قصة تهجير النوبيين.. هل طُمست الحقيقة؟

قصة تهجير النوبيين.. هل طُمست الحقيقة؟

أثار مسلسل «المغني» للفنان «محمد منير» جدلًا كبيرًا منذ بدء رمضان مع بداية عرضه على التلفزيون، بسبب تناوله لبعض الأحداث التاريخية حول «تهجير النوبيين».

تعرض النوبيون في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر للتهجير من بلادهم إلى منطقة كوم إمبو الصحراوية؛ بعد أن أغرقت مياه السد العالي منازلهم وأراضيهم الزراعية.

وعندما أعلن ابن النوبة محمد منير عن مسلسله الرمضاني «المغني» توقع أبناء النوبة والمدافعون عن قضيتها أن المسلسل الذي يروي سيرة حياة «منير» سوف يدافع عن قضية النوبة بشكل أساسي.

وبعد الحلقة الخامسة، أطلق عدد من النشاط النوبيين هاشتاج #المغني_لا_يمثل_النوبة ووصفوه بأنه تزييف للتاريخ، وتواطؤ مع الحكومة التي تريد أن تلتف على حق النوبيين في العودة لأراضيهم.

المشاهد التي أثارت الأزمة

  • المشهد الأول: جلسة عرفية بين أبناء النوبة الذين انقسموا في الرأي، بعضهم يرى أن التهجير سيكون في مصلحتهم، حيث سينتقلون إلى مدينة بها مرافق ومدارس لم تتوفر في قراهم الأصلية.

تهجير النوبة 3

المراكب التي نقلت أهالي النوبة
  • المشهد الثاني: هو مشهد التهجير الذين وصفوه بأنه منافي للواقع الذي تم فيه بطريقة غير آدمية ومات فيه العديد من الأطفال، وتم نقلهم في صنادل نهرية مخصصة للمواشي، بينما صوّر المسلسل التهجير على أنغام الموسيقى النوبية المبهجة، ونقل النوبيين في مراكب فاخرة.

تهجير النوبة 6

  • المشهد الثالث: هو صورة أحد الأطفال في أثناء التهجير وهو يحمل صورة عبدالناصر، الذين يصفه النوبيون بأنه لم يفي بوعوده، ونقلهم إلى مدينة صحراوية مياهها ملوثة.

تهجير النوبة 7

اقرأ أيضًا⇐«بعد موعظة القيصر.. هل هؤلاء الفنانون متناقضون ودراويش؟»

التهجير منذ أيام الخديوي

لم يكن تهجير النوبة عام 1963 هو الأول من نوعه. فمنذ انتهاء أعمال البناء بسد أسوان عام 1902 في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني، وقد عرفت النوبة سلسلة متتابعة من التهجير.

كان سد أسوان مسؤولًا عن تخزين مليار متر مكعب من المياه، ما أدى لغرق القرى والأراضي الزراعية، خلف الخزان والواقعة بشمال النوبة، وتُعرف بمنطقة «الكنوز».

تهجير النوبة 1

مياه السد العالي تُغرق النوبة

تعرض خزان أسوان لمرحلتين من التعلية؛ الأولى عام 1912 والثانية في 1933 والنتيجة غرق 18 قرية، وتشتت أهلها، بحثًا عن مصادر أخرى للرزق، بعد تدمير أراضيهم الزراعية، وبعد محاولات باءت بالفشل لبناء منازلهم فوق أراضي مرتفعة، لكن المياه كانت تغرقها أيضًا.

الهجرة الرابعة

مع بدء أعمال بناء السد العالي، تكونت بحيرة ناصر خلفه، لتخزين المياه التي يحتجزها. ومع زيادة تدفق المياه للبحيرة التي بلغت السعة التخزينية لها 162 مليار متر مكعب، تسببت هذه المياه في إغراق القرى المجاورة للسد، بالإضافة إلى حوالي 18 موقعًا أثريًّا، من بينها معبد أبو سمبل.

غرق آثار النوبة

غرق آثار النوبة

ومع محاولات أهالي النوبة لإعادة بناء هذه القرى فوق المناطق المرتفعة، إلا أن مياه البحيرة طالت هذه المرتفعات أيضًا، ولم يكن أمام النوبيين إلا قرار الهجرة لمرة رابعة، بعد اجتياح مياه البحيرة لتغطي الأراضي المرتفعة أيضًا، والتي تكفي لتخزين مياه الفيضان لمدة عامين.

تهجير النوبيين2

تهجير 1800 أسرة، وصفتها «الأهرام» بأنها أكبر عملية تهجير في القرن العشرين

تهجير مع سبق الإصرار والترصد

قررت حكومة عبدالناصر تهجير أهالي النوبة لهضبة كوم إمبو، وأعدت له قبل لحظة التنفيذ بثلاث سنوات.

ففي كلمة ألقاها عبدالناصر في يناير عام 1960، وصف قرار التهجير بأنه سيحل عدة أزمات تعانيها النوبة، منها الانعزال الثقافي والحضاري، وأنه سيكون فرصة لإشراك النوبيين في النهضة الصناعية.

لقد قيل إنه سيتم نقل النوبيين لقرى مزودة بالمرافق والماء والكهرباء، وهو ما لم يكن متوفرًا في قراهم الأصلية؛ إضافة إلى إعطاء مساكن  وتعويضات لكل أسرة.. فهل تم الوفاء بالوعد؟

مأساة لم تُحل

في تصريحات لعضو مجلس الشعب عن دائرة نصر النوبة ياسين عبدالصبور، قال إن أهالي النوبة ليس لهم مصدرا للرزق غير الزراعة، وتم تهجيرهم بعد انهيار منازلهم إلى وادي كوم إمبو الذي لا يصلح للزراعة، ولم يتم تعويضهم عن الأراضي التي تركوها.

أهالي النوبة تهجير النوبيين

 أطفال النوبة  يحملون حيواناتهم الأليفة التي خافوا عليها من الغرق

وأضاف أن منطقة كوم إمبو افتقرت لأبسط المرافق ومتطلبات المعيشة، وعدم وجود صرف صحي الذي تسبب في انهيار العديد من المنازل. موضحًا أن عبدالناصر بنى بكوم إمبو 35 مركزًأ طبيّا، لكنها تكاد تكون خالية من الأطباء، إضافة للصعوبات التي يواججها شباب النوبة عند محاولة إقامة أي استثمارات في المنطقة، ما أدى لتفشي البطالة بينهم بنسبة 90%.

أحد معاصري التهجير يتحدث عن المأساة

https://twitter.com/Ahmedhasona19/status/742166752692424704

مطالب أهالي النوبة

لخص عبدالصبور المطالب الأساسية لأهالي النوبة في العودة لضفاف نهر النيل. أما المطلب الثاني فهو تعويض المتضررين الأصليين الذين غرقت منازلهم، بتمليكهم منازل وأراض زراعية بالمجان. والمطلب الثالث هو تمكين شباب النوبيين من المشروعات الاستثمارية والتنمية الزراعية على ضفاف بحيرة ناصر.

في انتظار «حق العودة»

يعيش أبناء النوبة هذه الأيام على أمل العودة لأراضيهم وحياتهم الأصلية؛ بعد أن كفلت المادة «236» من الدستور الجديد «حق العودة» للنوبيين وتمكينهم من المشروعات الاستثمارية في النوبة، خلال عشر سنوات.

النوبة مسلسل المغني

لعل هذا الأمل دفع بعض الصفحات النوبية على «فيس بوك» لمهاجمة مسلسل «المُغني» بشدة، ووصفه بأنه محاولة لتزييف التاريخ والالتفاف على هذا الحق.

تهجير النوبيين مسلسل المغني

التهجير كما جاء في مسلسل «المغني»

الجدير بالذكر أن أهالي النوبة عبروا عن غضبهم أيضًا من اللغة المستخدمة في المسلسل وهي اللهجة الصعيدية، وليست اللغة النوبية، في وقت كان النوبيون في أشد الحاجة لمن يعبر عن مأساتهم وحضارتهم المميزة.

اقرأ أيضًا⇐«بلاط الشهداء.. ساحة المعركة المجهولة بين المسلمين والفرنجة»​​​​​​​

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال