في سجن المجتمع.. مطلقات يحكين أسرارهن بعد «كلام الناس»
عندما فكرت «هناء» في الطلاق لم تكن مشكلتها الوحيدة أنها فقدت قدسية الرباط في زواج استمر لعدة سنوات فقط، عانت فيها من الخيانة والهجر والضرب، لكن مشكلة أخرى كانت تؤرقها، فماذا سيقول الناس؟ وكيف سيكون رد فعل أهلها؟ وهل ستحظى بفرصة جديدة في الزواج؟ كانت «هناء» تخشى التعرّض للاستغلال والمضايقات في مجتمع يرى الطلاق حقا للرجل، وعارا على المرأة.
أسئلة كثيرة تدور في أذهان السيدات عندما يفكرن في الطلاق. إحداهن تقول لـ«شبابيك»: «لما بتاخدي قرار الطلاق بتبقى الأهوال اللي شوفتيها أسوأ بكتير من كلام الناس. لكن رغم كده بتبقي قلقانة من نظرات المجتمع وعايزة تعرفي هتواجهيهم إزاي؟»
في هذا التقرير من «شبابيك» حكايات لسيدات مطلقات يروين تجاربهن، وما يواجهنه من نظرات المجتمع؛ مع آراء لخبراء يقدمون بعض الحلول لتستيطع المرأة المطلقة مواجهة المجتمع.
الأهل يظلمونها أكثر
لم تتطلق فحسب بل أخذ زوجها كل شيء حتى أولادها، هذا ما حدث مع أمل توفيق (اسم مستعار)، التي تقول: «كانت معاملته ليا فيها كل أنواع الإهانة.. ألفاظ خارجة وضرب.. وبعد الطلاق مامتي معاملتها ليا بقت أسوأ بمراحل. ودايما بتوصفني بالفشل وأن فرطت في زوجي وأولادي وخربت بيتي».
وتضيف «والدتي بقيت تشك في سلوكي وبتضيق عليا في الخروج، وتفتح الباب وتدخل عليا الأوضة فجأة عشان تشوف بعمل إيه، ولو كنت بكلم واحدة من صحباتي البنات وضحكت، بتبقى فاكرة أني بكلم شباب وبضحك معاهم».
تقول استشاري العلاقات الأسرية الدكتورة أسماء مراد إن الأهل يظلمون المرأة المطلقة أكثر من المجتمع بمراحل، ويمارسون جميع الضغوط عليها؛ وبدلا من احتواء ابنتهم وتطييب خاطرها بعد الطلاق، يريدون منها أن تعود لزوجها السابق أو تتزوج «أي جوازة وخلاص» أو ترضخ لهم وتعيش تحت قيودهم وتخدمهم طول حياتها».
الناس تقول علينا إيه؟
سارة أيمن (اسم مستعار لفتاة مطلقة) تحكي قصتها فتقول: «حدثت مشاكل كثيرة بينا بعد ما عدت شهور بعد الزواج وأنا لسه عذراء. رفض يطلقني، وكان بيقول للناس أن المشكلة عندي. وفي الآخر وداني لدكتور بحجة أنه يكشف عليا لكن الدكتور تدخل جراحيا، لفض غشاء البكارة، وبعدين طلقني ومكتفاش بكدا لكنه طلع إشاعات عني أن بتحصلي تشنجات بتؤدي لفشل العلاقة الحميمة عشان معرفش أتجوز تاني».
وتضيف: «بعد الطلاق أهلي حبسوني في البيت حرفيا.. الخروج ممنوع.. الشغل أو الكورسات ممنوعة.. لو ضروري أخرج يبقى لازم حد يكون معايا.. وحجتهم أنت مطلقة والناس كلها عارفة حكايتك وهتقول عليك إيه لما تلاقيكِ داخلة وخارجة».
تقول استشاري العلاقات الأسرية إن: الأهل يحكمون على المطلقة «بالموت بالحياة» لأنهم «بيعبدوا كلام الناس» خصوصا في الأقاليم والمدن الصغيرة.
وحتى لو أظهر بعض الناس تفهمهم لظروف طلاقها، بحسب الدكتورة أسماء مراد، فهو «نوع من النفاق الاجتماعي ومحاولة للظهور بالشكل المثقف المتحضر، لكن في حقيقة الأمر يتحدثون عنها بالسوء من وراءها».
الحب والزواج في الأمثال الشعبية.. كل حاجة والعكس
عبء على الأهل
كانت الأعباء تزيد يوما بعد يوم بعد أن رفض زوج سميرة يوسف الإنفاق على البيت والأطفال. تقول «سميرة»: «بقيت بنزل أشتغل وأنا اللي أصرف على البيت، لكن موقفش الموضوع عند كدا وملقتش أي تقدير والموضوع تطور لإهانة وشتائم وضرب. وده اللي خلا أهلي ميضغطوش عليا عشان أكمل معاه لما قررت الطلاق».
لكن لما رجعت أعيش مع أهلي مرة تانية ورغم أني كنت بشتغل وبصرف على أولادي وعلى نفسي، لكن كنت حاسة أني عبء عليهم، عبء نفسي لأنهم بقوا شايفين أن كده حياتي انتهت ومش عارفين هلاقي فرصة أتجوز تاني ولا لأ. غير العبء المادي لأنك لما بتقعدي في بيت أهلك وحتى لو بتصرفي على ولادك ونفسك، لكن فكرة أنهم حتى يتحملوا مصاريف أكلك كل يوم بيحسوا بيها كعبء عليهم، بعد ما كانوا خلاص شالوا مسؤوليتك».
البنت السهلة
وكان على نسمة وحيد (اسم مستعار) أن تواجه شيئا أكبر من ضغط الأهل؛ تقول «نسمة»: «أنتي مطلقة يبقى كل اللي حواليكِي هيبصولك نظرة البنت السهلة، تبدأ الحكاية أنك زملائك الشباب في الشغل يبدؤوا يتكلموا معاكي أكتر، يطلبوا رقمك بحجة الشغل ويرنوا عليك في أوقات متأخر، وبيتطور الموضوع للتحرش اللفظي. ولو رديتي عليهم ومنعتيهم بأدب بيعتبروا أن ده نوع من التجاوب.. مش بينفع معاهم غير أنك تعامليهم كراجل وتكوني بمنتهى القسوة عشان يحترموكي. ولو المتحرش ده يبقى المدير بتاعك يبقى قدامك طريقين يا تتجاوبي معاه، يا تتطردي من الشغل».
وتعلق «مراد» بأن المجتمع بالفعل ينظر للمرأة المطلقة نظرة سيئة للغاية ويعتبرها مباحة لكونها «مدام ومعندهاش حاجة يتخاف عليها».
لكن الأمر أيضا يتوقف على شخصية المرأة المطلقة، التي يجب أن تضع حدودًا شديدة في التعامل وتفرض شخصيتها القوية، كما تنصح «مراد».
وتضيف «ومرة في مرة تترك انطباعا جادا عند زملائها الرجال. أعرف إحدى السيدات التي حاول أحدهم التلاعب بها لكن حينما وجدها بهذه الجدية احترمها كثيرا وتقدم للزواج منها».
بينها المحمول.. أنواع الزواج وموقع الدين والقانون منها
الزواج لمرة ثانية
تحكي مريم صلاح (اسم مستعار): «تزوجت لمرة ثانية بعد طلاقي الأول. كان من رجل سبق له الزواج ومكنش عنده أطفال، وأعرف بعض السيدات اللي بيفضلوا يتزوجوا بعد الطلاق لكن بتكون معظم الفرص المتاحة فعلا من رجال سبق لهم الزواج».
وتضيف «مريم»: «لو الرجل حسبها بعقله هيرفض يتزوج بامرأة مطلقة، في حالات تانية الرجل ممكن يرتبط عاطفيا ببنت مطلقة وبيتزوجها، لكنها حالات قليلة».
نقطة أمل
تجربة هدى عمرو (اسم مستعار) كانت مختلفة قليلا؛ فهي تسكن في إحدى المناطق الشعبية بالقاهرة، وتؤكد أن شخصية المطلقة هي الفارق الذي قد يحول نظرة المجتمع لها بالإيجاب، وترى أن نظرة المجتمع اختلفت كثيرا عن زمان.
تحكي «هدى»: «اطلقت بسبب خيانة زوجي. مطلبتش الطلاق حتى لما عرفت أنه تزوج وكل اللي كنت عايزاه أنه يعدل بينا. لكنه بقى يتغيب عن البيت بالشهور وميصرفش على البيت وبعدها طلقني».
وتضيف: «زمان كانت المطلقة يبقى اتحكم عليها بالموت.. متخرجيش .. متشتغليش.. متكلميش حد.. لكن لو فيه ثقة بين البنت وأهلها هسيبوها تخرج وتشغل وتعيش حياتها بشكل طبيعي.. وبالنسبة لموضوع الزواج مرة تانية، فهو اتعرض عليا لكن بالمعروف، ولما قولت لوالدتي أن الموضوع منتهي بالنسبة لي مفتحتهوش معايا تاني».
الزواج تحت العشرين.. هكذا تتزوج الفتاة وتظل آنسة
لماذا يظلمون المطلقة؟
النظرة السيئة في حق المطلقة، تفسرها استشارية العلاقات الإنسانية، شيرين عبد العزيز، بأنها ترجع لنظرة المجتمع للمرأة عموما، ففي مجتمع أكثر من 50% منه يعاني الفقر والجهل ستجده ينظر للمرأة نظرة متدنية، ولا يعتبرها إلا وعاء لتفريغ رغباته وإنجاب الأبناء. حتى منذ أن كانت طفلة يتم التفريق بينها وبين إخوتها الذكور وتفضيلهم عليها في المعاملة؛ بل يطلب من الطفلة الصغيرة أن تخدم أخاها وأن تحضر له الشاي أو ترتب له غرفته، فيرتبى الولد على أنه له الأفضلية عن البنت.
وتضيف «عبد العزيز»: «تخيل أن المرأة تذهب لعملها في الصباح لتساعد زوجها في النفقات، ثم تعود لتحضر الطعام وتنظف المنزل، وتذاكر لأولادها، ثم تعتني بجمالها ونضافتها الشخصية وتتفرغ لزوجها.. إحنا كدا عايزين هولاكو مش واحدة ست عشان تعمل كل ده، ولما بتفشل بنجيب الغلط عليها».
وهل هناك حل؟
المرأة بعد الطلاق تتحمل أخطاءها وأخطاء زوجها معا. ويصبح الحمل عليها ثقيلا جدا؛ لكنه «مش آخر الدنيا» كما تقول «عبد العزيز»، التي تضيف: «أعرف نماذجا لسيدات رفضن الاستسلام بعض الطلاق وواجهن نظرة المجتمع الظالمة ونظرات اللوم بالعمل والتحدي والتطوير من أنفسهن والنجاح في العمل والنجاح في تربية الأبناء وتوفير حياة أفضل لهم مما كانوا يعيشونها قبل الطلاق. فالطلاق ليس نهاية الحياة ولكنه نهاية مرحلة وبداية مرحلة جديدة تصفها عبد العزيز بـ«أنت اللي بتحددي المرحلة دي هيكون شكلها إزاي».
نظرة المجتمع تتحول
لكن استشارية العلاقات الإنسانية شيرين عبد العزيز ترى أن نظرة المجتمع بدأت تتحول لصالح المرأة المطلقة.
وتقول: «الوعي زاد بحقوق المطلقات عما قبل لكنه لايزال قليلا؛ فبعض الفئات المثقفة أصبحت تحترم المرأة المطلقة وتقدر ظروفها، بسبب أن المرأة استطاعت أن تفرض نفسها على المجتمع بقوة شخصيتها نجاحها في عملها وتحملها للمسؤولية، وبسبب ازدياد وعي الناس بقضية الطلاق، أصبحوا يرون أن العيب قد يكون في الرجل أيضا لا في المرأة فقط».
