حوّلوا سُطور رواياته إلى لحم ودم.. نجيب محفوظ ينسب الفضل لهؤلاء
نشأ بداخل قلب القاهرة لتؤثر فيه كأنها لم تؤثر في سواه، وتكون النتيجة أدب واقعي يسمو بالفكر إلى محطات جديدة تجعله دائم التساؤل: ماذا لو؟!.. هكذا وضع أمير الرواية العربية نجيب محفوظ بصمته الفريدة في عالم الأدب برواياته.
حالف الحظ عدد كبير من أعمال أديب نوبل ليطل من خلال نافذة السينما أمام جمهور أكبر من القرّاء، فجسد كثير من الفنانين شخصيات متنوعة من رواياته أمام الكاميرا؛ ومنهم:
أحمد زكي، ومحمود عبد العزيز، وشكري سرحان، وفريد شوقي، ورشدي أباظة، وأحمد مظهر، وسناء جميل، وأمينة رزق، وعمر الشريف، وعماد حمدي، ويحيى شاهين، ونادية لطفي، ويوسف وهبي، وتحية كاريوكا، ومحمود يس، ونجلاء فتحي، وآخرهم منى زكي، وإياد نصار، وصابرين، وصبري فواز، ومحمد الشرنوبي، وجمال سليمان، وصبا مبارك، وآخرون في مسلسل «أفراح القبة» الذي عرض في الموسم الرمضاني السابق.
وبين شخصيات رواياته المتنوعة التي جسدها فنانون مختلفون في أعمال فنية أخرجها أهم مخرجي السينما المصرية، أخص نجيب محفوظ بعضهم ليبدي رأيه الحقيقي فيهم.
ذهب «نجيب محفوظ» لا يصدأ أبدا
شادية
وصف نجيب محفوظ «شادية» في حوار إذاعي بأنها «ممثلة عالية القدرة وبمقدورها الحصول على جائزة أوسكار لو تقدمت إليها، واستطاعت أن تعطي سطوري في رواياتي لحما ودما وشكلا مميزا لا أجد ما يفوقه في نقل الصورة من البنيان الأدبي إلى الشكل السينمائي».
كانت بداية تجسيد «شادية» لشخصيات «محفوظ» من خلال فيلم «اللص الكلاب» من إنتاج عام 1962؛ حيث تقمصت فيه شخصية فتاة الليل «نور» لتفاجئ جمهورها بتخليها لأول مرة عن دور الفتاة الجميلة الدلوعة، لتقدم دور المرأة المحبة لـ«سعيد مهران» التي كانت بمثابة الأم له.
وعن أدائها في الفيلم، انبهر «محفوظ» قائلا: «كنت أظن أن شادية لا علاقة بينها وبين بطلات رواياتي فهي تلك الدلوعة، التي يحلم بها أي شاب، بينما أعمالي تدور في إطار مختلف».
وفي العام التالي، تقمصت «شادية» شخصية «حميدة» في فيلم «زقاق المدق»، وعن أدائها بالفيلم، قال «محفوظ»: «شادية جعلتني أشاهد حميدة على الشاشة.. لقد كنت أشعر بكل خلجة من خلجات حميدة متجسدة أمامي، على الرغم من تخوفي الشديد من قدرتها على تجسيد الدور عند ترشيحها له. شعرت لأول مرة أن الشخصية التي رسمتها على الورق نجحت في الخروج منه وأصبحت شخصية حقيقية من لحم ودم تتحرك أمامي على الشاشة، وكانت حميدة في زقاق المدق صورة لقدرة فائقة لا أتصور غيرها قادرا على الإتيان بها».
ومرة أخرى تجسد «شادية» إحدى شخصيات نجيب محفوظ حين قامت بأداء دور «كريمة» في فيلم «الطريق» من إنتاج عام 1964، وتتبعها بشخصية «زهرة» في فيلم «ميرامار» من إنتاج عام 1969، ليؤكد «محفوظ» أكثر من مرة أن «شادية أكثر الفنانات اللاتي نجحن في تقديم روح الشخصيات التي كتبها في الروايات على الشاشة الكبيرة.. هي كذلك أيضا في غير أعمالي فقد رأيتها في بداياتها في دور الأم المطحونة المضحية في فيلم المرأة المجهولة، وتصورت أن بمقدورها الحصول على جائزة الأوسكار العالمية في التمثيل لو تقدمت إليها»، وتعبيرا عن شدة إعجابه بموهبتها التمثيلية، كتب محفوظ لشادية قصة خاصة لفيلم سينمائي بعنوان «ذات الوجهين»، والذي قام بإخراجه حسام الدين مصطفى عام 1973.
25 مقولة تاريخية ملهمة.. هل تلامس واقعك؟
عاطف الطيب
«عميد الخط الواقعي في السينما المصرية»، كان هذا اللقب الذي أطلقه «محفوظ» على المخرج عاطف الطيب عقب إخراجه لروايته «الحب فوق هضبة الهرم» ليصبح أحد أهم الأفلام السينمائية التي تعبر عن المعاناة الاقتصادية والاجتماعية التي يتحملها المقبلون على الزواج في ظل واقع محبط.
لم يكن يعرف «الطيب» الذي كان مشروع تخرجه من قسم الإخراج بالمعهد العالي للسينما فيلما لإحدى روايات «محفوظ» أنه سيأتي ذلك اليوم الذي يعبر فيه الأخير عن إعجابه الشديد بالفيلم الذي أنتج عام 1986، وقام ببطولته أحمد زكي مع آثار الحكيم.
وقال «محفوظ» عن «الطيب» إنه حول القصة الأدبية إلى شكل سينمائي متميز جعل منها علامة في تطور السينما في مصر؛ الأمر الذي شجع «الطيب» ليحول رواية أخرى لمحفوظ إلى فيلم سينمائي يحمل العنوان ذاته «قلب الليل»، من إنتاج عام 1989 وبطولة نور الشريف وهالة صدقي وفريد شوقي.
سعاد حسني
وعن السندريلا سعاد حسني، كتب «محفوظ» مقال بمجلة فنية أكد فيها أنه تعجب في البداية حين رشحت لتجسد شخصية «إلهام» في فيلم «الطريق» المأخوذ عن روايته، لأنه اعتاد أن يراها في أدوار خفيفة تميل إلى الكوميديا، ولكن بعد تجسيدها لهذا الدور، اكتشف فيها أبعادا تراجيدية عميقة.
كما قال «محفوظ» عن أدائها في فيلم «القاهرة 30»، إنتاج عام 1966 للمخرج صلاح أبو سيف، إنه كان رائعا، وأكد أنه «كان يسعد كلما قدمت سعاد حسني إحدى رواياته لأن شخصياته تتسم بالطابع المصري الصميم نفسه الذي اشتهرت به السندريلا».
وبعد «الطريق»، و«القاهرة 30»، قدمت سعاد حسني شخصيات متعددة لـ«محفوظ» في أفلام: «الاختيار» من إنتاج عام 1971، و«الكرنك» من إنتاج عام 1975، و«أهل القمة» من إنتاج عام 1981، و«الجوع» من إنتاج عام 1986.
نور الشريف
تسعة أعمال فنية جمعت بين «محفوظ» ونور الشريف، كتبها الأول وجسد الثاني شخصياتها المتنوعة ببراعة فائقة، وكانت البداية بفيلم «قصر الشوق» من إنتاج 1967، حين رشح المخرج حسن الإمام الفنان نور الشريف لأداء شخصية «كمال عبد الجواد»، وتمنى وقتها «محفوظ» أن يجسد الأول الخيال كما صوره تماما بالرواية، وبأدائه للشخصية وشهرته بجملة «الذين يحبون لا يتزوجون»، انبهر محفوظ من أداء نور الشريف، قائلا إنه جسده أجمل تجسيد وجعله يشعر بالتوحد مع الشخصية.
وتوالت بعد ذلك شخصيات «محفوظ» التي حولها «الشريف» إلى دم ولحم أمام الكاميرا من «كامل» في فيلم «السراب»، لـ«إسماعيل الشيخ» في فيلم «الكرنك»، لـ«زعتر النوري أو محمد زغلول» في فيلم «أهل القمة»، و«شطا الحجري» في فيلم «الشيطان يعظ»، إلى «سماحة الناجي» في فيلم «المطارد»، و«جعفر الرواي» في فيلم «قلب الليل»، و«عاشور الناجي» في مسلسل «السيرة العاشورية».
وقال عنه «محفوظ» إن: «نور الشريف حينما يمثل لا يكون ذاته وإنما يكون الشخصية التي رسمتها والحقيقة أنه دخل في نسيج العديد من رواياتي، لكن إذا بحثت عن شخصيته الأصلية لا أجدها، فهو يتجسد لي في كل شخصية بقدرة كبيرة، لكني تعجبت جدا حينما رأيته يجسد شخصيات أبعد ما تكون عن شخصية كمال عبد الجواد، مثل دور زعتر النوري في أهل القمة، وحينما أخبروني أنه سيجسد أهل القمة فرحت وقلقت، فرحت لأنه نجما وفنانا كبيرا، وقلقت لأن الدور بعيدا عن مكوناته، لكنه نجح نجاحا دل على أنه صاحب مرونة فنية ولذلك أكون سعيدا جدا حينما أعلم أنه سيمثل رواية لي».
يوسف شاهين
أفلام «الاختيار» و«أهل القمة» و«التوت والنبوت»، ومسلسل «حضرة المحترم» وغيرها أعمال عديدة من أدب «محفوظ» جسد فيها الفنان عزت العلايلي شخصيات متعددة أمام الكاميرا، ليكون أول لقاء يجمعه بـ«محفوظ» في مقهى مترو بالإسكندرية؛ حيث كان يجلس معه توفيق الحكيم.
يوسف شاهين.. سينما الغموض والفكرة والتمرد
ويقول «العلايلي» إنه فكر والمخرج يوسف شاهين في إعداد فيلم عن النكسة عقب حدوثها عام 1967، فذهب إلى نجيب محفوظ الذي قال عن «شاهين» إنه «مجنون ومخه مخروم لكنه فنان»، وبعد مهلة 15 يوما طلبها «محفوظ» من «العلايلي»، ذهب إليه ليجده قد انتهى من كتابة فيلم «الاختيار».
نجيب محفوظ روائي مصري، ولد في 11 ديسمبر بحي الجمالية في القاهرة عام 1911، وتوفى في 30 أغسطس 2006. وهو أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب، والتي فاز بها عن روايته «أولاد حارتنا».
ويعتبر أدبه تاريخ موثق لأحوال مصر مرورا بعصور مختلفة يطرح قضايا واقعية وفكرية ووجودية وسياسية واجتماعية في الوقت ذاته.