ما هي مصادر التاريخ الأصلية التي يعتمد عليها المؤرخون؟

يعتمد المؤرخون في مهمتهم الشاقة لإعادة بناء الماضي على أدلة ملموسة تعرف بالمصادر الأصلية أو الأولية، وتعد بمثابة النوافذ المباشرة التي تطل على العصر قيد الدراسة، وبدونها، يظل التاريخ مجرد تخمين.

الركائز الأساسية لتدوين التاريخ

يستند البحث التاريخي إلى أسس مادية وفكرية متنوعة، وعلى الرغم من تعدد هذه الأسس، يمكن حصر أبرز المصادر الأصلية التي يعتمد عليها المؤرخون، في أربع فئات رئيسية هي:

• الوثائق: تشكل الوثائق المكتوبة، وخصوصا الرسمية منها، عصب الدراسات التاريخية، وتشمل هذه الفئة نطاقا واسعا جدا من السجلات التي خلفها الماضي، بداية من المعاهدات السياسية، والمراسلات الدبلوماسية بين الدول، والقوانين والتشريعات، وسجلات الضرائب، وعقود البيع والشراء، كما تمتد لتشمل السجلات الأقل رسمية، مثل اليوميات الشخصية، والرسائل الخاصة، وسجلات المحاكم، والتي توفر رؤية مباشرة حول كيفية إدارة المجتمعات، والنوايا السياسية للقادة، والبنية الاقتصادية، والتفاعلات الاجتماعية التي سادت في تلك الفترة.

• السنة النبوية: تعتبر السنة النبوية، بالنسبة للمؤرخين المتخصصين في التاريخ الإسلامي وتاريخ صدر الإسلام، مصدرا أصليا ذا أهمية قصوى، وهي تشمل كل ما نقل عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، ولا يقتصر اعتماد المؤرخين عليها لاستنباط الأحكام الفقهية فحسب، بل تستخدم كمادة تاريخية ثرية لإعادة بناء ملامح المجتمع في شبه الجزيرة العربية قبل وبعد الإسلام، وتوفر السنة النبوية تفاصيل دقيقة حول تنظيم الدولة، وإدارة المعارك الغزوات، وطبيعة العلاقات الاجتماعية، والتحولات الاقتصادية العميقة التي شهدتها تلك الحقبة التأسيسية.

​​​​​​​

• الآثار: تقدم الآثار البعد المادي الملموس للحياة اليومية للحضارات السابقة، وتشمل هذه الفئة كل ما خلفه الإنسان من أدوات مادية استخدمها في حياته، مثل الأواني الفخارية، والأسلحة، والعملات، والحلي، والأدوات الزراعية، وحتى بقايا الملابس والأثاث، ويستطيع المؤرخ وعالم الآثار، من خلال تحليل هذه البقايا المادية، استنتاج المستوى التقني الذي وصلت إليه حضارة ما، وطبيعة طعامهم، وممارساتهم الدينية مثل التمائم والنذور، وشكل التبادل التجاري كالعثور على فخار صيني في ميناء أفريقي.

• النقوش: تمثل النقوش سجلا خالدا أراد أصحابه له البقاء والدوام، وهي تشمل الكتابات المنقوشة على الأسطح الصلبة كالحجر، أو المعدن، أو جدران المعابد والمقابر، وتستخدم لتوثيق القوانين مثل مسلة حمورابي، أو تخليد الانتصارات العسكرية، أو تسجيل الأنساب الملكية، أو كشواهد قبور.