رئيس التحرير أحمد متولي
 روشتة علاج.. كيف تتجاوز صدمة الانفجارات وحوادث العنف؟

روشتة علاج.. كيف تتجاوز صدمة الانفجارات وحوادث العنف؟

مواقف مؤلمة قد يتعرض لها كثيرون منا وتؤثر على استمرار حياتهم بالشكل الطبيعي؛ تأخذ هذه المواقف طابعا عنيفا، مثل التواجد في محيط الانفجارات أو المظاهرات الدامية أو غيرها من الحوادث العنيفة، التي تشكل صدمة نفسية او تخلق فوبيا من نوع خاص.

فمن الشعور بعدم الأمان وأن كارثة ستحدث في أي موقف، إلى استرجاع هذه الحوادث لحظة بلحظة بشكل يمثل ضغطا وتوترا نفسيا شديدا، إلى اعتزال العمل أو حتى الخوف من الخروج للشارع أو التجمعات المزدحة.. وغيرها مشاكل كثيرة تواجه من تعرضوا لمثل هذه المواقف العنيفة.. فهل هناك حل؟

فوبيا «الصواريخ»

كان رأفت مصطفى (اسم مستعار) في قلب الأحداث التي تلت ثورة الخامس والعشرين من يناير، أحداث محمد محمود ثم مجلس الوزارء.. ضرب بالغاز المسيل للدموع وإطلاق الخرطوش على المتظاهرين؛ حتى أصيب هو نفسه بقنبلة غاز أطلقها أحد رجال الأمن على قدمه من مسافة قريبة.

لم يعلم مصطفى الذي يعمي صحفيا أنه هذه الأحداث قد أثرت عليه نفسيا، إلا في أول شهر رمضان بعد الأحداث الدامية؛ يحكي مصطفى لـ«شبابيك»: «كانت أشوف الأطفال بيلعبوا بالصواريخ في رمضان، ولقيت نفسي بتخض لدرجة أني بنتفض في الشارع لو شوفت الشرارة بتاعة الصواريخ والألعاب النارية أو حتى لو سمعت الأطفال بيلعبوا بها من غير ما أشوفها».

لم تؤثر هذه الأحداث على مصطفى بالشكل الذي يعيق حياته المهنية.. «بعدها كنت بنزل وبغطي مظاهرات عادي؛ لأني لما بكون في قلب الأحداث، بكون مشغول في تفاصيل الأحداث ولو حد اتصاب بيكون همي هو إسعافه».

لكن الأمر لا يخلو من معاناة نفسية.. يقول مصطفى «بقيت لما بسمع سرينة الشرطة بتشائم منها وبكرهها وبكون حاسس على طول أن فيه كارثة هتحصل وبالذات لو سمعتها بليل».

التشاؤم أصبح مسيطرا على الصحفي بشكل كبير يقول: «مبقتش خايف على نفسي من الموت، قد ما أنا خايف أموت في الأحداث دي على الفاضي.. لأن البلد مش هتتغير».

متلازمة ستكهولم.. كيف يمكن أن يدافع الضحية عن الجلاد

نيران غير صديقة

لم يكن «حسام محمد» الذي يعيش بمحافظ أسيوط يعلم أن هذا الشارع الذي يسكن فيه هو وعائلته سيكون أكبر مصدر للرعب بالنسبة له ولطفلته.

كان يوم هادئ آخر لا ينذر بشيء، وفجأة انتفض الجميع بعد سماع دوي انفجار شديد.. يحكي حسام: «انفجرت أنبوبة البوتجاز في الشقة اللي تحتنا». تصاعدت النيران وتطايرت في كل مكان.. «مكناش عارفين ننزل ونهرب من العمارة، وكان الحل الوحيد أننا نطلع السطح، كانوا بيشدونا بحبال عشان ينقذونا من وسط النار».

توفيت جارة حسام في الحادث، ومكث زوجها وابنها شهرا في المستشفى.. ورغم أن حسام نفسه لم يصب بأذى لكنه لم يعد إلى حالته الطبيعية قبل الحادث أبدا.. يحكي حسام: «الحادثة عملتلي فوبيا من أنبوبة البوتجاز ومن النار ومن صوت الانفجارات. بقعد سنين مقدرش أقرب للبوتجاز، ولو زوجتي مش موجودة أو لو أنا متواجد في القاهرة، وعايز آكل أو حتى أشرب حاجة بنزل الشارع ومولعش بوتجاز».

لم توقف تأثير الفوبيا عند هذا الحد فأسرة حسام قد انتقلت من هذ الشارع الذي شهد الحادث، لمنزل آخر، ومن هذا اليوم وهو لا يستطيع دخول الشارع مرة أخرى أو حتى رؤية ملاك العقار الذين يلحون عليه في العودة.

يقول حسام: «لما بزور حماتي أو أخو زوجتي مبقدرش أدخل الشارع وأمشي فيه من أوله ولازم أخرم من شوارع جانبية لحد ما أوصل  للبيت».

