رئيس التحرير أحمد متولي
 الشتيمة بالأم جت منين؟.. حكاية الأنوثة في مصر من الفخر للإهانة

الشتيمة بالأم جت منين؟.. حكاية الأنوثة في مصر من الفخر للإهانة

في الثقافة الشعبية وضع المصري المرأة والأم تحديدا في مكانة عالية تصل لحد التقديس، لكنه الآن معروف بربط الكثير من «الشتائم الخارجة» باسم الأم، بغرض الإهانة الشديدة أو المزاح بين الأصدقاء على السواء، وهو ما يعتبره المدافعون عن حقوق المرأة دليلا على تدني نظرة المجتمع للمرأة.

لكن المصري نفسه يلحق كل ما هو جميل بوصف أنثوي، فنجد في المزارع يصف نوع من أجود أنواع العنب أو الجوافة بالـ«العنب البناتي» أو «الجوافة البناتي»، وعلى الجانب الآخر نجد أنه في المثل الشعبي الحظ السيء هو «حظ دكر»، وهذا تناقض يحتاج إلى تفسير.

الأنوثة كانت صفة مدح

في قديم الزمان كان المصري القديم يعتبر الأنوثة صفة مدح لأنها ارتبطت عنده بالخصوبة والخير؛ كما يقول الشاعر والباحث في التراث المصري، محمد شحاته العمدة؛ فالمرأة هي التي تنجب الأطفال وترعاهم، وهي الوسيلة الوحيدة لاستمرار المجتمع وحمايته من الانقراض.

وفي الحيوانات أيضا ارتبطت صفة الأنوثة بالخير وإدرار اللبن، وفي النبات كان الفلاح عندما يريد وصف النبات بأنه كثير الثمر، فيطلق عليه وصف «بناتي»، فالعنب البناتي هو العنقود المليء بالحبات الكبيرة التي تتزاحم بجوار بعضها البعض، والتي تكون جميلة المنظر واللون أيضا، وهي دلالة على الوفرة والخصوبة.

حكاية شعبية أخرى يحكيها «العمدة» بأنه في قديم الزمان عندما كان الفلاح يزرع النخل الذي ينقسم في الجنس إلى نخلة ذكر لا تطرح الثمار، ونخلة أنثى تطرح الكثير من الثمر؛ فإن الفلاح يتعشم أن تكون نخلته أنثى تطرح له الكثير من الثمر. وبعد سنوات كثيرة من الصبر والعناية بالنخلة، وعندما يفاجأ الفلاح بأنها لا تطرح الثمر، فإنه يقول إن «حظه دكر» أي أن حظه سيء لأن نخلته لا تطرح الثمر، وضاع مجهوده «على الأرض».

الباحث في التراث المصري يقول لـ«شبابيك» إن الصفات التي التصقت بالمرأة أو بالأنثى عموما، مثل الخصوبة، والإنجاب، والرضاعة كانت قديما صفات مدح ودليل على الوفرة والخير؛ لكن مع تغير المجتمعات وتغير القيم، تحولت هذه الصفات إلى وسيلة ذم وانقاص من شأن المرأة.

الذكورة صفة مدح وذم أيضا

في ثقافة الشعبية فالأنثى هي رمز للعطاء والأمومة والحنان، لذلك وصف المصري الحظ السيء بالـ«دكر» لأن الذكر في الإنسان لا ينجب الأطفال أو يرعاهم؛ والذكر في النبات هو الذي لا يعطي الثمر؛ كما يشرح رئيس قسم علم الاجتماع بجامعة الفيوم، الدكتور عبد الحميد زيد.

وفي المقابل استخدم المصري صفة الذكورة لكل شيء له علاقة بالشدة والخشونة، كما يقول «زيد» لـ«شبابيك»، فوصف أحد أنواع اللبان، بـ«اللبان الدكر»، بسبب صلابته ومرارة طعمه، وهي صفات تدل على الشدة مثل صفات الرجال.

من أين ظهرت الشتيمة «بالأم» إذًا؟

«الشتيمة بالأم» أو تحول الأنوثة من صفة مدح لصفة ذم؛ شيء عرفته مجتمعات كثيرة في قديم الزمان مثل العرب والأوروبيين والأمريكيين، لكن في مصر تحديدا، يقول الباحث في التراث المصري محمد شحاتة العمدة إن المرأة عاشت أزهى عصورها في الدولة المصرية القديمة، ولم تتقلد فقط أرفع المناصب، بل كانت هناك آلهة من النساء مثل الآلهة «ماعت» آلهة العدل.

وعندما دخلت على المجتمع المصري ثقافات أخرى تستعبد المرأة وتسترقها، تدنت مكانة المرأة في المجتمع، واعتبروها وسيلة لمتعة الرجال وتسليتهم وكانت تباع وتشترى، وهنا تحولت صفات الخصوبة التي ارتبطت بالمرأة إلى مدعاة للإهانة نتيجة لتغير القيم في المجتمع.

المساس بأكثر شيء مقدس

ولأن المرأة في ثقافة المصري القديم كانت رمزا للخير، وكانت الأم تحديدا لها مكانة كبيرة في النفوس يضعها الإنسان في مكانة أعلى من الأب، وتصل لحد التقديس، فقد كان القصد من ربط الشتائم باسم الأم، هو انزال الإهانة البالغة بالشخص الآخر، والمساس بأكثر شيء قد يجرح كرامة الإنسان وهو اسم والدته، كما يقول أستاذ علم الاجتماع عبد الحميد زيد.

 وظهرت هذه الطريقة من الشتائم قديما جدا، لكنها كانت محدودة للغاية، وكانت غير مقبولة اجتماعيا، والتلفظ بها كان يعتبر عيبا شديدا قد تسيل فيه الدماء.

الشتائم وازدواجية المجتمع

ومع تغير المجتعات، لم يعد ربط الشتائم باسم الأم هو شيء تسيل له الدماء، ولم يعد عيبا من الأساس بين الكثير من الشباب؛ وأصبحت سمة للشاب «المودرن» كما يرى استشاري الصحة النفسية، الدكتور محمد هاني.

فهناك شيء محير يحيط بهذا النوع من الشتائم، فكيف يتقبل الإنسان الذي يضع والدته في مكانة مقدسة أن يتبادل هذه الشتائم اللدنيئة بين أصدقاءه ولو على سبيل «الهزار»؟

مواقع السوشيال ميديا تبدو متهما رئيسيا في نظر «هاني»، فالشاب الذي لم يتعود على استخدام الشتائم مطلقا، سيجد على مواقع التواصل الاجتماعي، شتائم بأقذع الألفاظ تقال في العلن؛ فيظن أن الشتائم هي شيء عادي.

«التعود على الشتيمة»، في نظر الطبيب النفسي، هو السبب الأول الذي يُسقط دلالة هذه الشتائم القاسية، ليعتبرها الشباب نوعا من التفاخر؛ خاصة مع سخرية الأصدقاء من الشباب الذي لا يتلفظ بهذه الشتائم التي يعتبرونها جزءا من «الروشنة» مثل تدخين السجائر أو إقامة علاقات مع الفتيات.

لا يقصدون الأم نفسها

ألفاظ أو شتائم أخرى قد ترتبط بذكر الأم، ويعتبرها البعض «خارجة» لكن الشاعر محمود عبد الرازق جمعة يؤكد أنه في بعض الحالات قد لا يكون مقصودا منها الأم نفسها.

يفسر «جمعة»: «كلمة الأم في الوجدان المصري لها معنيان وطريقتان في الاستعمال، الأولى عندما ننطق الهمزة ونشدد عليها، ولا يكون المقصود بها الأم نفسها لكن الشخص نفسه، مثل كلمة «حِلّ عن دماغ أمي» فالمقصود هو «حلّ عن دماغي».

الحالة الأخرى التي يصفها «جُمعة» هي عندما لا تكون الهمزة همزة وصل أي لا نطق الهمزة في الكلمة؛ ويكون مقصودا منها الأم نفسها؛ مثل كلمة «روح امك» و«حيلة امك». والمقصود هنا يُقصد أنه «دلّوع ماما» لأنه «روحها» أو «قلبها» أو «حيلتها» أو «عينها» أو «كبدها».. وبالمثل في الشتائم التي يُسقبح ذكرها.

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال