متى تجمع القلب الذكي وصارما وأنفا حميا تجتنبك المظالم.. شرح الشعر وقائله
استدعى الرئيس السوري أحمد الشرع، في كلمته خلال القمة العربية الإسلامية الطارئة في الدوحة اليوم الاثنين، بيتا من الشعر العربي القديم يعود للعصر الجاهلي، ليختزل فيه رؤيته لكيفية تحقيق المنعة والسيادة، حيث قال: «متى تجمع القلب الذكي وصارما.. وأنفا حميا تجتنبك المظالم».
شرح شعر متى تجمع القلب الذكي وصارما
تعد هذه القصيدة نموذجا لشعر الصعاليك الذي يمزج بين الحكمة والتجربة الشخصية، ويعكس نظرة واقعية وصريحة لموازين القوى في زمن انعدام القانون الدولي وسيادة منطق القوة.
ويقول عمرو بن براقة في أبياته الخمسة الشهيرة:
-
متى تجمع القلب الذكي وصارما *** وأنفاً حمياً تجتنبك المظالم
-
متى تطلب المال الممنع بالقنا *** تعش ماجداً أو تخترمك المخارم
-
وكنت إذا قوم غزوني غزوتهم *** فهل أنا في ذا يالهمدان ظالمُ
-
فلا صلح حتى تقرع الخيل بالقنا *** وتضرب بالبيض الرقاق الجماجم
-
ولا أمن حتى تغشم الحرب جهرة *** عبيدة يوما والحروب غواشم
يفتتح الشاعر قصيدته بالبيت الذي استشهد به الشرع، مقدما وصفة ثلاثية لتحقيق المنعة وردع الظلم، وتتكون من: «القلب الذكي» الذي يمثل العقل والتخطيط والحنكة السياسية، و«صارما» وهو السيف الذي يرمز للقوة العسكرية الرادعة، و«أنفا حميا» أي عزة النفس والكرامة التي ترفض الخضوع والإذلال.
ويرى الشاعر أن اجتماع هذه العناصر الثلاثة هو ما يضمن أن «تجتنبك المظالم»، أي أن الظالم والمعتدي سيفكر مرارا قبل الإقدام على أي عدوان.
ويواصل الشاعر في البيت الثاني تأكيد فلسفته، حيث يرى أن الثروات والمقدرات «المال الممنع» لا يمكن حمايتها إلا بـ«القنا»، أي الرماح والقوة العسكرية، والنتيجة في نظره حتمية، فهي إما أن تعيش عزيزا سيدا «تعش ماجدا» بامتلاكك لهذه القوة، أو أن تنهشك وتفترسك قوى العدوان «تخترمك المخارم».
ثم ينتقل ابن براقة من التنظير إلى التجربة الشخصية، فيؤكد أنه لم يكن يوما من المعتدين البادئين بالظلم، بل كان منهجه الرد بالمثل، فيقول: «وكنت إذا قومٌ غزوني غزوتهم»، ثم يتساءل بلاغة «فهل أنا في ذا يالهمدان ظالمُ؟»، وكأنه يؤكد أن الرد على العدوان ليس ظلما، بل هو حق مشروع.
ويختتم قصيدته برؤية قاسية للسلام، حيث يرى أنه لا يمكن أن يتحقق إلا بعد معارك حاسمة؛ فلا صلح يأتي بالتمني، بل يأتي بعد أن «تقرع الخيل بالقنا وتضرب بالبيض الرقاق الجماجمُ»، أي بعد أن تحسم القوة العسكرية الصراع، وكذلك الأمن، فإنه لا يستتب إلا بعد أن تسحق الحرب العدو سحقًا، «والحروب غواشم».
يشار أن بعض المكتبات الشعرية تنسب هذه الأبيات لعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه.
من هو عمرو بن براقة الهمداني؟
يعرف باسم عمرو بن براق بن عمرو بن منبه النهمي، وهو من قبيلة همدان اليمانية، ويعد أحد أشهر شعراء ما قبل الإسلام، وعُرف بـ«ابن براقة» نسبة إلى أمه، وقد امتد به العمر حتى أدرك الإسلام وعاش إلى زمن خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ووفد عليه في المدينة وكان شيخا كبيرا.
واكتسب ابن براقة شهرته من انتمائه لطبقة «الشعراء الصعاليك»، وهم مجموعة من الشعراء الذين تمردوا على أعراف قبائلهم وعاشوا على الهامش، معتمدين على الغزو والسلب، ولكنهم في الوقت ذاته امتلكوا إحساسا عاليا بالكرامة الفردية والعدالة من منظورهم الخاص.
ورغم شهرته فما وصل إلينا من شعره قليل، ويقتصر على قصيدته الميمية الشهيرة «تقول سُليمى» التي تنتمي إليها هذه الأبيات، وبعض الأبيات المتناثرة.