وكأني عايش فيلم

«كانت أول مرة أشوف حد بيموت.. بيتقتل قدام عيني».. كان هذا في أول مظاهرات دامية يُكلف الصحفي محمد رمزي بتغطيتها عندما كان صحفيا تحت التدريب.

اعتاد رمزي على تغطية العديد من التظاهرات لكن الأمر لم يكن يتجاوز دائما بعض قنابل الغاز والطوب الذي يلقى بعشوائية هنا وهناك.

يحكي رمزي: «شوفت واحد مضروب بالخرطوش في دماغه وكتل دم عمالة تنزل منه.. بقيت عمال أجرى ومش شايف ولا سامع أي حاجة حواليا غير أني خايف الضرب يجي من أي مكان».

أحداث عنف لا تقل بشاعة شاهدها «رمزي»، في هذا اليوم الذي اضطر لاستكماله لآخره حتى ينجز مهمته كصحفي، إطلاق نار عشوائي على المتظاهرين، قنابل الغاز، أهالي المنطقة الذين يعتدون على المتظاهرين بكل ما تملكه أيديهم من طوب أو آلات حادة.

كانت المرة الأولى والأخيرة التي يقرر فيها الصحفي تغطية مثل هذه الأحداث الدامية.. «الموضوع كان صدمة، خدت وقتها وعدت؛ طبيعة المهنة بتجبرك أنك تنسى وتكمل، لكن مقدرش أمنع نفسي من استرجاع الأحداث في كل مرة بسمع فيها عن مظاهرات. مقدرش أمنع نفسي من هاجس مسيطر عليا كل ما أدخل البيت ويكون فاضي أو كل ما أعدى في شارع ضلمة أني أتخيل أن فيه قنبلة هتفرقع».  

اضطراب الشخصية البينية.. صدمات نفسية تدفه للانتحار

لسه فيه أمل

«اضطراب ما بعد الصدمة».. هكذا يصف استشاري الطب النفسي والمخ والأعصاب، الدكتور إبراهيم مجدي لـ«شبابيك» الصدمة النفسية التي تسيطر لدى البعض عند تعرضهم لحوادث عنيفة.

لا تقتصر هذه الحوادث على أحداث عنف من انفجارات أو إطلاق نار أو مشاهدة القتلى، ولكن الصدمة النفسية تتشابه في الحوادث الكبرى مثل سقوط المباني أو التعذيب أو الاغتصاب، وجميع الأحداث التي تشعر الشخص الذي يتعرض لها بالعجز والاضطراب العاطفي الشديد.

أعراض مختلفة تظهر على الشخص الذي يتعرض لهذه الحوادث العنيف، قد تظهر مباشرة بعد الحادث أو بعده بأيام وربما شهور.. تتفاوت هذه الأعراض من شخص لآخر، ولا يشترط أن تظهر جميعها عند كل الاشخاص؛ ومنها:

  • الاستعادة المؤلمة والمتكررة للحادث
  • الكوابيس الليلة المزعجة التي تتعلق بالحادث
  • شعور مفاجئ بأن الحادث يتكرر لمرة ثانية
  • ردود فعل فيسيولوجية عند حدوث أي شيء له علاقة بالحادث مثل دقات القلب السريعة أو صعوبة التنفس أو الدوخة وتصبب العرق عند سماع صوت إطلاق النار مثلا.
  • صعوبة في تعبير الشخص عن مشاعره أو إظهار مشاعر إيجابية للآخرين.
  •  العزلة الاجتماعية أو البعد عن الأنشطة التي كان يحبها
  • النسيان النفسي وهو نسيان تفاصيل كثيرة ومهمة تتعلق بالحدث.

عالج نفسك بنفسك

عند التعرض لهذه الأحداث العنيفة فاستشاري الطب النفسي يفرق بين شيئين؛ الأول هو «اضطراب ما بعد الصدمة» والتي يحدث بسبب معايشة أحداث عنيفة للغاية تؤثر على الشخص أو الأشخاص المقربين منه، وتصحبها هذه الأعراض السابقة، والتي تحتاج لتدخل الطبيب النفسي بما يعرف بالعلاج المعرفي السلوكي.

أما إذا لم تؤثر هذه الأحداث على الشخص بشكل كبير فيحدث له ما يسمى بـ«قلق ما بعد الصدمة» وهو شعور بالقلق والخوف يزول بعد مرور الحادث ولا يتكرر بعد مضي الحادث.

هذا القلق يمكن التغلب عليه في خطوات هي:

  • الابتعاد عن أي شيء يتعلق بهذا الحادث لعدة أيام حتى لو مجرد سماع الأخبار.
  • محاولة السيطرة على النفس والتدريب على الهدوء والاسترخاء.
  • الحديث مع شخص يتفهم الوضع ولا يلقي باللوم على الشخص لتواجده في مثل هذه المواقف.
  • تهيئة النفس وتدريبها على توقع أي شيء فيما بعد، حتى يكون حصانة ضد الصدمات النفسية.

مريض وتهرب من غرفة العمليات.. هكذا تتغلب على خوفك

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال