل فى النهاية.

الفرنسي الحر والأمريكي المحافظ

بالطبع يرى "الشاب الأمريكى" أن الذى يحدث فى فيتنام من وجة نظر بلاده حربًا، وليس اعتداءً ولا جرائم أمريكية تمارس فى الدولة الصغيرة، وتدور مناقشة بينه وبين الشاب الفرنسى الذى يعبر عن رفضه للحرب فى فيتنام ويؤكد أنهم يقتلون القريون، فيرد عليه "ماثيو" بأنه إذا لم يذهب للحرب مع قومه سيذهب للسجن، فيرد "ثيو" "أفضل الذهاب الى السجن بدلا من قتل الناس"، فيستدرك الأمريكى "ولكن جنودنا يموتون أيضا"، فيرد الشاب "ولكنكم تقتلون النساء والأطفال".

لا يصل النقاش الفرنسى ـ الأمريكى أو بالتحديد الفرنسى الحر وليس الرسمى مع الأمريكى المحافظ إلى نقاط اتفاق، ويرى الشاب الفرنسى أن ذلك يعود حسب خطابه الموجه لـ "ماثيو": "أنتم الأمريكان كل فهمكم خاطئ وهذا يرجع إلى ثقافتكم".

بالطبع يرفض الشاب الأمريكى الفكر اليسارى فى التغيير ـ والرؤية اليوتيوبية (المثلى) التى يتبناها الشاب الفرنسى "ثيو" والتغيير الذى ينشده والذى يعبر عنه قائلا "أرى الحراس الحمر يسيرون تجاه المستقبل يحملون كتابًا وليس سلاحا.. ثقافة وليست قسوة.. ألا يمكنك أن ترى مثل هذه الملحمة"، وهو ما يرفضه "ماثيو" الذى يرى أن ذلك يقتل الحرية الفردية، ويجعل الجميع يقرأون كتابًا واحدًا ويغنون أغنية واحدة.

يحاول من جانبه الشاب الأمريكى الذى يقع فى غرام إيزابيل جذبها إلى نمط الحياة المنظمة ضد الفوضى التى كانت تعيش فيها مع شقيقها، ويحاول فصلها عن توأمها "المنفصل المتصل" ولكنه يفشل فى النهاية، لنصل إلى آخر مشاهد الفيلم، وهى لحظة اندلاع مظاهرات الثورة الفرنسية، والتى يشارك فيها كل من إيزابيل وشقيقها، ويحملان الكرات الحرقة ويصوبنها فى اتجاه الشرطة.

اختلاف وتنافر

وتدور المحادثة الأخيرة بين "ماثيو" و"ثيو"، لتكشف الاختلاف والتنافر بين وجهتى النظر "المحافظة" و"الحداثية"،حيث يرى الشاب الأمريكى إمكانية الإصلاح، ويرى فى إلقاء الكرات الحارقة على الشرطة عنفًا وفاشية، فيما يرى الشاب الفرنسى أن التغيير هو الحل وأن الشرطة هى الفاشية، وأن مهاجمتها شىء فى منتهى الروعة، ليعود الشاب الأمريكى للتأكيد على "أن ما ينشدوه من تغيير واحد، ولكن تختلف طريقه فهو يرى ان التغيير سيكون فرديًا ومن خلال الحب"، ويعبر عن  ذلك بتقبيل "إيزابيل"، ليصرخ فيه الشاب الفرنسى "توقف"، ويهاجم الشرطة بكرات اللهب، لينتهى عند هذه اللحظة الفيلم الحالم الذى يحمل اسم "الحالمون".

شبابيك

شبابيك

منصة إعلامية تخاطب شباب وطلاب مصر