رئيس التحرير أحمد متولي
 تسلسل تاريخي..  حكايات تجنيد المصريين من الفراعنة لمحمد علي

تسلسل تاريخي.. حكايات تجنيد المصريين من الفراعنة لمحمد علي

كانت مصر أول من عرفت الجيوش النظامية في العصر القديم؛ وكانت أيضا أول من عرف بنظام التجنيد الإجباري.

الفراعنة وتوحيد الجيوش

 فمنذ توحيد الملك مينا لمصر وقد كانت هناك حاجة شديدة لتوحيد الجيوش الصغيرة الخاصة بكل إقليم في جيش واحد قوي.

كانت مهمة الجيش في البداية هي الدفاع فقط  ومع توافد المحتلين من فرس وهكسوس على مصر تحولت مهمة الجيش من الدفاع للهجوم والحفاظ على هيبة الدولة.

وكان الحشد للجيش إجباريا في حالة الحرب فقط. أما في حالة السلم فكانت مصر القديمة أول دولة تجعل من العسكرية مهنة خالصة يختارها الفرد بإدراته ويتفرغ لها  طوال حياته كأي مهنة أخرى،  فلا يكون الجيش قائما على فكرة الحشد في وقت الحروب أو على المرتزقة.

الرومان والخوف من تجنيد المصريين 

وبعد انتهاء زمن الفراعنة  وتعرض مصر لموجات عديد من الاحتلال، كان المحتل يتعمد إقصاء المصريين من الجيش.

الرومان على سبيل المثال استقدموا لمصر العديد من الحاميات الرومانية، ومنعوا المصريين من الانضمام للجيش حتى لا يشكلوا خطرا على الدولة الرومانية.

وبعد الحكم الإسلامي ظل المصريون بعيدون عن الجيش بشكل كبير، فكان الحكام يختارون حرسهم الخاص وجنودهم من المماليك والشراكسة والصقالبة الذين تقلدوا أرفع المناصب القيادية واستطاعوا الوصول للحكم لقرون.

محمد علي باشا

ظل المصريون بعيدون عن الجيش حتى عصر محمد علي باشا فقد تأسس جيش مصري قوي من ضمن الإصلاحات التي يسعى لها محمد علي باشا في دولته الحديثة.

 بدأ محمد علي باشا إصلاحلاته في الجيش بتأسيس أول مدرسة حربية لتدريب الضباط عام 1820.

 لكنه لم يكن  يريد للجيش أن يكون قوامه من الضباط المماليك الذين عرف عنهم عدم الولاء وميلهم للتمرد على الحاكم.

كان محمد علي باشا يتخوف من فكرة تجنيد المصريين، فمصر في هذا الوقت كانت دولة زراعية بامتياز، وانضمام المصريين للجيش يعني انصرافهم عن الزراعة.

السبب الثاني من منعه تجنيد المصريين هو عدم اعتيادهم على الخدمة العسكرية التي حرموا منها لعهود طويلة، بالإضافة لتخوفه من غضب كبار جنرالات الجيش من المماليك والشراكسة.

كاسترو وقصة نجاح الثورة الكوبية في سطور

من رفض العسكرية للتفاخر بها

كان التجنيد المصريين في عهد محمد علي باشا  إجباريا ويتم في صفوف الفلاحين فقط. واستقدم محمد علي سليمان باشا الفرنساوي لتدريب الجيش المصري خصيصا.  

وكانت الخدمة العسكرية مفتوحة وغير مقررة بسنوات معينة. هذا دفع الكثير للتهرب من الجيش بإحداث عاهات في أنفسهم بقطع بعض الأصابع أو فقئ أعينهم.

 لكن محمد علي أصدر قرار باعتقال كل من يساعد هؤلاء على الهرب، ولم تشفع هذه العاهات التي أحدثوها لأنفسهم في تهربهم من الخدمة العسكرية؛ فقد أصر محمد علي باشا على انضمامهم للجندية ولو بالعمل على السفن الحربية وفي أمور لا تمت للعسكرية بصلة.

لكن رغم كل هذا فقد نجحت تجربة تجنيد المصريين لأبعد حد. فالمصري الذي كان متخوفا من الانتظام في الجيش، أصبح يتفاخر بأنه جزء من جيش محمد علي باشا، وندّا للمجندين المماليك والشراكسة.

قوانين لتخفيف التجنيد الإجباري

ورغم الإنجازات الكبيرة التي حقهها الجيش المصري في عهد إبراهيم باشا، مثل الحملة المصرية ضد السعودية وحرب السودان والحملة المصرية العثمانية الأولى والثانية؛ لكن كان لابد من قوانين تنظم التجتنيد الإجباري.

جاءت هذه الإصلاحات في عهد محمد سعيد باشا الذي حدد متوسط مدة التجنيد بعام واحد. كما فتح باب الترقي للجنود المصريين، وجعل التجنيد إلزاميا بالسن. كما ضم أبناء الأعيان للتجنيد بعد أن كان إجباريا فقط على الفلاحين.

واستمر وضع الجيش المصري بالتحسن حتى عهد الخديو إسماعيل الذي اهتم برفع كفاءة الجيش واستقدام الضباط الأجانب ليدربوا الضباط المصرين حتى وصل الجيش المصري لمستوى الجيوش الحديثة في ذلك الوقت.

الشتيمة بالأم جت منين.. حكاية الأنوثة في مصر من الفخر للإهانة

إلغاء الجيش المصري

لكن هذه الإصلاحات بدأت تتراجع في عهد الخديوي توفيق الذي وجد أن الجيش المصري أصبح ندا له يحاسبه على كل صغيرة وكبيرة؛ بسبب التدخل الأجنبي في مصر والتمييز ضد الضباط المصريين وتفضيل الأتراك والشراكسة.

وبعد اندلاع الثورة العرابية ثم المواجهة بين الجيش المصري والإنجليزي في معركة التل الكبير، ثم هزيمة الجنود المصريين عام 1882، أصدر الخديوي توفيق برعاية بريطانيا قرارا بإلغاء الجيش المصري، واستبداله بجيش نظامي صغير مكون من 18 ألف جنديا فقط، وبشرط أن تكون المناصب القيادية فيه للضباط الإنجليز دون المصريين.

التجنيد الإجباري في الدستور

وبعد المعاهدة البريطانية المصرية عام 1936 في عهد الملك فاروق التي اقتضت بسحب جميع القوات البريطانية من مصر باستثناء قوات حماية قناة السويس؛ بدأ الجيش المصري في استعادة سيطرته مرة أخرى، خاصة مع تصاعد الحركات الوطنية المناهضة للإنجليز ووجود قواتهم في منظقة القنال.

وما بين العديد من الإصلاحات والحروب التي خاضها الجيش المصري بعد جلاء الإنجليز وسقوط الملكية.. ظلت قوانين التجنيد الإجباري حاضرة بقوة على مدى هذه العصور وترفض المؤسسة العسكرية المساس بها؛ مع ظهور العديد من الحركات التي تدعو لإلغاء التجنيد الإجباري في مصر.

تنص عليه المادة «86» من دستور 2014 بأن: «الحفاظ على الأمن القومى واجب، والتزام الكافة بمراعاته مسئولية وطنية، يكفلها القانون. والدفاع عن الوطن، وحماية أرضه شرف وواجب مقدس، والتجنيد إجبارى وفقًا للقانون».

المهدي المنتظر.. المخلص الذي تنتظرة الأديان السماوية وينكره هؤلاء

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال