رئيس التحرير أحمد متولي
 6 من شباب يناير «غير المؤدلج» يتحدثون عن الإحباط والأمل

6 من شباب يناير «غير المؤدلج» يتحدثون عن الإحباط والأمل

ست سنوات مرت على ثورة الخامس والعشرين من يناير.. مدة كبيرة تزدحم بالأحداث والصراعات والأطماع السياسية، غير أن موجة من الإحباط بدأت تتصاعد مرة أخرى بين الشباب، يرجعها البعض لأسباب اقتصادية أو لأسباب أخرى تزعم أن الثورة لم تحقق أيا من أهدافها حتى الآن.

يتحدث «شبابيك» مع مجموعة من الشباب شاركوا في الثورة دون الانتماء لأي أحزاب أو تيارات سياسية.. يتحدثون عن أحلامهم وطموحاتهم.. وهل لا يزالون يتمسكون بثورتهم وأهدافها، بعد كل ما رأوا كما كانوا قبل ست سنوات؟

موجة ثورية قادمة

يعمل محاميا يحمل هموم الناس بين يديه، ربما لهذا السبب كان «إيهاب عزت» مهموما بالشأن العام قبل الثورة بزمن بعيد يعود للعام 2008، ومن وقتها وهو يحلم بتحرك شعبي يحرك المياه الراكدة؛ وجاءت ثورة يناير لتكون «أفضل حدث» في حياته كما يصف.

يحكي لـ«شبابيك»: «كان لي شرف المشاركة من أول يوم في الثورة، طبعا تجربة تونس أعطت الناس دفعة قوية، وبعد كدا تصاعدت الأحداث بعد جمعة الغضب جعلهم متمسكين بالميدان أكثر».

رغم كثير من الإحباط الذي يثار في الأفق يُصّر «عزت» أن ثورة يناير هي أفضل حدث في تاريخ مصر أيضا.. أخذت هذه الثورة مسارا خاطئا، ووقعت في أخطاء يتحمل مسئوليتها الجميع؛ لكن «لا يمكن بأي حال من الأحول أن نترحم على أيام ما قبل الثورة».

قد يرى أن الثورة تأخرت كثيرا في تحقيق العديد من أهدافها، لكنها حققت أعظمها على الإطلاق وهو كسر حاجز الخوف وكشف الوجوه الزائفة، يقول: «لسه فيه صوت بيتحدى كل اللي بيحصل، لسه فيه صوت رافض الإحباط وبيدل على رغبة قوية وحقيقية في التغيير».

 

ثورة يناير

يؤمن «عزت» بأن هناك موجة ثورية أخرى لا محالة، بسبب كثرة الضغط خاصة الاقتصادي الذي سيدفع الناس مرة أخرى للانفجار.. هو نفسه من المؤمين بضرورة التحرك مرة أخرى.. ويقول: «أنا مع أي تحرك يحصل في الشارع لأنه هيكون موجه من موجات يناير، وهكون أول المشاركين فيه»؛ لكنه يحذر من أن يكون هذا التحرك مصحوبا بفوضى تخلق أوضاعا أسوأ مما هي الآن، أو أن تبتعد مطالب شباب الثورة عن مطالب الشعب مرة أخرى. «التغيير هيحصل لما نضفر مطالبنا مع مطالب الشعب، لو الناس بتعاني مشكلة اقتصادية يبقى التحرك من فوق هدفه مواجهة هذه المشكلة».

التغيير يبدأ من الفرد

ثورة يناير

لا يزال محمد الحسيني، المهندس المعماري، متمسك بالكثير من الأمل، لكنه أمل واقعي كما يصف في حديثه لـ«شبابيك».

«من حق الشباب أن يصيبهم الإحباط.. كان شعار الثورة هو عيش، حرية، عدالة اجتماعية.. ولكن متحققتش أي حاجة من هذه الشعارات».

لا يستطيع «الحسيني» أن يلوم كثير من الشباب على فقدانهم الأمل أو جرعة الإحباط الكبيرة التي أصابتهم.. وفق ما يرى «تعرض عدد كبير منهم لكثير من الظلم، وطاقة تحمل كل منهم تختلف من شخص لآخر».

«الحسيني» هو واحد من الشباب الذين لا يزالون يؤمنون بكثير من الأمل في الثورة التي غيرت وعي الشباب للأبد. يضيف لـ«شبابيك»: «الثورة خلقت جيل واعي من الشباب، يقرأ ويحلل وينقد وبيبحث عن المعلومة بنفسه؛ وكمان الناس البسيطة مش هتستحمل الفقر والجوع لوقت طويل».

لعل قضية «تيران وصنافير» تعطي له الكثير من الأمل، يقول: «رغم كم الإحباط اللي الشباب عايشه دلوقتي، لكن لما نشوف قضية زي تيران وصنافير، هتلاقي لسه فيه شباب فضلوا يحاربوا عشان جزء من البلد ويسافروا ويجيبوا وثائق من كل مكان في العالم، رغم أن الأمل كان شبه معدوم في القضية».

يريد «الحسيني» من الشباب أن يتمسكوا بكثير من الأمل والإيجابية، ويشدد: «لن يحدث التغيير بين يوم وليلة أو بالأصح سيحدث في المستقبل البعيد.. لن يكون التغيير هذه المرة ثوريا أو سياسيا».

ويضيف: «كل الشباب عليه أن يبدأ بالتغيير من نفسه ومن دائرته الخاصة.. في عمله أو موهبته، وينقل فكرة التغيير دي للناس اللي حواليه وللجيل اللي بعده، لو كل شاب ابتدى يغير من نفسه وفي المجال الخاص به، البلد كلها هتتغير، وفي يوم من الأيام هيخرج جيل مؤمن بفكرة يناير لكنه عنده القدرة على التغيير العملي».

سنتعلم من الأخطاء

لم يكن إيميل حلمي، مهندس الميكانيكا، يشارك في أي أحداث سياسية قبل الثورة. كان تفاعله مع الأحداث يتلخص في متابعة التصاعد السياسي قبل الثورة وأن يحلم فقط بالتغيير.

جاءت أحداث يناير لـ«إيميل» كطوق نجاة من اليأس والإحباط. يحكي: «كنت بتابع الثورة من أول يوم، يمكن مقدرتش أنزل غير بعد جمعة الغضب 28 يناير بسبب معارضة أهلي وخوفهم من نزولي.. لكن بعد كدا شاركت في كل الأحداث المهمة للثورة؛ أبرزها أحداث محمد محمود».

ذكريات كثيرة تدور في رأسه وهو يحكي تجربته.. كان شباب الثورة منقسما على نفسه، ربما «إيميل» نفسه لم يكن مقتنعا بالنزول للميادين في بعض الأحداث ويشارك فقط حتى لا ينقسم الميدان أكثر.

ربما تكون هذه الذكريات مغلفة الآن بطبقة من الإحباط، لكنه لم يفقده الأمل رغم ذلك. يقول «إيميل»: «بعد 7 سنوات من الثورة، شايف أن كل اللي بيحصل هو المسار الطبيعي لأي ثورة، البلد غرقانة في الفساد لأكتر من 30 سنة. واللي بيحصل دلوقتي هو أن عيوب المجتمع بانت. مكنش عارفين أن عندنا مشاكل تحرش أو انفلات أمني أو مشاكل اقتصادية، غير لأن الثورة كشفت كل ده».

ثورة يناير


قد تكون نبرة الإحباط التي تعلو وجه «إيميل» بسبب هؤلاء الذين فقدوا الإيمان بالتغيير. «متفائل أنه هيحصل تغيير على المدى البعيد لكني محبط من الناس اللي بتقول ياريت نرجع لما قبل الثورة.. محبط من استسلامهم للأمر الواقع.. رغم الناس دي هي اللي في إيديها تحدد أننا هنغير أو لأ».

التغيير حدث بالفعل

ثورة يناير

كانت لدى الشاب محمد العسال، صاحب مصنع، ميول واهتمام كبير بالسياسة قبل الثورة.. لم ينتمِ لأي حزب سياسي لعدم اقتناعه بها، لكنه كان يحمل قناعة كبيرة لإحداث تغيير كبير في البلد.. يقول: «شاركت في الثورة لأني كنت رافض التوريث وكان الهدف الأساسي من نزولي هو تغيير النظام».

لكن مشاركة «العسال» في الثورة لم تدم طويلا؛ شارك في الأحداث التي أعقبت جمعة الغضب بالعريش، حيث كان يقيم في ذلك الحين.

 يحكي لـ«شبابيك»: «آخر مشاركة لي كانت في اعتصام ماسبيرو، بعد كدا رفضت المشاركة في أي أحداث أخرى حتى الأحداث الكبيرة منها زي «محمد محمود» لأن الثورة كان بيتلعب فيها من القوى السياسية والأحزاب اللي كل واحد له مطامعه الخاصة».

كان التغيير الذي يريده قد حدث وهو تغيير النظام، وهو الشيء الذي نزل لأجله في الميادين أصحاب القضية الحقيقيين من شباب ونساء وشيوخ، بعد ذلك تحولت التظاهرات في رأيه لتظاهرات «يقودها النشطاء السياسيين من خلال فيس بوك».

«محمد العسال» هو واحد من قليليون لا يزالون يحملون نبرة تفاؤل كبيرة للغاية فيما يتعلق بأهداف وأحلام الثورة.. يقول: «التغيير حصل وفيه شغل كبير بيحصل في البلد دلوقتي، مش شايف الدنيا وردي بالتأكيد، شايف أننا بنمر بأزمة لكن الناس هم جزء من الأزمة.. التجار اللي بيستغلوا الموقف ويغلوا الأسعار، الضباط اللي بيمارسوا سلطاتهم على الناس.. الناس اللي لسه بتتعامل بالواسطة.. مهما اتغير رأس السلطة والشخص اللي بيحكم لكن البلد مش هتتغير لو الناس متغيرتش».

يعود «العسال» مرة أخرى ويلوم من فقدوا الأمل، والذين يراهم سبب نبرة الإحباط التي سيطرت على شباب الثورة: «الناس بتقول أن قبل الثورة كان أفضل وياريت نرجع لأيام مبارك.. لكن هم نسيوا أن أيام مبارك حصلت طفرة في زيادة الأسعار، وزادت للضعف وأكتر وكمان كانت المرتبات قليلة مقارنة بدلوقتي».

البعد عن السياسة حل آخر

رغم عملها كصحفية، لم تكن نانسي فارس، تهتم بالسياسة، ليس أكثر من اهتمام تصفه بالـ«عادي» حتى كان ما حدث من ضجة بسبب مقتل «خالد سعيد» وتفجير كنيسة القديسين، بدأت تشارك في تظاهرات تمس القضيتين دون أن يكون لها علاقة بأي فصيل سياسي.

تمر الآن ست سنوات على الثورة ويزاد إيمان «نانسي» بها. ولو عاد الزمن إلى الوراء لشاركت في الثورة مرة ثانية وثالثة.. لكن كل هذا لا ينفي سيطرت الإحباط عليها.

تقول لـ«شبابيك»: «اللي بيحصل دلوقتي هو نتيجة غلطة كبيرة غلطناها وهي بعدنا عن الناس.. وعدم قدرتنا على الوصول إليهم».

لن يحدث التغيير في غرف مغلقة يتناقش فيها شباب الثورة حول الأوضاع السياسية ويطرحون فيها الحلول.. تؤمن «نانسي» أن التغيير الحقيقي سيحدث عندما نبتعد كل البعد عن السياسة ونبدأ في الاهتمام بالتوعية والتعليم ومخاطبة الناس بما يحتاجونه.. تقول: «الناس في الشارع بتشتكي من الأسعار يبقى نكلمهم في اللي يهمهم.. الناس بتحب تسمع مهرجنات يبقى نعملهم أغنية شعبية بتتكلم عن أحلام الثورة».

ثورة يناير

الحل الآن يكمن في المبادرات التوعوية غير السياسية، مثل مبادرات التعليم أو تطوير العشوائيات أو برامج لتعليم الشباب التعامل مع التكنولوجيا والبحث عن المعلومة بأنفسهم.. والتي خرج كثير منها من رحم الثورة ويجب أن تستمر وتنتشر: «يمكن بعد 20 سنة نلاقي البلد حصل فيها تغيير، ويكون الناس وقتها جاهزين ومؤهلين أنهم يفهموا سياسة».

كثير من الصبر

ثورة يناير

كان لمخرج الأفلام القصيرة خالد منصور، رأي أكثر تفاؤلا وواقعية: «لا توجد ثورة تنجح بين يوم وليلة.. لم يحدث هذا في تاريخ أي شعب من شعوب العالم».

لا يؤمن «منصور» بالاستسلام أو الإحباط؛ ربما يكون الوضع في رأيه يدعو للإحباط بكل الطرق، لكن الشباب وعيهم قد زاد وسيزداد انتقادهم لكل ما يرفضونه من أوضاع.

يقول مخرج الأفلام القصيرة لـ«شبابيك»: «الناس وعيها زاد، وفي الوضع السياسي خصوصا هتلاقي زحمة، الناس بتختلف وتتخانق مع بعضها.. قضية زي تيران وصنافير، لو كانت أيام مبارك كان الموضوع هيتم في صمت، لكن الثورة خلقت نوع من الدوشة المفيدة اللي هتساهم في تغيير بعض الأوضاع».

ربما لا يفهم كثيرون قواعد أي ثورة كما يراها «منصور».. «الثورة مش بتصلح كل حاجة في يوم وليلة، الثورة يعني تغيير على المدى الطويل لأسس وقواعد دولة وثقافة اجتماعية وتغيير للوعي، وده هياخد سنين طويلة جدا».

25 يناير مش بس ذكرى الثورة.. هذه أبرز أحداثه

أميرة عبد الرازق

أميرة عبد الرازق

محررة صحفية ومترجمة مصرية مهتمة بشؤون التعليم واللغات وريادة الأعمال