داوود عبد السيد.. سينما تتعمق في أحلام الطبقة الوسطى
حالات سينمائية مختلفة تحتوي على جرعة مكثفة من المشاعر الإنسانية، يتفنن في صنعها لتعبر بدورها عن أحلام الطبقة الوسطى، الذي يعتبر هو أحد أبنائها، ما جعله يلقب بـ"فارس الإخراج السينمائي". هكذا اشتهر المخرج السينمائي داوود عبد السيد.
الحدوتة
- الطبقة الوسطى
أعطى فارس الإخراج اهتماما كبيرا للطبقة الوسطى، ظهر في جميع أفلامه السينمائية، وذلك لكونه من أبناء تلك الطبقة، تأثر بها وحرص على رصد حكايات المنتمين إليها بداخل أفلامه التسجيلية التي سبقت تلك الروائية الطويلة.
ففي فيلم "البحث عن سيد مرزوق" من إنتاج عام 1991، ناقش تخلي الطبقة الوسطى عن الاهتمام بالسياسة بأوامر من النظام الحاكم، لينتقل اهتمامها إلى أمور أخرى. وفي فيلم "أرض الخوف" من إنتاج عام 2000، تناول فكرة تجهيزها لمهمة معينة، ثم التخلي عنها تماما وتجاهلها لاحقا.
وفي فيلم "مواطن ومخبر وحرامي"، تناول فكرة محاوطة المواطن بالفساد من جميع الاتجاهات.
- حالات إنسانية
واستطاع "عبد السيد" أن يخلق من كل فيلم سينمائي له حالة إنسانية من الدرجة الأولى، تناقش مشاعر الإنسان وصراعاته الداخلية والخارجية، وتخبط حالاته المزاجية وفقا للظروف التي يمر بها، مع إلقاء الضوء على تناقضات المشاعر التي يمر بها بين الوحدة والخوف واليأس والتمسك بالأمل وغيرها، ولذلك فجميع أفلامه تخاطب الوجدان أولا، ما تجلى في أفلام "الكيت كات" و"أرض الخوف" و"أرض الأحلام" و"رسائل البحر".
وفي جميع تلك الأفلام، اهتم "فارس الإخراج" بالشخصية في المقام الأول، وحرص على إبراز مفهوم "الإنسان"، فهو ليس ذلك الملاك المعصوم من ارتكاب الأخطاء، بل هو الأقرب إلى ارتكاب الأخطاء والتصالح معها أحيانا، والاعتراف بها في أحيان أخرى كثيرة، ففي فيلم أرض الخوف، يظهر "المعلم هدهد" وهو مؤمن بتجارة المخدرات بشكل كامل، معتقدا أنها سببا في سعادة الناس، أما في فيلم "الكيت كات"، يبرر "الشيخ حسني" حبه للحشيش، قائلا بأنه عزائه الوحيد لتكملة الحياة في ظل فقدان بصره، خاصة بعد وفاة زوجته.
- أحلام بسيطة
وأبرز "عبد السيد" أحلام تلك الطبقة بقوة في جميع أفلامه، وتعمد إظهار كيف أصبحت محطمة بفعل الظروف المحيطة، على الرغم من بساطتها. واتضح ذلك من خلال رائعته السينمائية "الكيت كات" من إنتاج عام 1991، من خلال أحلام "الشيخ حسني" البسيطة" بقيادة موتوسيكل فقط بالرغم من كونه ضرير، وحلم ابنه "يوسف" أو "شريف منير" بالسفر إلى الخارج، وحلم ابنة الحي "فاطمة" أو عايدة رياض بالحصول على حقها في قصة حب جميلة.
كما اتضح ذلك في فيلم أرض الأحلام من إنتاج عام، حيث تحلم "نرجس" أو "فاتن حمامة" باليوم الذي ستعيش فيه مع أولادها في أمريكا، ولكنها تفقد جواز السفر الخاص، فتبدأ رحلة البحث عنه. وظهر ذلك أيضا في فيلم رسائل البحر، حين عبر "يحيى" أو "آسر ياسين" عن حلمه بأن يتحدث مع غيره دون تعلثم في الكلام.
"عبد السيد" مؤلفا
ولكي يبرز جميع تلمك المعاني بداخل أفلامه، قام "عبد السيد" بتأليف قصة أول أفلامه "الصعاليك"، بجانب كتابته القصة والسيناريو والحوار لأفلام "البحث عن سيد مرزوق" و"أرض الخوف" و"مواطن ومخبر وحرامي" و"رسائل البحر" و"قدرات غير عادية".
ذلك بجانب كتابته السيناريو والحوار لفيلمه "الكيت كات"، والذي اقتبس قصته من رواية إبراهيم أصلان "مالك الحزين"، ولفيلمه "سارق الفرح"، والذي ألف قصته خيري شلبي.
الأسلوب الإخراجي
- التصوير بداخل الاستوديو
فضّل "عبد السيد" التصوير بداخل الاستوديوهات الفنية في أغلب أفلامه الفنية، وحرص على تزيينها بديكور يقترب للغاية إلى الواقع الذي يريد أن ينقله أمام الكاميرا، لدرجة أنه كان يتمنى لو كان "الميناء" بداخل الاستوديو أثناء تصويره أول أفلامه "الصعاليك" من إنتاج عام
- الكادرات الواسعة
ومن خلال استخدامه للكادرات السينمائية الواسعة، استطاع "عبد السيد" أن يبرز علاقة الشخصية بالمكان من حولها، وتجلى ذلك في أفلام "الكيت كات" و"ارض الخوف".
- الرمزية
وفي عالم "عبد السيد" السينمائي، تحتل الرمزية مكانة كبيرة في جميع أفلامه، وتجلت تلك الرمزية في فيلمه "أرض الخوف"، بداية من اختيار أسماء الشخصيات التي ترمز إلى أسماء جاءت في الكتب السماوية مثل: "آدم" أو "أحمد زكي"، إلى "موسى" أو عبد الرحمن أبو زهرة، و"هدهد" أو حمدي غيث. ذلك بجانب التفاحة التي قطم منها "زكي"، والتي ترمز إلى تغيير حياته منذ تلك اللحظة تماما مثل "آدم" التي تغيرت حياته إلى الأبد بعد أن قطم قطعة من التفاحة التي نهاه الله عن الاقتراب منها.
وكانت الرمزية حاضرة بقوة كذلك في فيلم الكيت كات، وخاصة في مشهد وفاة "عم مجاهد" أو الفنان أحمد سامي عبد الله، وذلك حين اتسع الكادر السينمائي، ليظهر "الشيخ حسني" أو الفنان محمود عبد العزيز، وحيدا في ممر ضيق، ما يدل على الاختناق.
دويتوهات فنية
وفي أفلامه السينمائية، شكل فارس الإخراج دويتو فني مع مؤلف الموسيقى التصويرية "راجح داوود"، والذي ألف الموسيقى التصويرية لجميع أفلام "عبد السيد" السينمائية، لتصبح من أكثر الأشياء التي تميز أفلام الأخير، وتظل مرتبطة في أذهان الجمهور بالفيلم الخاص بها.
وكذلك استعان "عبد السيد" بمهندس الديكور "أنسي أبو سيف" لعمل الديكور لحوالي 6 من أفلامه السينمائية.
داوود عبد السيد مخرج مصري، ولد في 23 نوفمبر 1946، أخرج للسينما المصرية 9 أفلام من أفضل ما أنتجت، استحق بفضلها أن يلقب بـ"فارس الإخراج السينمائي" الذي حاول استعادة أهمية الطبقة الوسطى من خلال أفلامه السينمائية.