رئيس التحرير أحمد متولي
 فطين عبد الوهاب.. سينما الكوميديا الراقية والبساطة

فطين عبد الوهاب.. سينما الكوميديا الراقية والبساطة

مكتبة ضخمة لشقيقي "حسن" المحب للسينما جعلتني عاشقا لهذا العالم".. هكذا وصف رائد الكوميديا فطين عبد الوهاب سر عشقه للسينما، والتي قدم لها حوالى 57 فيلما من روائعها.

الحدوتة

في سينما فطين عبد الوهاب، تحتل الكوميديا المقام الأول، فهو المخرج الذي امتلك رصيدا كبيرا من الأفلام الكوميدية التي نالت إعجاب أجيال كاملة، ما جعله يستحق عن جدارة لقب "رائد الكوميديا الراقية"، والنابع من إتقانه فن صنع الكوميديا المعتمدة على الموقف، وليست تلك التي تعتمد على "الإفيهات" بهدف الإضحاك فقط.

وغالبا ما تكون تلك الكوميديا مغلفة بإطار رومانسي في قالب قصة عاطفية تجمع بين ثنائي محب أو متزوج، ليصنف البعض أفلامه بـ"الكوميدية الرومانسية" أيضا.

"فطين" مؤلفا

قام فطين عبد الوهاب بتأليف قصة فيلم "إسماعيل يس في البوليس" من إنتاج عام 1956، كما كتب له السيناريو والحوار كذلك، وقام بإخراجه أمام الكاميرا. وكتب السيناريو والحوار لأربعة من الأفلام التي أخرجها، وهم "جوز الأربعة" من إنتاج عام 1950، وفيلمي "كلمة الحق" و"عبيد المال" من إنتاج عام 1953، وفيلم "نهارك سعيد" من إنتاج عام 1955.

وكتب "عبد الوهاب" السيناريو فقط لفيلميه "إسماعيل يس في بيت الأشباح" من إنتاج عام 1951، و"إسماعيل يس في الجيش" من إنتاج عام 1955.

الأسلوب الإخراجي:

  • نجوم التراجيديا

أحب "عبد الوهاب" مغامرة إعطاء أشهر نجوم التراجيديا فرصة تجسيد الأدوار الكوميدية بداخل أفلامه السينمائية، وهو الأمر الذي لم يتوقعه جمهور هؤلاء النجوم، وقد لاقت تلك الأعمال نجاحا كبيرا، عندما تفوق هؤلاء النجوم في تجسيد الأدوار الكوميدية، لتبقى الأشهر في تاريخهم الفني لدى جمهورهم المحب.

وكانت أبرز تلك التجارب الفنية اشتراك عميد المسرح العربي يوسف وهبي في أفلام "إشاعة حب" من إنتاج عام 1959، و"اعترافات زوج" من إنتاج عام 1964، وظهور سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة كبطلة لفيلم "الأستاذة فاطمة" من إنتاج عام 1952، واشتراك عبقري الأداء الفنان محمود المليجي في فيلم "امسك حرامي" من إنتاج عام 1958.

  • الرمزية

لجأ "عبد الوهاب" إلى استخدام الرمزية بأسلوب بسيط بهدف الكوميديا كذلك، وذلك من خلال إظهار بعض المواد البصرية التي تتناقض مع الجمل الحوارية، أو من خلال جملة حوارية لترمز إلى معنى بالنفي، ليتبعها تصرف بالإيجاب لا النفي، مثل جملة الفنان عبد القصري الشهيرة في فيلم "ابن حميدو" من إنتاج عام 1957: "كلمتي ماتنزلش الأرض أبدا".

  • الاهتمام المرأة

كما وجه مخرج الكوميديا اهتماما كبيرا نحو مكانة المرأة بداخل أفلامه السينمائية، وظهر ذلك بداية من أول تجاربه في كتابة السيناريو والحوار والإخراج في فيلم "جوز الأربعة"، مرورا بأفلام "الأستاذة فاطمة" و"الزوجة 13"، ووصولا إلى أفلام "مراتي مدير عام" من إنتاج عام 1966، و"كرامة زوجتي" من إنتاج عام 1967.

  • الاستعراضات الغنائية

ومثلما كان "عبد الوهاب" رائدا في الكوميديا، فكان رائدا في الاستعراضات الغنائية كذلك، والتي ظهرت في أفلام كثيرة له، مثل استعراض "يا حضرات المستمعين" من فيلم نهارك سعيد، واستعراض عالرملة من فيلم "فرقة المرح" من إنتاج عام 1970، والاستعراض الراقص الشهير بفيلم "الزوجة 13" من إنتاج عام 1962، وأوبريت "عروس النيل" من الفيلم الذي يحمل الاسم ذاته من إنتاج عام 1963.

ودفعه تفوقه في إخراج الاستعراضات الغنائية إلى عمل فيلم موسيقي، أشبه بالأفلام العالمية؛ احتلت فيه الأغاني والاستعراضات الموسيقية الجزء الأكبر من الفيلم عوضا عن الجمل الحوارية، وهو فيلم "أضواء المدينة" من إنتاج عام 1972، والذي وصل عدد الأغاني والاستعراضات الغنائية والموسيقية بداخله إلى حوالي 10 أغاني، وقد لاقى الفيلم نجاحا كبيرا.

  • تجربة الفيلم ذو الـ3 قصص

وكان فيلم "البنات والصيف"، من إنتاج عام 1960، هو التجربة الأولى لـ"رائد الكوميديا" في إخراج فيلم واحد يحتوي على ثلاثة قصص مختلفة، وكانت القصة الثالثة، من بطولة العندليب الأسمر عبد الحليم حافظ، هي تلك التي قام "عبد الوهاب" بإخراجها.

وقد كرر "عبد الوهاب" تلك التجربة في فيلم "3 لصوص" من إنتاج عام 1966، حين أخرج القصة الأولى من الفيلم، والتي قام ببطولتها صلاح ذو الفقار وهند رستم.

  • فنتازيا وتراجيديا ورومانسية خالصة

وعلى الرغم من أن أغلب أفلام "عبد الوهاب" تقع تحت تصنيف الكوميديا، إلا أنه لجأ إلى تجربة إخراج الأفلام الفنتازية كذلك، والتي بالطبع كانت كوميدية في المقام الأول، وهم: "الآنسة حنفي" من إنتاج عام 1954، والذي ظهر فيه رجل يصاب بمرض يجعله يتحول إلى امرأة، و"الفانوس السحري"، من إنتاج عام 1960، والذي يفاجأ به رجل بظهور عفريت له ليعمل على تحقيق أمانيه، و"عروس النيل"، والذي تظهر فيه فتاة من عصر الفراعنة إلى رجل يعمل في مجال عمليات تنقيب البترول، و"أرض النفاق"، من إنتاج عام 1968، والذي ظهرت فيه فكرة صنع حبوب لجميع أنواع الأخلاق.

ذلك بجانب بعض الأفلام التراجيدية التي قام بإخراجها "عبد الوهاب"، ومنها: "الأخ الكبير" من إنتاج عام 1958، و"عندما نحب" من إنتاج عام 1967. كما أخرج رائد الكوميديا أفلام رومانسية خالصة مثل "الغريب" من إنتاج عام 1956، و"نساء في حياتي" من إنتاج عام 1957.

  • نهايات سعيدة

كما حرص "عبد الوهاب"، أن تكون نهايات أغلب أفلامه سعيدة، ما يسبب حالة من الراحة النفسية لدى المشاهد، وتدفعه إلى التمسك بالأمل، وعدم الاستسلام للأزمات، وذلك تتويجا للكوميديا التي كان يبرع في تقديمها بداخل أفلامه السينمائية.

دويتوهات فنية

أخرج رائد الكوميديا حوالي 15 فيلما من أشهر الفنان إسماعيل يس، ومنهم "كلمة الحق" و"إسماعيل يس في بيت الأشباح"، وفيلم الفنتازيا الكوميدية "الآنسة حنفي"، والذي اعتبره كثيرون بمثابة النقلة الحقيقية والأكثر تطورا لـ"سمعة" في مجال الكوميديا، وفيلم "إسماعيل يس في الجيش" "إسماعيل يس في البوليس" و"ابن حميدو"، وفيلم "إسماعيل يس في الأسطول" من إنتاج عام 1957، و"إسماعيل يس بوليس حربي" من إنتاج عام 1958، و"امسك حرامي"، وفيلم "إسماعيل يس بوليس سري" من إنتاج عام 1959، وفيلمي "إسماعيل يس في الطيران" و"العتبة الخضراء" من إنتاج عام 1959، وأفلام "حلاق السيدات" و"الفانوس السحري" و"حايجننوني" من إنتاج عام 1960، وفيلم "الفرسان الثلاثة" من إنتاج عام 1962.

وبجانب الدويتو مع "سمعة"، أخرج "عبد الوهاب" مجموعة أفلام للثنائي المحبوب فؤاد المهندس وشويكار، لتبقى أكثر أفلامهما التي حازت على إعجاب الجمهور، وهم: "اعترافات زوج"، وفيلم "أنا وهو وهي" من إنتاج عام 1964، وفيلم "أرض النفاق".

وهو الأمر ذاته الذي حدث مع الثنائي شادية وصلاح ذو الفقار، فبعد أن أخرج محمود ذو الفقار فيلمهما الرومانسي "أغلى من حياتي" عام 1965، أظهرهما "عبد الوهاب" في قالب سينمائي مختلف مزين بالكوميديا في أفلام "مراتي مدير عام" و"كرامة زوجتي"، وفيلم "عفريت مراتي" من إنتاج عام 1968.

وكذلك خلق "عبد الوهاب" من رشدي أباظة وشادية دويتو محبوب وناجح جدا في فيلمي "الزوجة 13"، وفيلم "نصف ساعة جواز" من إنتاج عام 1969، ولرشدي أباظة ولبنى عبد العزيز في فيلمي "أه من حواء" من إنتاج عام 1962، وفيلم "عروس النيل".

فطين عبد الوهاب مخرج مصري من مواليد 22 نوفمبر عام 1913، أخرج للسينما المصرية حوالي 57 فيلما من أشهر روائعها الكوميدية. كما أنه اشتهر بخفة ظله التي ظل يتمتع بها حتى أخر أيام حياته؛ حيث كتب في آخر أيامه رسالة للموت يقول له فيها: "عزيزى الموت، أريد أن أسألك سؤالا واحدا وأموت.. متى تموت؟". وتوفى رائد الكوميديا في شهر مايو من عام 1972، وهو نفس الشهر الذي توفي فيه صديقه "سمعة"، بعده بعدة أيام.

أماني عماد

أماني عماد

صحفية مهتمة بمجال الفنون والثقافة.. تهوى الكتابة عن السينما والأفلام، بجانب كتابة سيناريوهات أفلام واسكتشات وقصص قصيرة.