دعك من «عاش الهلال مع الصليب».. هذه علاقة مسلمي وأقباط مصر
خلاف بين اثنين من المواطنين قد يكون سببه «ركنة سيارة»، يتحول بـ«قدرة قادر» إلى اضطهاد من المسلمين للمسيحيين أو إساءة للإسلام، ثم يخرج رأس الكنيسة الأرثوذكسية وشيخ الأزهر يؤكدا احتواء الأزمة، فيهتف البعض «عاش الهلال مع الصليب».
ما الذي يحدث حقا في مصر، ولماذا تندلع من آن لآخر نار «الفتنة الطائفية»، ويخفت صوت أمثال «محمد ومينا»، الذي رحل أحدهما في أحداث لم يكن القاتل فيها محمد ولا مينا؟!
بعد واقعة أبو قرقاص.. هل نفسد ما أصلحه السابقون؟
اضطهاد وكويسة
يقول «أحمد فتحي» مصري من محافظة المنيا: «علاقتنا بالمسيحيين علاقة كويسة». ويدلل «فتحي» على هذه العلاقة التي يرى أنها جيدة قائلا «لما كنت في الجيش ميلاد صاحبي كان أحسن أخ ولسه على علاقة بيه لحد دلوقتي، ومينا كان بيقف مكاني في الخدمة لحد ما افطر في رمضان، وبيشوي كان يقف بدالي في صلاة الجمعة».
في مقابل هذه الرواية يحكي إيهاب محمد، من محافظة قنا، قصة حدثت مع ابنة خالته منذ 12 عاما تقريبا «بنت خالتي كانت في مدرسة أقباط، وحصل بينها وبين واحدة زميلتها مسيحية خلاف ملوش علاقة بالدين، ووصل الأمر للأهل».
يضيف إيهاب «الموضوع كان بسيط وانتهى، بس أهل البنت المسيحية ضخموا المشكلة لدرجة إن وسيلة إعلام أجنبية اتكلمت عن المشكلة وإن المسيحيين بيتعرضوا للاضطهاد في صعيد مصر، رغم أن المدرسة في الأساس اسمها مدرسة الأقباط، وعدد الطالبات المسيحييات فيها أكبر من عدد الطالبات المسلمات».
استفزاز عيال
على الجانب الآخر، يقول مارو سامي، مصري يعتنق المسيحية «من وأنا صغير في إبتدائي كان في ناس من زمايلي بيتلككولي بطريقة غريبة يعني لو متغاظين مني عشان أشطر منهم فيروحوا يقولوا للمدرس دا سبلي الدين أو رمالي شنطتي وكان عارف إن فيها كتاب دين».
ويتابع: «أحيانًا كان بيوصل الأمر لإنهم يجيبوا صليب ويدوسوا عليه قدامي عِند عشان يجروا شكلي، ده غير لما يقولوا ده مسيحي بس كويس وبالتالي إحنا كفرة في عيون بعضهم».
جيران وحبايب ولكن
الصحفي بجريدة الشروق المصرية، «أحمد حسني»، كتب عبر موقع «فيس بوك»: «من سنة 91 لحد سنة 97 اتربيت في كنيسة بلدنا، 5 سنين إبتدائي وأولى وتانية إعدادي، كنت بروح كل يوم صيف وشتاء، أخد درس عند عمي عياد، في الكنيسة، كان بيدينا كل المواد باتنين جنيه في الشهر، وكان بيحفظنا نصوص القرآن اللي علينا في كتاب الدين، وكان معظم صحابي مسيحيين، ورغم كدا الطائفية كانت حاضرة بقوة قدامي بس مكنتش بالعنف ده».
يضيف حسني «عمتي الصغيرة كانت دائمًا بتتخانق معايا وتقولي ما تروحش بيوت النصارى ولا تأكل عندهم دول مش نضاف، بس أمي بكل براءة كانت بتقولها حرام عليكي دول نضاف وزي الفل، وأبويا كان بيقولي يا ابني دول بشر زينا سيبك منها دي مجنونة، عمتي دي كانت بتتخانق مع عمتي الكبيرة عشان بتروح أفراح وعزا في الكنيسة، وعمتي الكبيرة كانت بتقولها ملكيش حكم عليا، دول جيراني وحبايبي وهروح كل حتة معاهم».
دول غدارين
تقول سارة سعيد، صحفية في جريدة الوطن، وتعتنق الديانة المسيحية، إنها لم تتعرض لمواقف طائفية، مشيرة إلى أن 90% من أصدقائها مسلمين، وهذه الصداقات كانت تدفع منتمون للديانة المسيحية للقول لها كلام من نوعية «انتي حولتي.. انتي مسيحية باطنا مسلمة ظاهرا»، مضيفة «ليا ناس مسيحين يقعدوا يقولولي متأمنيش ليهم دول غدارين».
أما «كريستين جرجس» فتقول «لما بتعامل مع أي حد مبهتمش هو مسلم ولا مسيحي؛ ببساطة لإن صاحبتي الأنتيم أقرب إنسانة ليا مسلمة، بس للأسف أحيانًا بتحصل حاجات تعكر صفو العلاقة بين المسيحيين والمسلمين عمومًا مش مع صاحبتي دي».
وتحكي كريستين « لما دفعتي جت تختار تصميم تيشيرت التخرج، في مجموعة من المسلمين عجبهم رمز لكنيسة في إيطاليا، بس للأسف لما باقي الدفعة شافت الرمز رفضت بشكل فظيع وصممت إن التصميم ده بالذات مينفعش.. وطبعا اللي عاوزينه حصل، واتخرجت الدفعة نصها بتيشيرت عليها الرمز والنصف التاني اختار تصميم مختلف».
أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث، عزة كريم، شددت على أنه «لا داعي للترويج لأي مشاجرة بين مسلم ومسيحي باعتبار الأمر فتنة طائفية؛ لأن هذا أمر طبيعي ويحدث بين أبناء الديانة الواحدة». واعتبرت المتشددين من المسيحيين والمسلمين «شواذ عن طبيعة المجتمع الذي لطالما عُرف بعلاقته القوية بين مسلميه ومسيحييه».
سياسة
هند محمد، مصرية انتهت علاقتها بصديقة لها تعتنق المسيحية بسبب منشور على «فيس بوك»، تروي لشبابيك: «كان ليا واحدة زملتي مسيحية من ضمن صاحباتي القريبين، كنا بنروح مع بعض الشغل اللي كان معظم اللي بيشتغلوا فيه مسيحيين، وفي مرة بعد الثورة بفترة كان من ضمن الحاجات اللي بتحصل حرق كنائس، فأنا لقيت ناس بتروج للحوادث دي على إنها اضطهاد، فكتبت بوست على الفيس وقولت اللي بيحصل ملهوش علاقة بالاضطهاد بس ليه علاقة قوية بالسياسة».
تشير هند، إلى أنه بسبب هذا المنشور «قامت عليا ولقيتها بتشتمني وبتتهمني بالتعصب حتى باقي أصحابي المسيحين اللي في الشركة لقيتهم بيقولوا نفس الكلام إني متعصبة وسلفية طالما مسلمة، رغم إني مكنش عندي مشكلة معاهم خالص»، ما أدى إلى انتهاء صداقتهما.
من جانبها، تقول «مارينا ميلاد»: «طول فترة تعاملي مع المسلمين متعرضتش لمشكلة حقيقة مع المسلمين».
واستطردت مارينا «أنا بختلف مع أشخاص من الطرفين بيحاولوا يصنفوا وتحديدا بكلمة انتي أو انت تبعنا»، مشددة على أن «فكرة انت او انتي تبعنا موجودة عند المسيحيين والمسلمين».
الأزمة اجتماعية
ترى الدكتورة عزة كريم أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث، في تصريحات لـ«شبابيك» أن الأزمة ليست دينية بقدر ما هي اجتماعية يُشعلها الإعلام بين الحين والآخر.
وتقول عزة «منذ فترة طويلة من الزمن ونحن نعيش مع المسيحيين كإنهم أخواننا نشاركهم في أعيادهم وأفراحهم وهم كذلك، لكن الأزمة بدأت في الاشتعال حينما قرر الإعلام التدخل للحل فزاد من وهجها»، متسائلة: «لماذا حينما يتم تناول مثل هذه القضايا نقول مسلم ومسيحي، لماذا لا نجرها من الأديان ونتعامل معاهم كقضية تحتاج إلى حلول».
أما عن الحلول الجدية، أوضحت أستاذ علم الاجتماع: «حل هذه القضايا سيأتي عندما نغير من أنفسنا وطريقة تناولنا للأحداث، بمعنى أن يمتنع الإعلام تمامًا عن التدخل، وفي حال تدخله يُجرد نفسه من عبارات الإشتعال».
التربية
الدكتورة بثينة عبدالرؤوف، الخبيرة التربوية، تقول لـ«شبابيك» إن اشتعال فتيل الأزمة بين المسلمين والمسيحيين يرجع في الأساس إلى أخطاء (التربية المنزلية- المدرسية- الإعلام)، مستطردة: «عندما يسمع الأطفال كلمات مثل كنت مع صديقتي المسيحية أو فلانة في الكنسية بدلًا من عبارات مريم صديقتي أو إنها ذهبت للصلاة، فإن هذا يجعلهم يشعرون أن هناك شىء مختلف بينهم وبين العنصر الآخر».
وأضافت: «أما بخصوص التربية المدرسية فمنذ أن أصبحت هناك مدارس إسلامية وأخرى مسيحية أصبحت المواطنة مجرد كلمات لا يعرف أبنائنا تطبيقها، كما أن هذا تسبب في عدم الانتشار وجعل كل عنصر منهم مقتصر على مكان بعينه معروف بتجمع المسلمين مثلًا أو المسيحين».
أما بخصوص الإعلام، فأوضحت: «للأسف بعد ما كان للإعلام دورًا هامًا في مختلف القضايا أصبح الآن هو المحرض الأساسي بسبب سوء تناوله للأحداث، بمعنى لماذا يتم تناول قضايا تتحدث عن إنقاذ مسلم لمسيحي أو العكس، لماذا نروج لمثل هذه الأحداث بأنها خارقة وليس من المفترض أن تحدث، بالطبع من يشاهد هذا يشعر أنه ما يقوم به أمر خارق وغير معتاد فبالتالي إذا لم يفعله فلن يُلام عليه».
وعن العلاج، طالبت الخبيرة التربوية: «لا بد من تفعيل دور المجلس الأعلى للمرأة؛ لأن المرأة هي العنصر الذي لولاه لن تُطبق المواطنة؛ لذلك لابد من البدء بها حتى تُنشىء جيلًا صحيحًا، كما لا ننسى دور محو الأمية في ذلك عبر محاضرات التوعية الوطنية وإرساء قواعد احترام الآخرين، والتنسيق كذلك مع كافة منظمات المجتمع المدني عن طريق برامج التوعية المختلفة».